السودان ليس جزيرة معزولة عن العالم بل في إنتظار بروميثيوس من أجل كسر دوائره الخبيثة…

طاهر عمر
الإسلامويين السودانيين لهم قدرة على السردبة وهم يلفهم الظن بأن جرة الحركة الإسلامية سوف تسلم كل مرة رغم أن اللطمة التي أخذوها بسبب ثورة ديسمبر كانت مدوخة لهم لأنها كسرت سر وجودهم و أوهامهم بأن الحركة الإسلامية خالدة لا تزول ولا يغشاها التغيير الى الأبد.
مسألة أوهام الإسلاميين بأنهم لا يغشاهم التغيير هي أوهام أتباع فكرة الإرادة الإلهية من كل شاكلة ولون وأنهم في أوهامهم يعيدون أخطاء أتباع المهدي في السودان وأوهام أن جيوش المهدية لا تهزم كذلك كان الإسلاميون في السودان لهم القدرة بأن يسلموها لعيسى الى أن جاءت ثورة ديسمبر بشعارها الجبّار حرية سلام و عدالة ليقول لهم أن الإنسانية تاريخية والإنسان تاريخي وأن هناك تحول هائل في المفاهيم على ضؤه يصبح مفهوم الدين تاريخي وقد أصبح الدين في مستوى لا يستطيع لعب أي دور بنيوي في السياسة و الإجتماع والإقتصاد ووفقا لعلماء الإجتماع فقد أصبح الدين في مستوى دين الخروج من الدين كما يقول مارسيل غوشيه في إستلافه من ماكس فيبر.
ولك أن تتخيل كيف تكون الصدمة لمن يعتقد بان الإسلام هو الحل عندما تدور به الدوائر ويجد نفسه محاصر بالهزائم من كل ناحية ها هي حماس وبنفس أوهام الإسلاميين السودانيين تدخل في مغامرة وهي متسلحة بوهم أن جيوشها لا تعرف الهزيمة فاذا بها تحصد أكبر هزيمة بل ستكون الهزيمة النهائية للإسلاميين وقد رأينا كيف غيرت إسرائيل الخارطة لصالحها فاذا بحماس تفتح على نفسها أبواب الجحيم وإذا بحزب الله يذهب مع الريح و يتهاوى عرش الأسد في سوريا بعد أن حولها الى ملكية وراثية.
وإيران تعود الى داخل إيران وهي تلعق جراح الهزيمة بعد أن إستثمرت بطموح في فكرة الإرادة الإلهية ونسيت أن عالم ما بعد الثورة الصناعية لأول مرة يصبح تاريخه واحد لكافة الإنسانية وأن ديناميكيته تكمن في الفعل الإنساني الذي يفترض أن الفرد عقلاني وأخلاقي وبالتالي لا تسوقه النصوص الدينية بل معادلة الحرية و العدالة.
وبالتالي قد أصبح العالم بأكمله متساوق ويسير عبر معادلة الحرية والعدالة وبالتالي قد أصبحت العقلانية هي من أكثر الأدوات لكسر حلقات الدوائر الخبيثة و الشب عن طوقها لكي تلحق الشعوب التي ما زالت في طور النمو بمواكب البشرية وقد حققت الإزدهار المادي. وهنا يتحدد دور النخب الحية التي لها قدرة على التمييز بين الفعل الإنساني وبين الإرادة الإلهية وهنا تظهر بوضوح قدرة الإنسانية في إبداع العقل البشري ومجد العقلانية.
ومن هنا يمكننا أن نقول أن الشب عن طوق الحلقات الخبيثة والدائرة الشريرة على وجه الخصوص في السودان تحتاج لنخب سودانية يخرج من بينها برميثيوس سارق النار بعد أن رأى هوان الإنسان وذله فقام بسرقة نار الآلهة و أعطاها للإنسان وبعدها تحمل عذابه الأبدي وبرميثيوس سارق النار السوداني يحتاج لقدرة عباقرة الرجال في تقديم فكر يفارق فكر الإسلاميين عبدة النصوص وقتلة النفوس لأن كل أفعالهم لا تفتح إلا على ذل الإنسان وهوانه وهم محبوسين في سياجاتهم الدوغمائية.
