مقالات وآراء

لهيب الحرب يحرق الخيام ..!!؟؟

د. عثمان الوجيه

 

في أرض السودان الشاسعة، حيث تتعانق رمال الصحراء مع سماء مترامية الأطراف، تشتعل نار فتنة ضروس، تحيل حياة الآمنين إلى جحيم لا يطاق، ففي ولاية شمال دارفور المنكوبة، وبينما يلوذ العباد بخيامهم المتواضعة في مخيم “أبو شوك” بحثًا عن مأوى من قسوة الأيام، امتدت إليهم يد البغي والعدوان، في يوم الاثنين المشؤوم، دوى صوت المدافع الغادرة، التي أطلقتها “مليشيا الدعم السريع المتمردة” بقلوب متحجرة لا تعرف للرحمة سبيلًا، سقطت القذائف على المخيم الآمن، لتزرع فيه الرعب والفزع، وتحيل سكانه إلى ضحايا أبرياء. ثلاثة مدنيين سقطوا جراء هذا القصف الهمجي، بينهم طفلان صغيران، لم يعرفا من هذه الدنيا سوى براءة الطفولة، ليختطفا من أحضان الحياة إلى عالم آخر مظلم، لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل امتدت نيران النزوح لتلتهم قريتين مجاورتين، “أبو حميرة” و”الركب” بمنطقة أم كدادة، فبسبب تفاقم انعدام الأمن، اضطرت خمسمائة وثلاثون أسرة إلى ترك ديارها وممتلكاتها، والفرار بأرواحها إلى مواقع أخرى داخل المنطقة نفسها، تاركين خلفهم ذكريات مؤلمة وبيوتًا خاوية، وتصف منظمة الهجرة الدولية الوضع في المنطقة بأنه متوتر وغير مستقر، ينذر بمزيد من المآسي والويلات، أما غرفة طوارئ مخيم أبوشوك، فقد عبرت عن فزعها وألمها لما حلّ بالمخيم وسكانه الآمنين، وفي مشهد قاتم آخر، أكدت المنسقية العامة لمخيمات النازحين واللاجئين بدارفور على التدهور الكارثي للأوضاع الإنسانية في الإقليم، وخاصة في مدينة الفاشر ومخيمات النازحين، الحياة اليومية متوقفة تمامًا، والأسواق خالية من الغذاء، والمساعدات الإنسانية منقطعة، ليصبح شبح الجوع والخوف رفيقًا دائمًا للسكان، الفاشر، التي كانت تعد مركزًا للعمليات الإنسانية، تحولت منذ العاشر من مايو/ أيار الماضي إلى ساحة اشتباكات دامية بين الجيش و”مليشيا الدعم السريع المتمردة”، رغم التحذيرات الدولية المتكررة من مغبة القتال في هذه المدينة الحيوية، بينما تدور رحى الحرب في دارفور، تشهد مناطق أخرى من السودان تحولات متسارعة، فقد بدأت مساحات سيطرة “مليشيا الدعم السريع المتمردة” بالتناقص لصالح الجيش، الذي حقق انتصارات متتالية في الخرطوم، واستعاد السيطرة على مواقع استراتيجية هامة، ولم تعد الميليشيا تسيطر سوى على أجزاء محدودة من بعض الولايات، تستمر الحرب اللعينة في السودان منذ الخامس عشر من أبريل/ نيسان عام ألفين وثلاثة وعشرين، مخلفة وراءها دمارًا هائلًا وخسائر بشرية فادحة، فقد تجاوز عدد القتلى عشرين ألفًا، وتشرد نحو خمسة عشر مليون شخص بين نازح ولاجئ، وفقًا لإحصائيات الأمم المتحدة والسلطات المحلية، بينما تشير تقديرات أخرى إلى أرقام أكثر فزعًا، تلك هي قصة أمة ممزقة، وأرض تنزف، وشعب يكابد ويلات حرب لا تبقي ولا تذر، قصة تروي فصولًا من الألم والمعاناة، وتستصرخ ضمائر العالم لإنهاء هذا الكابوس المروع، وإعادة الأمل والسلام إلى ربوع السودان المنكوب .. هنا تحضرني طرفة فليسمح لي القارئ الحصيف بأن أوجزها في هذه المساحة وبهذه العجالة وهي:- ها قد أطلت حرب السودان المشؤومة برأسها الكالح للعام الثالث على التوالي، ولا يلوح في الأفق القريب أي بصيص أمل يضيء عتمة مستقبلنا، أقف هنا، شاهدًا على عجز الجيش وقواته المتحالفة عن دحر تلك المليشيا المتمردة التي عاثت في أرضنا فسادًا، حتى إعلامنا الداخلي، الذي من المفترض أن يكون مرآة تعكس الحقائق، يبدو وكأنه أصيب بالشلل، فلا هو يسلط الضوء على انتصارات محتملة، ولا هو يفضح هزائم موجعة، أما الإعلام الخارجي، فمن الطبيعي ألا يكترث كثيرًا بلهيب يحرق وطنًا ناءيًا مثقلًا بالجراح، بتنا نحن، القابعين في المنافي، أسرى الظلام الدامس الذي خلفته قطوعات الكهرباء والاتصالات وشبكات الإنترنت، كيف لنا أن نصل إلى لب الحقيقة ونحن محاصرون بهذا العماء التكنولوجي؟ كثيرًا ما يتردد على مسامعي سؤال يلح عليّ إلحاحًا : لماذا يولي الإعلام العالمي اهتمامًا بالغًا بحرب غزة، بينما يتجاهل نيرانًا تستعر في السودان؟ وجوابي دائمًا واحد، يقطر أسى ومرارة : إنها سياسة الكيل بمكيالين، ازدواجية المعايير البغيضة التي طالت حتى نقل الأخبار وتداولها، يا إلهي، إليك نرفع أكف الضراعة، نسألك لطفًا يغمر السودان وأهله، سواء كانوا قابعين تحت وطأة اللهيب في الداخل، أو كانوا نازحين مشتتين في أصقاع الأرض، اللهم هون علينا هذا البلاء وارفع عنا هذه الغمة

