مقالات وآراء

ديسمبر باقية ما بقي بالجسد نبض

مبارك همت

 

تمر علينا ذكرى ثورة ديسمبر المجيدة، هذه الثورة التي قادها الشباب ومُهرت بأرواح فلذات أكباد الأمهات وخيرة شباب الوطن ،هذه الثورة التي خرجت لها جموع الشعب السوداني بكل اطيافهم والوانهم من كل فجٍ عميق من الخرطوم وعطبرة والدمازين والفاشر والجزيرة وكسلا وبقية مدن البلاد، خرجوا من أجل اقتلاع نظام الانقاذ المستبد الفاسد المفسد ، خرجوا من أجل اقتلاع الظلم والظالمين، خرجوا من أجل اقتلاع المحسوبية والنهب والسرقة ، خرجوا متحابين متماسكين متعاونين ، فشهد العالم أعظم ثورة في التاريخ الحديث ، ثورة كانت السلمية شعارها فلم تنجرف للعنف رغم ما تعرض له الثوار من اعتقالات وبطش وقتل وترويع , ثورة كشفت خبث ودهاء الحزب المحلول ، فاصبحوا يكيدون لها منذ يومها الأول ، لأن هذه الثورة عرتهم وكشف كثير من المستور ، هذه الثورة اجتزتهم وحرمتهم من النعيم الذي كانوا يعيشونه فيه بمال السحت والسرقة التي تفشت في عهدهم ، فرأينا ملامح الثراء الحرام واضحة وضوح الشمس في كثير من منسوبيهم وقياداتهم، والتي اكدها بعض منتسبيهم في التسريبات لاجتماعاتهم السرية التي بثتها القنوات الفضائية، والتي اكدوا فيه ان الفساد يغمرهم ، ولم يكن ذلك خفياً فالفساد استشرى وأصبح مرض عضال اصاب جسد البلد وانهك ميزانيتها ومشاريعها ..

 

ثورة شعب أراد التغير من أجل وطن ينعم بالحرية والسلام والعدالة ،وطن يسع الجميع يتساوى فيه الكل , وطن يحكم بالقانون الذي ينفذ على كل مواطن دون تميز ودون محاباة..

شهدنا ثورة عظيمة في كل محتوها ؛ ثورة مليئة بالوعي ومستنيرة بعقول شبابها ، ونعلم جيداً أن الاوطان تنهض دوماً حينما يحمل شبابها همومها ، وقد أثبت جيل الثورة انهم هم الاحق بأن ينعموا بوطن يشبه أحلامهم وطموحاتهم يجدون فيه الحياة الكريمة والعيش الرغيد وفرص العمل التي تغنيهم من الهجرة والاغتراب ، فمهروا وسكبوا دمائهم الغالية من أجل الوطن..

فقُوبلت ثورتهم بالبطش والقتل والتنكيل ، وحِيكت ضد ثورتهم الحيل الخبيثة من أجل أن تتعثر وتؤد في مهدها ولا تأتي باُكلها .. فخونوا هؤلاء الشباب وكالوا عليهم التهم والسباب ونعتوهم بأحقر الصفات ، فقط لأنهم إستطاعوا اقتلاعهم ، وعملوا جاهدين بتكسير عجلة الثورة لكي لا تمضي قدماً، و سعوا لتفشيل حكومة الثورة بكل السبل الخبيثة ، فوضوا العراقيل والمطبات للثورة في كل خطوة تريد أن تخطوها من أجل الإصلاح ، فكل ما كانت تمضي الثورة نحو النجاح كانت تزداد غبينتهم وكرههم للثورة ومكونات الثورة من لجان مقاومة وكينات مدنية واحزاب سياسية , نعلم أن حكومة الثورة لم تكن بقدر طموحات الثورة وقد جأت بعد ولادة عسيرة ومرت بمنعطفات ومعوقات كثيرة صعبت حركتها . ومحاولات تفشيلها وعرقلت مسيرتها من قبل فلول النظام السابق فكادوا لها ، والى هذه اللحظة يخرج منتسبي نظام الانقاذ ليقولوا انها لم تكن ثورة !!!

ولكن الحقيقة واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار .

واستمرت الثورة منذ اندلاعها من قبل سقوط النظام ومن بعد سقوط النظام في مسيارتها الهادرة من أجل المطالبة بتحقيق المطالب وتنفيذ شعارات الثورة لم تكل ولم تمل ، فخاب ظن الفلول ، فحاولوا اسقاط الثورة بإنقلاب برهان وحميدتي بمعاونت منتسبيهم الذين جمعوا لاعتصام القصر (الموز) فحدث ما حدث ، ولكن لم تنكسر عزيمة وهمم الشباب فخرجت المسيرات تجوب كل ارجاء المعمورة ، تؤكد أن عزيمة الشباب وأهدافهم لا يمكن وأدها ولا يستطيع كائن من كان أن يقف سداً يحول بينهم وبين طموحاتهم .. فهؤلاء الشباب لديهم مطالب واحلام مشروعة يسعون لتحقيقها ..

وستظل هذه الأحلام مشروعة، وواهم من ظن أن هذه الحرب التي تسببت في خراب السودان وتشريد ملائين السودانين ونزوحهم وانهكت البلاد والعباد ستفقد الشباب الأمل فيما كانوا يصبون اليه ، فالمطالب مازالت مشروعة ، ولن تضيع حقوق وراءها مطالب. وسيعلم الجميع ان هذه الحرب ستزيد هؤلاء الشباب عزيمة وإصراراً على تحقيق المطالب التي ستحافظ على البلاد والعباد .. فهؤلاء الشباب فيهم من استشهد مدافعاً عن ثورته ومطالبه وفيهم من استشهد في هذه الحرب مدافعاً ومؤمناً بقضيته ، ومنهم من يقاتل الان مع قوات الشعب المسلحة ..

فالثورة ليست ثورة حزب ولا ثورة فئة معينة ، فالثورة هي ثورة كل السودان وشاركت فيها كل فئات المجتمع يمينها ويسارها ومستقليها رجالها ونسائها وحتى أطفالها ..

فعلى الذين يعملون من إجل تلفيق التهم والسباب لهؤلاء الشباب السلمين، الذين يحملون في دواخلهم من اليقين وحب البلاد زاداً ومنعة ستجعلهم يكافحون من أجل وطنى معافي يشبه طموحاتهم ..

وعاشت ثورة ديسمبر في دواخل كل من يؤمن بالفكرة ويسعى للعمل من أجل تحقيقه ؛ وما بين هذا وذاك تكمن الحقيقة أن نار الثورة لن تموت ..

ثورة حتى النصر ولا نامت أعين الجبناء ..

والوحش يقتل ثائراً والأرض تنبت الف ثائر ..

سائلين الله أن تنعم البلاد بالأمن والأمان ووالاستقرار وتقف هذه الحرب . وان يظل السودان موحداً ..

 

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..