مقالات وآراء

السلم الاجتماعي: مرحلة ما بعد الحرب

 

دكتور الوليد آدم مادبو

على فراشِ الموت
يرسمُ الوطن خارطةً جديدة.
لكن الخطوط ترتعش،
كأنها تخشى أن تكون بدايةً،
لنهايةٍ أخرى.

(قصيدة: وطن معلق على حافة النسيان للشاعر ادوارد كورنيليو)

في مرحلة ما بعد الحرب، تبرز أهمية السلم الأهلي والاجتماعي كأولوية قصوى لإعادة بناء المجتمع والدولة في السودان، لا سيما في دارفور، حيث مزقت الحرب النسيج الاجتماعي وأضعفت الثقة بين المكونات السكانية. ولأن الدولة المركزية ومؤسساتها الرسمية (superstructure) باتت عاجزة، أو غير موجودة عملياً، في أغلب مناطق النزاع، فإن العبء الأكبر يجب أن تتحمله الإدارات الأهلية، كجزء من البنية التحتية الاجتماعية (substructure) التي ما زالت تتمتع بشرعية اجتماعية وقدرة على الوساطة والتأثير المحلي.

يمكن لآلية تقودها الإدارات الأهلية، إذا ما توفر لها الإطار الأخلاقي والمنهجي السليم، أن تلعب دوراً محورياً في رأب الصدع، خصوصاً في ملف دار مساليت الذي أصبح جرحاً مفتوحاً قابلاً للاستغلال من قبل أطراف متعددة. فبينما تعمدت بعض النخب المركزية على مدار عقود إلى بث الفتن بين مكونات المنطقة، ها هي اليوم تعمل على تجنيد شباب المساليت لأغراض التعبئة القبلية، وليس من أجل نزع الألغام المجتمعية والسياسية التي ظلت الاستخبارات العسكرية تستزرعها بوعي ممنهج.

أما الجهات الغربية، فقد اختزلت ما جرى في دار مساليت في سردية الإبادة الجماعية، متناسية أن الجريمة وقعت نتيجة لصراعات مركبة غذتها الدولة المركزية وأدارتها ضمن سياسة “فرّق تسد”، فتمّت عسكرة الهوية وتسييسها من أجل إضعاف أي إمكانية لبناء تحالفات محلية قادرة على فرض معادلة حكم عادلة أو إحداث اختراقات تنموية ذات طابع جهوي.

ولا يغيب عن أي متابع لتاريخ دارفور السياسي والاجتماعي التداخل العميق بين السودان وتشاد، خاصة في البعد العسكري. ومع ذلك فإن زغاوة تشاد اليوم يتحفظون على دعم مني أركو مناوي وجبريل إبراهيم، لسببين اثنين: أولاً، إدراكهم أن النخب العسكرية في المركز تريدها حرباً قبلية تُضعف الزغاوة والزرقة معاً وتخرجهم من معادلة الحكم. وثانياً، لعلمهم أن جبريل ومني لا يمثلان الهامش بصدق، فقد قبض الأول ثمن صفقة أبوجا ورهن نفسه لتجار الحروب، بينما استخدم الثاني حركة العدل والمساواة كأداة لتنفيذ أجندة الإسلاميين، لا سيما خلال تحالفه مع خليل إبراهيم الذي أدخل دارفور في أتون صراع لصالح مركز الخرطوم، لا لصالح أبنائها.

اليوم، دفعت ذات الحركة الإسلامية بالكادر التنظيمي صالح عبد الله، رئيس مجلس شورى الزغاوة، بهدف توظيف فصيلي جبريل ومناوي واستخدامهما لتفجير صراع بين أهل دارفور، وهو صراع لا يخدم الزغاوة بل يخدم المركز، وتحديدًا يخدم “عصابة الإنقاذ” التي تسعى للهيمنة على أي محاولة لبناء كتلة سياسية جديدة تنطلق من الهامش.

ما لم تعمل النخب الواعية بقضايا الدولة وأسس البناء السياسي على رأب الصدع بين مستويات الحكم والسلطة، بين الـsuperstructure والـsubstructure، فإننا نخاطر بإعادة إنتاج دولة فاشلة. ومجرد انفصال دارفور أو أي إقليم آخر عن السودان لا يضمن بالضرورة الخلاص من أمراض الفساد والاستبداد، ما لم تكن هناك مراجعات حقيقية للمنظومة السياسية والقيمية التي زرعها نظام الإنقاذ وأدمنتها نخب ما بعد الإنقاذ.

