مقالات وآراء سياسية

عقلية الساسة السودانيين والمآلات القادمة – قراءة في أزمة النظام السياسي

زهير عثمان حمد

 

في خضم العاصفة السياسية التي تهز السودان، تبرز أسئلة جوهرية حول عقلية النخبة التي تدير البلاد منذ عقود. هذه العقلية، التي تبدو متجذرة في منطق “الغنيمة والصراع”، قد ساهمت بشكل مباشر في تعميق الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، مما يهدد مستقبل السودان كوطن موحد ومستقر.

 

عقلية “الضحية والجلاد”

تمارس النخبة السياسية لعبة خطيرة من خلال تبني سردية الضحية الوحيدة، وهو ما يؤدي إلى ترسيخ الانقسامات بدلاً من معالجتها. فالجيش، الذي حكم البلاد لعقود بقبضة حديدية، يحاول اليوم تقديم نفسه كطرف مظلوم في معادلة الصراع السياسي، بينما تتبنى قوى المعارضة خطاباً انتقامياً يختزل كل الأزمات في “الفساد العسكري”. هذه الازدواجية في الخطاب السياسي تعيد إنتاج العنف بدلًا من احتوائه، مما يجعل من الصعب إيجاد حلول مستدامة.

 

لغة التخوين وإسقاط الإنسانية

بلغ الانحدار السياسي ذروته في السودان باستخدام لغة التخوين المتبادلة والتوصيفات المهينة، والتي تصل في بعض الأحيان إلى مستوى خطابات الكراهية التي تستدعي أكثر الفترات ظلامًا في تاريخ البلاد. مثل هذه اللغة لا تعكس فقط انحطاطاً أخلاقياً، بل تؤكد أيضاً عجز النخب السياسية عن تقديم رؤية وطنية جامعة.

 

اقتصاد الريع والصراع على الموارد

يكشف التناقض الصارخ بين ادعاءات “الضعف السياسي” وواقع السيطرة على الموارد عن جوهر الأزمة : نظام سياسي قائم على اقتصاد الريع والصراع على الثروة. فالطبقة الحاكمة، بغض النظر عن موقعها في معادلة السلطة، تستمر في احتكار الموارد والاستفادة منها بعيداً عن مصلحة المواطن العادي، ما يفاقم حالة التهميش والإقصاء التي يعاني منها غالبية الشعب السوداني.

 

غياب العدالة الانتقالية واستمرار الإفلات من العقاب

لا يمكن للسودان أن يتقدم دون مواجهة ماضيه. فثقافة الإفلات من العقاب باتت جزءًا من التركيبة السياسية، حيث تتكرر الجرائم والانتهاكات دون مساءلة فعلية. إن عدم محاسبة المسؤولين عن جرائم دارفور، قمع المتظاهرين، والانتهاكات ضد المدنيين، يعني أن العنف سيظل متجذرًا في النظام السياسي، وسيستمر في إنتاج دورات جديدة من الصراعات والانتقام.

 

المستقبل : بين سيناريوهين

أمام السودان اليوم خياران لا ثالث لهما:

 

الاستمرار في دوامة العنف والتفكك: إذا استمر المنطق السائد، فإن مستقبل البلاد سيكون مظلماً، حيث ستتزايد النزاعات المسلحة، وسيتعمق الانقسام الاجتماعي، وقد يصل الأمر إلى خطر انهيار الدولة.

 

تبني خيار الحوار الوطني الشامل: وهو المسار الوحيد القادر على إنقاذ البلاد من المصير المجهول، ويتطلب هذا المسار:

 

الاعتراف بالأخطاء التاريخية وتحمّل المسؤولية.

 

إعادة توزيع الثروة والسلطة بشكل عادل.

 

بناء مؤسسات عدالة انتقالية حقيقية تكفل المحاسبة والمصالحة.

 

رسالة إلى الشعب السوداني

أيها الصامدون في وجه الأزمات،

 

لقد آن الأوان لكسر هذه الحلقة المفرغة من العنف والانقسام. لن يكون السودان قوياً ومستقراً إلا إذا اجتمع أبناؤه على رؤية موحدة تضع مصلحة الوطن فوق المصالح الحزبية والذاتية. لنرفع جميعًا شعار “لا للعنف.. نعم للحوار”، ولنعمل معًا على إنقاذ ما تبقى من هذا الوطن الذي يستحق مستقبلاً أفضل.

