مقالات وآراء سياسية

عقدة الدونية لدى الجنجويد

شهاب طه

 

“كل الإحترام والتقدير لكل قبائل السودان حيث ليس هناك قبيلة أفضل من الأخرى ولا فرد أفضل من أي فرد، وبهذا التشخيص أخص مليشيا الجنجويد فقط، وداعميها”.

 

تتعدد العوامل النفسية والاجتماعية والسياسية التي تقف خلف هذه الحرب، لكن من أبرزها عقدة الدونية التي يعاني منها الجنجويد تجاه أهل الشمال. هذه العقدة ليست مجرد شعور عابر بالنقص، بل هي ديناميكية متجذرة تشكّل سلوكهم السياسي والعسكري، وتدفعهم إلى العنف كوسيلة لتعويض إحساسهم التاريخي بالتهميش.

 

الأصل النفسي لعقدة الدونية

من منظور علم النفس الاجتماعي، تنشأ عقدة الدونية (Inferiority Complex) عندما تتراكم مشاعر النقص عبر الأجيال نتيجة عوامل ثقافية أو اقتصادية أو سياسية. في حالة الجنجويد، فإن الإحساس المتوارث بالتهميش أمام أهل الشمال، الذين ظلوا تاريخياً مركز السلطة والنفوذ في السودان، خلق لديهم نزعة تعويضية قوامها العنف والقوة المفرطة، بدلاً من تحقيق التفوق عبر تطوير الذات والاستفادة من الموارد البشرية والطبيعية المتاحة لهم.

 

الجذور التاريخية للتهميش

لا يمكن فهم عقدة الدونية هذه بمعزل عن التمييز التاريخي في السودان. فمنذ الحقبة التركية-المصرية ثم الاستعمار البريطاني، تمتع الشمال السوداني بنفوذ أكبر في مؤسسات الدولة، نتيجة تفوقه في التعليم والإدارة والتنمية في كنف المستعمر، بينما بقيت مناطق مثل دارفور وكردفان على هامش الدولة بسبب سياسة المستعمر التي ركزت التنمية حول ضفاف النيل ولم تكن مهمومة بالأطراف.

 

هذا التفاوت ولّد شعوراً بالحرمان لدى بعض الجماعات العربية في دارفور، فوجدوا في الميليشيات المسلحة، وعلى رأسها الجنجويد، فرصة لتعويض هذا الحرمان عبر القوة والسلاح. وقد ساهم نظام البشير في تعميق هذه الأزمة، إذ صنع الجنجويد كأداة لمواجهة حركات الكفاح المسلح الدارفورية، مما رسّخ للجنجويد شعوراً بأنهم أصحاب دين مستحق على أهل الشمال، رغم أن حكومة البشير نفسها كانت تمثل قلة معزولة من أهل الشمال لم تكن تحظى بإجماعهم.

 

العنف كأداة تعويض نفسي

عندما اجتاح الجنجويد مناطق واسعة في السودان، لم يسعوا إلى طمأنة المواطنين أو تقديم مشروع سياسي يعزز شرعيتهم، بل تحولوا إلى أدوات قمع وحشية، يمارسون القتل والنهب والاغتصاب بلا رحمة. وبدلاً من توظيف القوة لتحقيق التنمية أو بناء مجتمع أكثر عدالة، استخدموها كأداة انتقام ونزع سلطة عبر العنف. والمفارقة أن شعورهم بالدونية لم يدفعهم إلى تجاوز تاريخ الجرائم التي ارتكبوها في دارفور، بل دفعهم إلى ارتكاب المزيد من المجازر، في محاولة يائسة لتعويض نقصهم عبر فرض الهيمنة المطلقة.

 

الحلقة المفرغة للعنف

من منظور التحليل النفسي التجريبي، فإن عقدة الدونية لا تتلاشى مع الزمن، بل تتعزز كلما استمر الصراع. فبدلاً من أن يؤدي القتل والنهب إلى تحقيق الإحساس بالتفوق، فإنه يعمّق العداء، ويكرّس فكرة أنهم العدو الذي يجب محاربته، مما يخلق حلقة مفرغة من العنف المتكرر. فكلما زادت قسوتهم، زادت مقاومتهم، وكلما فقدوا الشرعية، ازدادوا وحشية، حتى أصبحوا كياناً منبوذاً لا يمكن التعايش معه.

 

الحل السياسي : تفكيك المركزية لإنهاء الصراع

الحل الجذري للأزمة السودانية يقتضي تجاوز الحلول العسكرية، وإعادة التفكير جذرياً في المنظومة المركزية العقيمة التي كانت جذر كل الحروب. فبدلاً من اللجوء إلى القوة كخيار وحيد، تحتاج الدولة إلى حلول سياسية جريئة، مثل:

• إعادة هيكلة الحكم الفيدرالي ليكون كونفدرالياً في بعض الأقاليم

• منح الأقاليم ذات التعقيد التاريخي والاجتماعي، كدارفور، نوعاً من السيادة الكونفدرالية الذاتية، أو حتى الاستقلال التام

 

لكن الأزمة لا تتوقف عند صراع الجنجويد مع أهل الشمال، بل تمتد حتى داخل معسكر النضال الدارفوري نفسه، حيث عجزت عشرات الحركات المسلحة عن التوحد تحت هدف مشترك، مما جعل النزاع أكثر تعقيداً. وبينما تواصل السلطة المركزية تجاهل هذه التناقضات، يظل السودان عالقاً في دوامة نزاعات كان يمكن تفاديها لو وُجدت إرادة سياسية حقيقية، تعمل على تفتيت المشكلات الكبرى إلى مشكلات أصغر عبر إعادة توزيع السلطة كونفدرالياً لمنع النزاعات ووقف الحروب.