وبالتالي قد حان زمان أن يظهر سارق النار من بين النخب السودانية وينتصر للإنسان وللحياة بعد أن دمرها تيتان الحركة الإسلامية السودانية والتيتان هم ما سادوا قبل سيطرة آلهة الأولمب وبعدهام قد أصبح العالم عالم حب وسلام. لذلك يمكننا القول أن كسر حلقات الدوائر الخبيثة والشب عن طوقها في السودان سوف يقاومه الكيزان وكعادتهم بعقلهم التقليدي وسيبشعون بأنفسهم بشاعة تفوق الوصف وقد رأينا أفعال مليشياتهم وكيف تقوم بالقتل على الهوية وكلها أفعال تدل على أن الكيزان لا يمكن أن يكونوا أخلاقيين و لا عقلانيين على الإطلاق وهم منطلقيين من منطلق الإرادة الإلهية.
في وقت قد أصبحت الإنسانية التاريخية تفترض بأن الإنسان وظاهرة المجتمع البشري لا تفرز إلا فردا عقلاني وأخلاقي وبالتأكيد يحدث هذا في المجتمعات التي ظهر فيها بروميثيوس سارق وقد رفض هوان الإنسان وذله وبالتالي فقد سرق نار الآلهة وأهداها للإنسان لكي يتخلص من هوانه وذله.
وفي غياب سارق النار أي بروميثيوس يظل سلوك الكيزان ومليشياتهم محاولة للتبرير بأنهم ما زالوا لهم القدرة على لعب دور بنيوي على صعد السياسة والإجتماع والإقتصاد في السودان وهيهات ويمكن تفسير فعلهم القبيح من أدب النظريات الإقتصادية في تفسيرها للمعادلات السلوكية للمستهلك مثلا إذا إنخفض دخل المستهلك لأي سبب من الأسباب سوف يستمر في شراءه لكل ما كان يطلبه من قبل لمدة شهور و كأن دخله لن ينخفض الى أن يدرك بأن هناك متغيرات قد غشيت دخله وبعدها يكف عن سلوكه السابق ويكيّف سلوكه فيما يتعلق بالمنفعة والإشباع وفقا لدخله الجديد.
كذلك الكيزان الآن كل سلوكهم القبيح وكأن ثورة ديسمبر لم تلطمهم اللطمة المهينة و المذلة لهم وقد أخرجتهم من التاريخ لذلك كل سلوك مليشياتهم والقتل على الهوية وسلوك كتّابهم ومفكريهم وصحفيهم يدخل في حيز سلوك المستهلك الذي قد إنخفض دخله إلا أنه مصر على معادلاته السلوكية السابقة رغم إنخفاض دخله.
وسيستمر الإسلاميين ومليشياتهم وكتّابهم وصحفييهم في تكرار محاولاتهم البائسة ليظهروا بمظهر خادع أي كأنهم لم يفقدوا زمام الأمور في السودان الى أن يدركوا بأنهم قد أصبحوا خارج التاريخ. والمضحك أن الإسلاميين يظنون بأن رهانهم على الزمن يجعلهم سيكسبون ويعودون من جديد ونسوا أن الرهان على الزمن لا يعمل فيما يتعلق بالتغيير الذي قد أخرجهم من التاريخ. وفي الحقيقة أن الكيزان أصلا لم يدخلوا التاريخ البتة.
لذلك يختلط عليهم الأمر فيما يتعلق بالرهان على الزمن في أمر تغيير المجتمع الذي قد نتج عنه مفهوم الإنسانية التاريخية ومفهوم الإنسان التاريخي الذي لا يفهمه الكوز وهو أسير لاهوته الجدلي ولم يكتسب منه الكوز غير التحامل والمغالطة والحدة والعنف والعدوانية كما يقول الكاتب على العميم.
لذلك أيام ثورة ديسمبر ظهر من بين الإسلاميين احمد عبد الرحمن وهو من أمكر الإسلاميين ولا يفوقه في المكر إلا الترابي وهو يوصي الإسلاميين بعد أن رأى ثورة ديسمبر قد أصبحت قصبة مرضوضة لن تنكسر وفتيلة مدخنة لن تنطفي خرج احمد عبدالرحمن وقد أوصى الإسلاميين بالسردبة وهو يظن بأنهم سيعودوا للرهان على الزمن بأفعالهم الماكرة وما دروا بأن ثورة ديسمبر هي نهايتهم التي لن تقوم لهم قائمة بعدها ونسى احمد عبدالرحمن بأن حقبة الإسلاميين الكالحة خلال ثلاثة عقود من التحشيد ما هي إلا ديناميكية فاشلة ولا يمكن أن تعود إلا إذا قلنا أن ديناميكية النيوليبرالية تصلح الآن بعد أن إتضح أننا في زمن ديناميكية الحماية الإقتصادية.