 

[email protected]

تعليق واحد

  1. مما شك غيه ان الجروب كلها تعيد صياعة الاطراف المشاركة فيها سواء كانت حربا داخلية اهلية او حربا ضد عدو خارجى فالعالم بخريطته الحالية سياسيا واقتصاديا لم يتشكل الا اثر حروب دامية خاضتها الشعوب فى شتى بقاقع الارض وكانت اخرها الحرب العالمية الثانية والتى راح ضخيتها اكثر من ثمانين انسان دعك عن المصابين والدمار التى احدثتها ففى كل عاصمة اوروبية او اكثر يوجد اثر يشير الحرب العالمية الثانية وييعيد ذكراها المؤلمة الى الاذهاب ويتم الاحتفال بها كل عام لتجديد هذه الدكريات الاليمة.. والسودان هنا لن يكون استثناء فالحرب التى استمرت لاكثر من نصف قرن فى جنوب السودان لم يتمكن السودانيون من ارساء ما يعيد ذكرى تلك الحرب بالرغم من ان اثارها لازالت تعتمل فى السودان حتى اليوم.. لم يمض وقت طويل على انفصال الجنوب بل وقبله استعرت الحرب فى دارفور وتقدر احصائيات القتلى يثلاثمائة الف انسان مع تهجير كامل لاثنيات ومجموعات عرقية من مناطقها الاصلية التى عاشوا فيها لقرون وتم ذلك للاسف الشديد بدعم من الحكومة المركزية والتى عملت على حماية المجرمين وافلاتهم من العقاب ولا ريب فان الحروب التى تلتها بما فيها الحرب الاخيرة فان احد أسبابها الرئيسية هو افلات المجرمين من العقاب فلم يتورعوا فى اشعال الحرب مرة اخرى هذه المرة من العاصمة المثلثة وبعد ان تسللوا الى المواقع الاستراتيجية فى الدولة بدءا بالقصر الجمهورى مطار الخرطوم الاذاعة معسكرات سوبا وبحرى وغيرها.. لقد ارتكب ساستنا وقياداتنا العسكرية اخطاء قاتلة بحق الوطن بغية بقائهم على كراسى السلطة ولكنه كان على حساب الوطن.. لا مجال لعودة السودان معافى الا بتحمل اى مواطن لمسؤوليته فاهدار الموارد و اتلافها وسوء الادارة والفساد كلها علل تنتهى باحداث الدمار فى حسد الوطن كما نراه الان… ينطلب الامر قدرا كبيرا من ركوب الصعاب وليس كما نراه على الساحة الان فالحركة الاسلاموية اقترفت الكبائر بجق الوطن واليساريون ومثلهم الاحزاب الطائفية كلها جنت بحق الوطن يجب فتح كل الملفات منذ الاستقلال فالذين باعوا اراضى حلفا لمص مجرمون وخونة واجب تقديمهم لمحاكمات لاثبات براءتهم وكذلك من اقترفوا المذابح فى الجزيرو ابا ومن اضاعوا مشروع الجزيرة والمؤسسات الحكومية الاخرى تجب اعادة فتح ملفاتهم ولا يمكن تحمل رؤية المجرمين يذهبون بما نهبوا و يمشون بيننا فهم لا يختلفون عن لصوص الدعم السريع باى حال من الاحوال اذا اردنا المضى بالسودان الى الامام خقا… تجربة تدور فصولها فى دولة بوركينافاسو وهى جديرة بالمتابعة هذا الشاب ابراهيم تراورى يكتب فصولا فى كتاب غريب على القارة الافريقية والعالم الثالث فقد دفع الرجل مبلغاقدره اربعة مليارات ونصف من الدولارات جملة ديون بلاده المستحقة لتنعتق واقادوقو من سيطرة قوى التسلط والهيمنة هل بمقدورنا اتخاذ خطوة مماثلة ونتجرع كاس السم رغم خطورته..؟؟؟

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..