 

[email protected]

‫6 تعليقات

  1. عقدة الرزيقات التاريخية ليست بسبب ابناء الشمال المتعلمين والنخب المستنيرة وانما تمتد حتى قبائل دارفور التى تختلف عنهم فى الثقافة والتربية والمعتقد ولم يستطيعوا التكيف والعيش معهم فى كنف النظام والقانون . واصبح مواطن دارفور يعانى ويلات العنف والحرق والقتل والتشريد من جنجويد الرزيقات بمجرد انه مختلف عنهم . والحديث عن التهميش شماعة للفشل الاجتماعى للرزيقات فكل ولاية فى دارفور بها جامعة تضم جميع الدراسات ومدن مثل الفاشر والضعين ونيالا كانت موطنا ٱمنا لمليونيرات واثرياء غرب السودان فعصفت بها رياح الحقد والكراهية والفشل فاصبحت ركاما . والسؤال الكبير .. ما الذى جناه الرزيقات من حربهم ضد الدولة والشعب والمجتمع فخسروا الالاف من شبابهم ولن نذرف عليهم دمعة حزن ؟؟؟حصلوا من حربهم على صفر كبير .. او نصر اعلامى وهمى مثل نصر صدام حسين عندما تم اخراجه من حفرة العار ليعلق فى حبل المشنقة ولا زال انصاره يعتبرونه بطلا قوميا منتصرا .

    1. فإن الإحساس المتوارث بالتهميش أمام أهل الشمال، الذين ظلوا تاريخياً مركز السلطة والنفوذ في السودان، خلق لديهم نزعة تعويضية قوامها العنف والقوة المفرطة، بدلاً من تحقيق التفوق عبر تطوير الذات والاستفادة من الموارد البشرية والطبيعية المتاحة لهم.!!!
      الأمل الوحيد في ال٣٠ سنة الجاية حتى يفنى بالموت الحتمي كل من هم فوق الخمسين و تنتهي طريقة التفكير البدائي الذي ينتج مثل هذا الفهم كما هو مكتوب أعلاه و دراسة المشكلة بفهم علمي و تحليل اسباب الفشل الذي يؤدي إلى المشكلات و من ثم إيجاد الحلول و تطبيقها على الوجه الصحيح من خلال أداء إداري و سياسي واعي و مخلص بدل تعليق اسباب المشكلات للخزعبلات او التبعات الناتجة عن استمرار الفشل بسبب الفساد الكامل كما هو حادث في دولة السودان .عسى و لعل بعبقرية زمانية، تأتي اجيال سليمة و معافاة من أمراض الشخصية السودانية الساذجة و المتوهمة ( ان تحمل عليه يلهث او تتركه يلهث) يا شعب يا حائر

  2. التمثيل بجثة الشهيد خميس ابكر و حكامات المرتزقة ( يزغرتن ) لخص كل شيء فهؤلاء لا علاقة لهم بالإنسانية و القتل و النهب و الاغتصاب و نهب دهب النساء تحت تهديد السلاح جزء من ثقافتهم و يعتبرونه فروسية و شجاعة و شعورهم بعقدة الدونية و الحقد ليس تجاه الشمال و الوسط فقط و إنما تجاه كل من لا ينتمي لهم و ما حدث في نيالا و الجنينة و زالنجي و حصارهم لفاشر السلطان خير دليل…

  3. قال الفلمقاي :، تمتع الشمال السوداني بنفوذ أكبر في مؤسسات الدولة، نتيجة تفوقه في التعليم والإدارة والتنمية

    تعليق : لقد رأينا نتيجة هذا التفوق الشمالي المزعوم في التخلف و تدمير المشاريع التي تركها المستعمر و في اشعال الحروب و هدم مفهوم الدولة
    و الانبطاح لبمبة كشر و أولادها
    هههههههههههههههه

  4. يا بوي امشى انت ونظاراتك الكبيرة دى انتم سرطان السودان ويجب استاصاله يا أهل الشمالية