Oh God, to you we raise our hands in supplication, we ask you for mercy to shower Sudan and its people, whether they are languishing under the burden of the flames inside, or displaced and scattered in the corners of the earth. Oh God, make this affliction easy for us and lift this affliction from us

وعلى قول جدتي:- “دقي يا مزيكا !!”.

خروج:- “امريكا ومواطني جنوب السودان .. صدى الترحيل وصدع العلاقات!!” ففي غمرة الأحداث المتسارعة ودهاليز السياسة الدولية، صدر اليوم قرارٌ حمل في طياته إيذاناً بصفحة جديدة في سجل العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية جنوب السودان، فقد أعلنت الدولة العظمى عن قرارٍ حاسمٍ يقضي بإلغاء كافة التأشيرات التي كانت ممنوحة لرعايا الدولة الأفريقية، بل وتعليق إصدار أي تأشيرات جديدة لهم في المستقبل القريب، الكلمات خرجت من فم وزير الخارجية الأمريكي، السيد ماركو روبيو، تحمل نبرةً صارمةً وعزيمةً لا تلين، وعبر منصة “إكس”، المنبر الحديث للبيانات العاجلة، أوضح الوزير حيثيات هذا القرار المفاجئ، مؤكداً أنه اتخذ إجراءاتٍ فوريةً وسارية المفعول لإلغاء تأشيرات حاملي جوازات السفر الجنوب سودانية، ووضع قيودٍ محكمةٍ تحول دون دخولهم الأراضي الأمريكية، لم يكن هذا القرار وليد اللحظة، بل كان نتيجةً لتراكماتٍ من عدم التجاوب ورفضٍ بدا صريحاً من قبل الحكومة الانتقالية في جنوب السودان، فبحسب التصريحات الأمريكية، أبدت الحكومة الجنوب سودانية امتناعاً عن استقبال مواطنيها الذين صدرت بحقهم أوامر ترحيل من الولايات المتحدة، هذا الرفض، الذي اعتبرته واشنطن تقويضاً للجهود القانونية والإجرائية، دفعها لاتخاذ هذا الإجراء الحازم، في هذا المشهد السياسي المعقد، تتجلى تداعيات القرارات السيادية على حياة الأفراد، فبين سطور البيان الرسمي، تكمن قصصٌ إنسانيةٌ معلقة، وآمالٌ ربما تبددت، ومستقبلٌ بات أكثر ضبابيةً لأولئك الذين كانوا يحملون تأشيراتٍ تخولهم دخول الأراضي الأمريكية، كما يثير هذا القرار تساؤلاتٍ حول مستقبل العلاقات بين البلدين، واحتمالية تأثيره على التعاون المشترك في مختلف المجالات، يبقى أن نرى كيف ستتعامل حكومة جنوب السودان مع هذا القرار المفاجئ، وما هي الخطوات التي ستتخذها لمعالجة هذا التصعيد الدبلوماسي، ففي عالم السياسة، غالباً ما تحمل القرارات تبعاتٍ تتجاوز حدود اللحظة الراهنة، تاركةً وراءها آثاراً قد تمتد لأمدٍ طويل..

#أوقفوا – الحرب

ولن أزيد،، والسلام ختام.

 

 [email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..