لذلك نقول للكيزان أن السردبة والرهان على الزمن لن يعيدكم إلا إذا أصبحت النيوليبرالية هي بديلا للحماية الإقتصادية وهيهات لذلك تعتبر حقبة الكيزان في السودان نهاية لفلسفة التاريخ التقليدية ونهاية للممارسة الفكر العابر والمؤقت الذي يظهر في لحظات التحولات الكبرى كما ظهرت النازية والفاشية والشيوعية كفكر مؤقت وفكر عابر لن يفهم أتباعه فكرة معادلة الحرية والعدالة وهي وحدها القادرة على تفسير ظاهرة المجتمع البشري.
لذلك يمكننا أن نختم هذا المقال ونقول أن نهاية فكر الكيزان كفكر مؤقت وعابر يشبه نهاية النازية والفاشية والشيوعية كفكر عابر ومؤقت ويفتح الطريق الى معادلة الحرية والعدالة وهذه تحتاج لبرميثيوس سارق النار في قدرته على القرار والإختيار لسودان علماني ديمقراطي ينتصر للفرد والعقل والحرية بفضل أفكار عقل الأنوار وأفكار الحداثة التي قد قضت على جلالة السلطة وقداسة المقدس وفيها وبها قد أصبح الإنسان غاية في حد ذاته وليس وسيلة ونقول للكيزان أن زماننا زمن تأليه الإنسان وأنسنة الإله وهذا يفتح على فكر جديد لم يألفه الكيزان وأذيالهم.
وكذلك نقول لمن وقفوا أمام الدائرة الشريرة في السودان بعقل الحيرة والإستحالة وقد عشعش على عقلهم الخوف المرضي أن كسر الدوائر الخبيثة المفرغة ومحكمة الإغلاق في السودان لا يكون إلا بفكر برميثيوس سارق النار بعد أن رأي هوان الإنسان وذله وفي سبيل ذلك إرتضى أن ينال عذابه الأبدي ولا يهمه بأن يربط على عامود ويأكل النسر كبده و الى الأبد.
ونقول لهم أن فكر بروميثيوس بالتأكيد يرفض فكرة الموآلفة بين العلمانية والدين ويرفض المساومة التاريخية بين يسار سوداني رث ويمين سوداني غارق في وحل الفكر الديني ويرفض فكر من يهادن أحزاب الطائفية ويرفض فكر من يتحدث عن محاولة إيجاد نقطة توازن بين الحداثة والأصالة وغيرها من الأفكار التي لا تنتجها غير ذاكرة محروسة بالوصاية وممنوعة من التفكير ذاكرة أبناء نسق الطاعة كما يقول الفيلسوف التونسي فتحي المسكيني.
ومع ذاكرة أبناء نسق الطاعة قد ينجح الكيزان على رهانهم على الزمن الى حين في صراعهم مع نخب سودانية فاشلة لم تعرف طريقها لمفهوم القطيعة مع التراث الديني المؤدلج الذي يستمثر فيه الكيزان إلا أن الكيزان و النخب الفاشلة المنكسرة أمام فكر الكيزان سيدركون أنهم خارج نموذج عصرنا الحديث.
لذلك قلنا مرارا وتكرارا أن السودان الآن يعيش وحاله كحال أوروبا بين الحربين العالمتين وأحتاجت لثلاثة عقود لكي تفهم بأن فكر النازية والفاشية والشيوعية فكر عابر ومؤقت وقد كلف أوروبا كثير من الدم والعرق والدموع وهكذا ستكون قصة الشعب السوداني مع الكيزان وقد ساد في عهدهم الكالح ولمدة ثلاثة عقود عنف الكل ضد الكل وحرب الكل ضد الكل وسوف يختفون من مسرح الأحداث كما إختفت النازية والفاشية والشيوعية.