الحذر كل الحذر من اختزال تحرير الفاشر في كونه مناجذة قبلية، بل هذه انتفاضة شعبية يجب أن تعقبها مساومة تاريخية تقيم لكل قبيلة وزنها من مساهمتها في التنمية والسلام الأهلي والاجتماعي. هنالك دور مهم يجب أن تقوم به نخب الرزيقات والزغاوة خاصة، سيما أنهما الكيانان اللذان تم استغلالهما وتوظيفهما من قبل المركز العروبي الإسلامي، ولذا فهما يتحملان مسؤولية أكبر في محاولتهما لخلق السلام ورتق النسيج الاجتماعي.

وإذا ما ورثت حكومة التأسيس القادمة نظام المحاصصة الراهن، فإنها ستخفق في استقطاب الكادر المؤهل القادر على بناء الدولة، وسندخل ذات الدائرة الشريرة التي غرقت فيها دولة جنوب السودان. لا بد من تجاوز معيار كبر القبيلة أو صغرها، والانحياز بدلاً من ذلك إلى معيار العدالة والمشروعية، وتأسيس بنية قاعدية تشجع على الانتقال التدريجي من الوعي القبلي إلى الممارسة المدنية.

وإذ تعمد بعض نخب المركز إلى الدفع نحو خيار الانفصال لإحساسها بأن الكفة الديمغرافية والاقتصادية لم تعد في صالحها، فإن المطلوب اليوم هو مقاومة هذا الاتجاه الضيق، والانخراط في مشروع وطني يغلّب الخيار المدني الديمقراطي. فغرب السودان يمتلك الموارد البشرية والمادية، لكن عليه ألا يركن فقط إلى منطق السلاح، بل أن يقود مسار التحول الديمقراطي، مسلحاً بالفكر والرؤية الأخلاقية والسياسية العميقة.

‫14 تعليقات

  1. يمكن لآلية تقودها الإدارات الأهلية، إذا ما توفر لها الإطار الأخلاقي والمنهجي السليم، أن تلعب دوراً محورياً في رأب الصدع، خصوصاً في ملف دار مساليت الذي أصبح جرحاً مفتوحاً قابلاً للاستغلال من قبل أطراف متعددة. فبينما تعمدت بعض النخب المركزية على مدار عقود إلى بث الفتن بين مكونات المنطقة،.؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

    فقط هذه الفقرة ومن قلمك تدينك وتظهر يااما غباء او بتحاول تستغبي الاغبياء الذين تقودوهم للمحرقة للحفاظ على عموديتكم ……1/ الادارة الاهلية التي ذكرتها عمك او ابوك العمدة اول من مفروض يقدم لاهاي اول من حرض على القتال قبل الحرب وبعد الحرب ومازال يحرض وكله موثق عن اي ادارة اهلية تتحدث اذا انت تؤمن وغير متسلق عبر العمودية البريطانية كزول تتحدث عن الحداثة اذا كنت صادق فيما تقول طالب بالغاء حاجه اسمها عمد ومشايخ ابدا بي نفسك 2/ هل المركز الغول الذي ظلت اداة وياريت تعرف من هم المركز واي مركز تقصد اذا العاصمة اكثر زول امتلك عقار بالعاصمة هو جنجويدك سلطة حكموا الوطن في طيلة عهد البشير يعني مفروض انتم جزء والطرف الاسواء للكيزان شماعة المركز التي تقصد بها قبائل اخجل منها استحي على دمك عيب ياعنصري والله الرزيقات المسيرية فيهم اخوة واصدقاء وعلاقة مصاهرة زواج 3/ قلت الفتن هل تقول حرشوك وقالوا لك اقتل المساليت منو الحرضك اول طلقة في العاصمة حرق المساليت انت لديك منفستو جاهز لتدمير وتغيير ديمغرافي من 2017 اجتمعت قادة الجنجويد مع الموساد الاسرائيلي ومخابرات بريطانيا لهذا المخطط للاستيلاء على السلطة نشاة دولة اسرائيل بتخطيط وتكتيك بريطاني نفس المخطط اليوم تريد ان تمنح دولة لعرب الشتات هذه حقيقه ومقابلة وقعت 2017 لكل دول الجوار الغربي للسودان الوطن البديل لهم بالسودان …… بعد هذه الحرب انت عليك ان تفكر كيف تصلح ما فعلته اقلامكم وبنادقكم المرتزقة بالشعب السوداني حنك فلول وغول ومركز ما بتنطلي على الواعي وراجع كل مقابلاتك وكتاباتك زول مغرور حتى في جلستك امام الحوار مغرور تخلف رجليك دون احترام للمشاهد ولا المحاور امشي احكم محل تخلف لهم ارجلك راجع مقابلاتك كلها ومقالاتك مركز نيلية من عهد الثورة فقط حكومة حمدوك تم تعيين دكتور اكرم وزيرا للصحة انتقدته قلت قام بتعيين اطباء من الشريط النيلي والوسط

