حرب السودان وخيانة النخب

أحمد المهدي
يقول فرانز فانون : “كل أمة تخونها نخبها، تتحول إلى غنيمة للآخرين”.
وضياع البلدان وتمزقها قد لا يكون بالسلاح وحده، بل يكون أكثرها بسبب ما يدور قبل اللجو إلى السلاح وبإذكاء الخلافات، حتى يغدو المستبد هو الحاكم، والمحتل هو الضامن. وهي الحقيقة التي نعيشها الآن.
عامان مضت وبلدنا يرزح تحت وطأءة حرب متعددة الأبعاد، عامان مضت ومازال الشعب السوداني يعيش ويتعايش مع حرب ضروس وواقع طغت عليه الجرائم الوحشية وبشاعة القتل على مرأى ومسمع من العالم الذي شهد على بدائيتنا ووحشيتنا واستغرابه الشديد عن غياب نخبنا وخيانتهم لنا من خلال ولوغ أكثرهم في هذا الصراع الوحشي المسيطر عليه الجهة والعصبية .
إندلاع الحرب بحد ذاتها وأستمراريتها لكل هذه المدة كانت كافية لكشف زيف النخب المزعومة ، كافية لإستبانة عجزهم التام عن التدخلات الإيجابية المفضي لوقفها ، وكان الاسواء ما فيه اصتطاف جلهم مع الدهماء من مؤيدي الحرب محرضا وشريكا على كل هذه الانتهاكات وليستمر النخب في فشلهم كما هو معتاد من خلال عجزهم التام عن القيام بالواجب المأمول منهم للقيام به في مثل هذا الظروف كأمتداد طبيعي لفشلهم المتوارث كما وصفهم المرحوم منصور خالد ، وأمتداد لعجزهم عن إنتاج التصور السليم لبناء وتأسيس الدولة الوطنية الغائبة منذ خروج المستعمر بسبب ضألة فكرهم وخلل المنهاج لديهم وعدم جدوى الدرجات العلمية الرفيعة التي تزين أسمائهم.
عامان من الفظائع ومازال المشهد معتم بسوداوية المواقف نتيجة لغياب المستنيرين من النخب والمفكرين الحقيقين وأستسلامهم بقبول توهمات الساسة الغير منطقية لإيقاف الحرب وتصوراتهم الغير عقلانية لوضع الحلول لمشاكل السودان المستفحلة بشعارات مستقاة من ترهات واقعهم وانعدام الخطاب السياسي الواعي لديهم من دون إخفاء أطماعهم ومساعيهم في الإتجاه نحو التسويات السياسية لفرقاء الحرب وهو الإتجاه الذي اذا ما حدث وتم تطبيقه على أرض الواقع فمن المؤكد أن عواقبه ستدمر ما تبقى من المجتمع وسياخذنا لمستقبل أكثر قتامة ومزيدا من الدماء.
خيانة النخب وتنصلهم عن دورهم وواجبهم الحقيقي المنوط بهم في مثل هذه الظروف ، وترك مسؤليتهم عن تطور الوعي وتقاسعهم عن مواجهة التشظي الثقافي الممتد والذي نعيش نتائجه الآن ونقصيرهم بعدم استبدالها بخلق الهوية الوطنية من خلال التدخلات الإيجابية الواعية لإيقاف هذا النزيف أولا ومن ثم التوجه لإعادة البناء والهندسة المجتمعية لتجنب عدم إعادة إنتاج الأزمة المستفحلة في مجتمعاتنا مستقبلا يعتبر أحدى خيانات النخب .
واذا ما اردنا إيقاف هذا الدمار وتفادي تكرارها مجددا يجب على الجميع الإتفاق لمعالجة جميع الأزمات وتهيئة الظروف من أجل بداية صحيحة للإصلاح ، ومن ثم تأسيس دستور وميثاق يستخلص بعقول سودانية خالصة من قبل المفكرين والمثقفين من أبناء هذا الوطن الخلص على أن يكون مستمدا من البنية الثقافية السودانية ومتجاوزا لكل الايديولوجيات المستوردة المتسببة في هذا المأساة ،وعدم ترك هذا الأمر لسياسي الغفلة ممن أوصلونا لهذا الدرك مع العمل الجاد لبناء مشروع وطني يوحدنا جميعآ ويطور ذاوتنا ويجنبنا حروب المستقبل.
شعبا واحد جيشا واحد كلنا البرهان