مقالات وآراء سياسية

مسرح اللامعقول السياسي ٢/١

محمد حمد مفرح

 

يعتبر مسرح اللامعقول من أهم الحركات المسرحية الطليعية في القرن العشرين. وقد تأثرت هذه الحركة

بالفلسفة اللاعقلانية وأدب الغرابة والسريالية. وينبني هذا المسرح على الغرابة والشذوذ واللامنطق Illegality وكذلك انعدام الترابط السببي حتى في اللغة، مع استعمال لغة الصمت.

ونظرا لما تعج به الميديا ووسائل التواصل الاجتماعي من آراء وأفكار وتوجهات تتسم بالغرابة والبعد عن جادة الحق ومنطق الأشياء فيما يتصل بتشريح الراهن السياسي السوداني ومالاته، نظرا لذلك، فقد بدا هذا الراهن أشبه بمسرح اللامعقول. ذلك أن الميديا ووسائل التواصل الاجتماعي ظلت، منذ فترة طويلة، تحفل بغرائب الآراء والأفكار التي يمثل بعضها تيارا غارقا في مستنقع الدفاع عن الباطل عبر الدفع بحجج وأدلة لا تستند الى منطق أو موضوعية أو حكمة، مقابل تيار اخر له منطقه المتماسك وحججه القوية وحيثياته المقنعة. والغريب في الأمر أنه بقدر ما أن التيار الثاني يقدم حججا وأدلة غاية في الموضوعية لا ينكر منطقها الا مكابر أو ذو غرض، فان التيار الأول بستميت في لي عنق المنطق والالتفاف على الحقيقة، متعاميا عن هذه الحجج والأدلة الموضوعية ومؤكدا على ادارة ظهره للحق الأبلج. و لذا فقد أثبت أنصار هذا التيار أنهم لا يراقبون الله في أقوالهم و مواقفهم و لا يتمتعون بالأهلية الأخلاقية مع اصرارهم المرضي (من المرض) على التمسك بارائهم هذه رغم أنف الحق حتى ولو كان مسنودا بأدلة من الكتاب والسنة.

ويتجلى هذا الأمر من خلال متابعة ما يدور في الميديا ووسائل التواصل الاجتماعي من صراع آراء حيال أزمة السودان السياسية الراهنة التي أفرزتها الحرب، وكل ما يتصل بها. ذلك أن ممارسات وآراء وأفكار القوى المناهضة لثورة ديسمبر المجيدة، قد كشفت، منذ بداية الفترة الانتقالية التي أعقبت الثورة، النقاب عن عوار وفجاجة وسطحية هذه القوى فيما يلي تعاطيها السياسي ومواقفها حيال النظام السياسي Political System المناسب للسودان والذي يعول عليه في تمهيد الطريق لتحقيق الغايات الوطنية ذات الصلة بنهضة البلاد وتطورها. فممارسات هذه القوى، الممثلة في بعض قيادات وكوادر نظام الانقاذ البائد وداعميهم بالإضافة إلى كل القوى التي تناهض التحول الديموقراطي الذي تسعى اليه الثورة، ظلت، أي هذه المممارسات، تتمحور حول أنشطة دؤوبة لوأد الثورة ومساعي حثيثة لاجهاض التحول الديموقراطي مع الدفع بأفكار و آراء تجانب الحق و الموضوعية و تتقاطع مع مصلحة البلاد العليا. و قد عمل هذا السلوك على تعرية العقل السياسي لهذه القوى و أكد على بعدها عن الوطنية و ألأهلية الأخلاقية، مع تمترسها في مصالحها الخاصة على حساب مصلحة الوطن. و الأدهى والأمر أن الكثير جدا من القيادات والكوادر المنتمية لهذه القوى ظلت تستميت في الدفاع عن ارائها ومواقفها بصورة متحاملة ومغرضة، دافعة بحيثيات غاية في الفجاجة واللاعقلانية و الاسفاف، بلا وازع ديني أو أخلاقي، وذلك دون أدنى احترام لعقول الناس.

ولكي لا ألقي القول على عواهنه وأطلق التهم جزافا دون حيثيات منطقية، أود الاشارة الى أن الميديا ووسائل التواصل الاجتماعي ظلت تحفل بسجال مستمر وعنيف بين داعمي ثورة ديسمبر المجيدة وبين المناهضين لها مع محاولة كل فريق التأكيد على صحة موقفه واستهدافه المصلحة الوطنية. وقد أكد هذا السجال على أن داعمي الثورة يؤيدون التحول الديموقراطي الذي يفضي الى انتخابات حرة ونزيهة وشفافة بناء على أن ذلك هو السبيل الوحيد لاقامة نظام حكم ديموقراطي حقيقي. وبالقطع يمثل هذا الرأي المدخل الحقيقي لانتشال البلاد من وهدتها المقعدة والشاملة واستشرافها افاق النهضة والتطور اللذين يعملان على تعبيد الطريق لبلادنا للحاق بركب التطور الدولي.

الجدير بالاشارة أن الديموقراطية الحقة True Democracy التي أعني و التي تتسق مع أفكار و آراء داعمي التحول الديموقراطي الحقيقي هي تلك التي تعالج سلبياتها وأوجه قصورها من داخلها ومن خلال نشاطها. كما أن هذه الديموقراطية تنبني على قيم الحرية والعدالة والمساءلة والشفافية وليس على الشخوص. وبذا فلا قدسية، في ظل هذه الديموقراطية لشخص، بل المعيار هو الالتزام بقيمها وشروطها. لذا فلا مجال فيها لأي ممارسات تتقاطع مع المصلحة العامة التي تستهدفها وتحميها.

من جانب اخر فان أعداء التحول الديموقراطي، ووفقا لارائهم وأفكارهم التي تعكسها الميديا عبر السجال المشار اليه انفا، ظلوا بستهدفون قوى الثورة و يستميتون في شيطنتها والصاق التهم الجزافية بها دون أدلة أو حيثيات. و الغريب في الأمر أن بعضهم يتعامى عمدا ومع سبق الاصرار والترصد عن التهم المنسوبة لكوادر نظام الانقاذ، بل أن بعضهم يمتدح هذا النظام ويسعى لاعادته وذلك في مسعى واضح لضرب التوجه الديموقراطي في مقتل وإعادة عقارب الساعة الى الوراء.

وهكذا يتواصل السجال بين الفريقين المشار إليهما، مع استماتة الفريق الذي يسعى لاجهاض التحول الديموقراطي في التعامي عن الحق و انكار المنطق والمضي قدما في هذا المسعى الهدام. ويكشف هذا التوجه الممنهج مدى اصرار البعض على مجافاة السوية والعقلانية و ضرب عرض الحائط بكل ما من شأنه تحقيق مصلحة الوطن. ومن المؤكد أن هذا التوجه يمكن أن يقود الى حالة تامة من انسداد أفق الحل السياسي لأزمة البلاد الماثلة بل ويوردها موارد التفكك و التلاشي، ما لم يتحلى داعموه بالحكمة والعقلانية.

 

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..