  5. لو تتبعنا أي مذمة يرمي بها اهل الشمال ومثقفيه علي (الجنجويد) وهي كلمة بالطبع تشمل كل الغرابه ولكن يتم قصرها علي الجنجويد مؤقتا حتي لا يثيرون حفيظة النوبه والزغاوه وبعض قبائل شمال كردفان الذين يمثلون مظلة الحماية لنخب الجلابه غير المقاتله،نجد ان هذه المذمات وللمفارقة تنطبق علي (عربان الشمال) اكثر من اي مكون آخر…
    وهذه المذمات كما هو معلوم تجسدها مقولتهم الشامله ( البجي من الغرب ما بسر القلب) ولكنهم تكتيكيا يستخدمونها ضد من يختلف معهم من الغرابه فقط،فمثلا نفس هذه المذمات كانت تساق ضد جبريل ومناوي واردول عندما كانوا ضدهم وقيلت ضد الجنرال كباشي عندما كان ضد ثورتهم الملونه وازيحت عنه بعد ان بذل لهم ارواح ابناء النوبة لحمايتهم وحماية امتيازاتهم.
    ما اود قوله ان كل ما يرمي به اهل الشمال اهل الغرب من مناقص ومذمات هي علل متأصلة في مجتمعات الشمال ويحاولون الصاقها بغيرهم ذرا للرماد في العيون وعلي مبدأ الفيك بدر بيهو.فمثلا كاتب المقال وغيره العشرات من نخب المركز يرمون الغرابه بعقدة الدونيه وهم منهم براء بينما نجد عقدة الدونيه متجذره في اهل الشمال بصوره كبيره جدا.فالشمال علي عكس بقية اقاليم السودان ينظرون لأنفسهم علي انهم عرب ويخضعون تماما للعرب والمصريين ولا يقبلون اطلاقا وصفهم بالافارقه لأنهم يرون العرب هم مثال للتفوق والمثاليه ومايريدون ان يكونوا عليه ولذلك يحاولون تقليدهم في كل شيء فتجد اسمائهم عربيه ويفسخون ويجلخون رجالا ونساء املا في لون ابيض يقربهم للعرب زلفي وتجد رجالهم يقلدون المنظر والذقن والسكسوكه العربيه ويحاولون بشتي السبل تقليد اي شيئ يشبهم بالعرب وحتي اعتناقهم للدين الاسلامي كان من باب انه سيجعلهم عربا!
    وهذا التقليد للعرب لن تجد مثله اطلاقا في اي قبيله في الغرب حيث تجدهم معتدين بأنفسهم و راضين تماما عن افريقيتهم ومافي زول مالي عينهم اطلاقا ولا ينظرون للعرب والمصريين بنفس نظرة اهل الشمال الخانعه المقلده.
    وعلي درجة اقل هناك عقدة المصريين عند اهل الشمال،فعندما يأتي الحديث عن المدنيه والحضريه فمثالهم الاعلي هو مصر والمصريين وكثير منهم يتبنون طريقة عيش المصريين ولهجتهم ويفعلون المستحيل حتي يتقبلهم المصريين كجزء منهم ولذلك باعوا حلفا وحلايب وشلاتين وابو رماد ونهبوا خيرات السودان وهربوها لمصر املا في رضاء المصريين عنهم وتقبلهم ولم يثبت حتي اليوم ان غرابي واحد طالب مصر بضم شبر من اراضي السودان مثلما يفعل الشماليين قديما وحديثا،فهل هناك خنوع ودونية اكثر من هذا؟
    الامر لم يقتصر علي الدونية وانما تعداها ل ما يطلق عليه (عيال الضيف) وهي لفظة تحقيريه يرمي بها الشماليين اهل الغرب ولكن لو رجعنا للتاريخ القريب،فسنجد ان (عيال الضيف) هم الشماليين انفسهم، حيث ان كتب التاريخ اثبت ان سكان الشمال تعرضوا للغزو والسبي من الاتراك والمصريين والانجليز وغيرهم وابان تلك الحقب الاستعماريه كان الباشا التركي او المصري او الخواجي يدخل بيت الشمالي ويترك طربوشه معلقا بالخارج ويباشر نسائه ويقضي وطره ولا يجرؤ صاحب البيت علي دخول بيت حتي يخرج الباشا ويسمح له بالدخول!. هذا مع عدم ذكر ما حصل ابان حملات الدفتردار الانتقاميه من استباحة كامله للشمال ونسائه وهو ما خلف اعداد هائله من اللقطاء او اولاد الضيوف كما يطلق عليهم الشمالين اليوم. والغريب في الامر أنهم يفاخرون حتي اليوم بأصولهم التركيه والمصريه والشركسيه والالبانيه وفي نفس الوقت ينعتون غيرهم بأولاد الضيوف.
    وللأنصاف يمكننا القول ان الشمالين الحاليين هم اولاد الضيوف الاتراك والمصريين والانجليز بحق وحقيقه وقبلهم هم كانوا ايضا ابناء الضيوف الغرابه انفسهم علي ايام المهديه وهي فترة يؤرخ لها مثقفيهم بأن جداتهم وقعن البحر وآثرن الموت علي اغتصاب دروايش المهديه ولو جارينا هذه الروايه يمكننا القول ان الشمالي الحالي اما ان يكون ود ضف انصاري او انهم قوم جاوءا من المريخ لأن نسلهم انقرض عندما وقعن حبوباتهم البحر! والفقره الاخيره هي ما يفسر اسباب حقد وحنق الشماليين من الغرابه والتقليل من شأنهم وتحقيرهم وهو سلوك تعويضي يستبطن عقدة نفسيه مخفيه بعناية.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..