  2. يا وليد مادبو يا مطرطش يا غشيم هل بعد كل تحريشكم ونفخكم في نار الحرب ومساندة مليشيا قبائلكم المجرمة التي احرقت الاخضر واليابس وقتلت المواطن في الوسط والعاصمة على الهوية والاثنية بمنتهى العنصرية وسرقوا ونهبوا منازل الناس واغتصبوا واحرقوا وقتلوا واختطفوا وجعلوا حربهم ضد المواطنين الابرياء وتركوا الكيزان والجيش وانزلوا حقدهم وكرههم على المواطنين جاي بكل بجاحة تطالب بالسلم الاجتماعي؟ سلم اجتماعي بتاع فنيلتك مافي سلم اجتماعي قبل ان يتم تاديبكم واستئصال شافتكم حتى يامن المواطنين شركم وانكم لن تعودوا لما فعلتوه ولن تكرروا سرقاتكم ونهبكم لمنازل المواطنين قال سلم اجتماعي قال يازول عربات وعفش الناس عند اهلك في اسواق الضعين وبابنوسة ونيالا وكل مدنكم فما تجي تحنس وتطلب السلم الاجتماعي لن يكون لمليشياتكم وكل من شارك ولو بالصمت وعدم الادانة مكان بين المواطنين الشرفاء لا في العاصمة والوسط ولا في دارفور حتى فخموا وصروا الجلابة وزرقة دارفور لن يتركوكم حتى يبيض الديك او تبيضوا انتم

  3. شوف يا دكترة
    كدي في الأول أصلح بين مكونات دارزفت وان تساوي انت بالذات بين العرب وغيرهم وبعد ما تتوافقوا على صيغة تصالحية كونوا دولتكم دولة المساواة والديمقراطية خلونا نحن في الشمال والوسط للكيزان يحرقونا بي جاز

  4. دكتور الوليد تحية طيبة،
    قرأت نصك عن السلم الاجتماعي بعد الحرب، وفيه ما يدفع القارئ للتأمل بهدوء في لحظة تزدحم فيها الأصوات وتغيب الأسئلة.

    النص لم يُكتب ليُرضي جهة، ولا ليقترح مشروعًا ناجزًا، بل ليكشف هشاشة المفاهيم التي نحاول أن نُرمّم بها هذا الواقع المدمر.
    ولعلّ أبرز ما يميّزه هو قدرته على انتزاع مفهوم السلم الاجتماعي من مجاز الإدارات والمواثيق، وإعادته إلى فضائه الأخلاقي والسياسي، حيث تتقاطع الحاجة إلى العدالة مع الحاجة إلى اعتراف متبادل، لا تُحدده بنادق اللحظة، بل سردية أوسع لما حدث، ومن تسبب فيه، ومن نجا.

    إنه نص لا يُستعرض، ولا يتبرّأ من انحيازاته، لكنه يعرف كيف يضعها داخل إطار تحليلي متماسك. وفي هذا التماسك يكمن خطره وجماله معًا: خطره على السرديات الكسولة، وجماله كدعوة مفتوحة لحوار أكثر جذرية.

    نص يُحسن تسمية الأشياء، دون ادعاء امتلاك الخلاص.

