الحرب وفلسفة العيــــــــــد

ظِلَال القمــــــر
عبدالرحمن محمـــد فضــل
يعود علينا هذا العيد وبشريات الامن والسلام وتحرير الخرطوم وعودة الامن والسلام بعد مرارات الصراع والخوف والرعب التي زعزعت استقرار الامنين، ولكن مازالت بلادنا ترزح في اثار الحرب الكارثية ومآسيها وآلامها واحزانها واعتقد جازما ان كل الاعياد التي كانت قبل الحرب سوف تكون ماضي مختلف كثيرا عن هذا العيد الذي اعقب نهاية الحرب بتحرير الخرطوم من قبضة الجنحويد لاننا كمجتمع يجب ان نكون تعلمنا درسا بليغا عن اهمية الامن والسلام وان نعطي يوم عيدنا اهمية ورمزية مختلفة وفق رؤية اوسع واكبر، وما أشد حاجتنا نحن المسلمين إلى أن نفهم أعيادنا فهما جديدا، نتلقاها به ونأخذها من ناحيته، فتجيء أياما سعيدة عاملة، تنبه فينا أوصافها القوية، وتجدد نفوسنا بمعانيها، لا كما تجيء الآن كالحة عاطلة ممسوحة من المعنى، أكبر عملها تجديد الثياب وتحديد الفراغ، وزيادة إبتسامة على النفاق والغش والخداع، فالعيد إنما هو المعنى الذي يكون في اليوم لا اليوم نفسه، وكما يفهم الناس هذا المعنى يتلقون هذا اليوم، وكان العيد في الإسلام هو عيد الفكرة العابدة، المتعلقة بالايمان والعقيدة وبظهر ذلك جليا في ترديد شعار العيد (الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله الله اكبر ولله الحمد) ولكن للاسف فأصبح عيد الفكرة العابثة وكانت عبادة الفكرة جمعها الأمة في إرادة واحدة على حقيقة عملية، فأصبح عبث الفكرة جمعها الأمة على تقليد بغير حقيقة، له مظهر المنفعة وليس له معناها كان العيد إثبات الأمة وجودها الروحاني في أجمل معانيه، فأصبح إثبات الأمة وجودها الحيواني في أكثر معانيه، وكان يوم استرواح من جدها، فعاد يوم استراحة الضعف من ذله، وكان يوم المبدأ فرجع يوم المادة! ليس العيد إلا إشعار هذه الأمة بأن فيها قوة تغيير الأيام، لا إشعارها بأن الأيام تتغير، وليس العيد للأمة إلا يوما تعرض فيه جمال نظامها الإجتماعي، فيكون يوم الشعور الواحد في نفوس الجميع، والكلمة الواحده في ألسنة الجميع، يوم الشعور بالقدرة على تغيير الأيام، لا القدرة على تغيير الثياب وليس العيد إلا تعليم الأمة كيف تتسع روح الجوار وتمتد، حتى يرجع البلد العظيم وكأنه لأهله دار واحدة يتحقق فيها الإخاء بمعناه العملي، وتظهر فضيلة التوحيد والإخلاص مستعلنة للجميع، ويهدي الناس بعضهم إلى بعض هدايا القلوب المخلصة “المحبة والاخاء” وكأنما العيد هو إطلاق روح الأسرة الواحدة في الأمة كلها وليس العيد إلا التقاء الكبار والصغار في معنى الفرح بالحياة الناجحة المتقدمة في طريقها، وترك الصغار يلقون درسهم الطبيعي في حماسة الفرح والبهجة، ويعلمون كبارهم كيف توضع المعاني في بعض الألفاظ التي فرغت عندهم من معانيها، ويبصرونهم كيف ينبغي أن تعمل الصفات الإنسانية في الجموع عمل الحليف لحليفه، لا عمل المنابذ لمنابذه، فالعيد يوم تسلط العنصر الحي على نفسية الشعب وليس العيد إلا تعليم الأمة كيف توجه بقوتها حركة الزمن إلى معنى واحد كلما شاءت، فقد وضع لها الدين هذه القاعدة لتخرج عليها الأمثلة، فتجعل للوطن يوما ماليا إقتصاديا تبتسم فيه الدراهم بعضها إلى بعض، وتخترع للصناعة يومها، وتجعل للعلم يوما ، وتبتدع للثقافة كذلك يوما تزين به الايام ولكن يظل العيدين هما رمزان للاسلام وترتبط بعقيدة الاسلام والتوحيد ومناسك الإسلام، وعبر التاريخ الانساني تظهر كثير من المنعطفات السياسية وكثير من الحقب السياسية التي ربما تستثمر بعض المعاني السياسية القوية هي التي من أجلها فرض العيد ميراثا دهريا في الإسلام، ليستخرج أهل كل زمن من معاني زمنهم، فيضيفوا إلى المثال أمثلة مما يبدعه نشاط الأمة، ويحققه خيالها وتقتضيه مصالحها عيدكم مبارك وعيدكم سعيد والعيد فرحة.