    مع خالص تقديري
    ابراهيم

  5. مفروض مادبو وابوه يقدمان للمحاكمة فورا . هذا الرجل من اكبر المحرضين على سفك الدماء وقتل الابرياء ويتغطي بغطاء السياسي والمثقفاتي بلا ضمير ويطرح نفسه كواحد من منظري المرحلة وهو ابعد ما يكون عن السباسة و الفكر . رجل بلا فكر ولا ثقافة ولا منطق

  6. شوف يا وليد مادنقو……. سياسة فرق تسد دي هي سياسة اسيادك الخواجات عامة وقد لقنوهاىليكم ولك تبع الدولار و الدرهم…. انت عامل سيد اسياد وخالف كراع فوق كراع فوق ظهر المساكين الغبش وتبيع لهم كل يوم في الوهم و الصديد …… قبل ان تنصح الاخرين يجب عليك تبرئه نفسك وخلع جلباب زعاماتك البالية فالدول تعمل علي التوحد و التكتل وانت تدعوا الي التشرزم و التخلف والقبلية والمناطقية ….. صحيح القلم لا يذيل بلم

  7. من حرض علي قتل المواطن علي أساس قبلي و ظل يهاجم قبائل بعينها و يقف بجانب المرتزقة الذين انتهكوا حرمات الشعب السوداني لا يحق له أن يتحدث عن سلم إجتماعي… انت ناسي قلت شنو عن الشوايقة؟؟؟؟؟؟؟؟

  8. اولا الاداره الاهليه فى مادبو اداره تمثل الجنجويد الذين ابادوا قبيله المساليت فى غرب دارفور وقتلوا الوالى خميس ومثلو بجثته والمساليت لن ينسون جرائم نيرون الرزيقات حميرتى وناظره. مادبو شركاء فى الجريمه

  9. المؤسف أن شعبية د الوليد مادبو تراجعت كثيرا بعد أن فضل الركون إلى القبلية والجهوية بعد أن كان ينظر إليه كمثقف قومي مستنير بل كان من المرشحين لتولي رئاسة الوزارة في الفترة الإنتقالية، ولكنها حمى القبلية والجهوية التي أصابت الكثير من السودانيين التي أسهمت فيما وصلنا إليه

  10. قبل ما تتكلم عن السلم الاجتماعي نحنا في الدبة منتظرين ال900 الف دعامي الهددتنا بهم يجونا يا ود الضيف وبعد.كده نشوف حنك سلمك الاجتماعي البتوقع يكون زي طريقة جدك مادبو لما كان بستضيف الخواجات المصقرطتين بحبوباتك في بحر العرب عشان كده بقيتوا زي حلاوة مولد .

  11. والله انا متكيف كيييف من كلام دكتور وليد مادبو البتحرق الكيزان فى (المسكينه). ياريت يا دكتور كل يوم تنزل مقاله تحرق بيها حشاء الاكواز اولاد (الهرمه) عارفنها (الهرمه) ولا نشرح ؟!!. الكيزان الشابكننا اولاد (الضيفان) وقاصدين بيها الغرابه حفظة القرآن وتقابتهم الما بتطفى عليهم وحسب ما جاء على السنتهم الزفره ومالين الدنيا (الجنجويد إغتصبوا بناتنا ونسوانا) هل هم على علم بأن أجيال منهم حيخرجوا للدنيا حاملين جينات الجنجويد الاغتصبوا بناتهم ونسائهم ويومها يا ترى حيودوا وشهم وين ولا حيقبلوا بألامر الواقع الصنعوه بأنفسهم ؟ ومن الغرائب يلطمون ويشقون الجيوب لما الموضوع يتعلق بالاغتصابات والشفشفه المجازه شرعا فى سوره لا فيها شق ولا طق سورة (الآنفال) ويحتفون ويرقصون طربا وهم يتحلقون حول الضحايا ويذبحوهم ذبح الشاه رغم علمهم التام بأن ضحيتهم (مسلم موحد) كانوا بالامس سندا وعضضا واكلوا معاهم (الملح والملاح!!) وكانوا حفاظ لنسائهم وذلك بشهادة (حرائرهم المغتصبات!!) فى إجتماع محضور فى قاعة الصداقه !!.

  12. لا ننسى يا وليد قولك ( يجب استئصال الشايقية ) فى نقاشك مع محمد هاشم والآن تأتينا لتتكلم عن السلم الاجتماعى ، نحن نحفظ هذه العبارة للتاريخ وليوم كريهة وسداد ثغر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..