رحلة في زمن جميل

حسن عباس النور
سألني أحد الأبناء عن فترة اغترابي وكيف كانت البدايات . فسرحت وبدات اتذكر البداية, اود ان اشارككم في قصتي التي نشأت مع بروز النهضة التنموية التي شهدتها السعودية والخليج بفضل ارتفاع عائدات البترول. أدى هذا التطور إلى زيادة الحاجة إلى مختلف الطاقات البشريه لشغل الوظائف المطلوبة آنذاك . كانت تلك بداية موسم الهجرة إلى هذه الدول من السودان من مصر وبل من كافة الدول القريبة والبعيده فصارت مقصدا للباحثين عن الثروة سريعا في صورة أشبه ما تكون بال داردو (El dorado) في الثقافه الاميركيه وتعني حمى البحث عن الذهب و قصص المغامرين ولدينا مثال المعدنين حاليا بحثا عن المعدن النفيس في ارجاء السودان المختلفة وما يكابدونه من عناء في ذلك السبيل .
بدأت هذه الهجرة وظهرت ملامحها عن طريق المسافرين لأداء شعيرة العمرة منهم من اعتبرها عمرة وتجارة يسافر ويعود عدة مرات هناك من اعتبرها عمرة وزوغه يبقى يعمل يجمع المقدر يعود لاهله ثم يغلبه الحنين للريال قيعود وهكذا .. طبعا هناك من وجد فرصة واستقر . في كل الأحوال ظهرت آثار النعمة مما دفع الآخرين لدخول التجربة . وهذه تجربة تحتاج لدراسة اقتصادية واجتماعية وأسرية ونفسية خصوصا بعد تكاثر عدد المهاجرين السودانيين وانتشارهم في العديد من البلدان ناهيك عن تجربة ظروف الحرب المريرة وذلك نسبة لبروز العديد من الظواهر السالبة التي تحتاج لدراسة متأنية وتشخيص منهجي.
أعود لتجربتي فقد نصحني احد الاخوان ان افكر في العمل بالسعودية من خلال العمرة , سألت عن القرص قيل مجال السكرتارية والطباعة على الآلة الكاتبة واللغه الانجليزيه , الاخيره عندي مقدره وشغف بتلك اللغة احتاج لإتقان مهارة الطباعة . التحقت بمعهد تدريب بعمارة ابو العلا القديمه المواجهة لمطعم الإخلاص وهو من معالم ذلك الزمن الجميل . انتظمت في التدريب المدرب ارتيري حاولت جهدي لكن الإجادة تحتاج ممارسه اكثر , وهذا عمل تجاري يمنحك شهادة مختومة , ليستوعب غيرك . مسألة اجادة الضرب على الآلة الكاتبة اليدوية أمر يخصك ! من هنا بدأت رحلة حياة عملية طويلة شملت عدة محطات هامة . البداية كانت من جده اداء عمره والبحث عن فرصة توفقت بمساعدة احد الاخوان في العمل بشركة . لم استمر طويلا لحدوث خلاف بين الإدارة وبعض العاملين . قدمت لوظيفة بالخطوط السعودية لم اوفق الا ان مسئول التوظيف نصحني بمقابلة مسؤول آخر سوداني لديه حاجه لموظف للعمل نسبة لاستقالة شاغل الوظيفة . مقر العمل مكتب الخطوط السعوديه في عمارة المملكه في جده في مكتب ممثلي المبيعات كلهم من السعوديين .كانت المهام الرد على المكالمات وطباعة احيانا . بيئة العمل كانت مريحة والتعامل راقي . قمت بالتواصل مع معارف وأوضحت رغبتي في العمل والحصول على تأشيرة عمل.
بعدها تلقيت اتصال منه بوجود فرصة. قابلت المسؤول الموفد استقدام موظفين من السودان وكان سودانيا كانت حاجة لمترجمين , وجد ان من الافضل ان يبدأ من داخل السعوديه قبل سفره . تمت المقابله كنت مرشح مقبول لديه اتفقنا على التفاصيل وجهزت نفسي للعودة والانتقال إلى المنطقة الشرقية تحديدا إلى مدينة الخبر .
تشكل الخبر والدمام والظهران أشبه ما يكون عندنا بالعاصمة المثلثة . الدمام مقر الإمارة والإدارات الحكومية الخبر مدينة جميلة منظمة شوارع فسيحة خططتها أرامكو احببتها من الوهله الاولي مدينة متنوعة السكان والجنسيات كوزمبلاتنيه (cosmopolitan) مقارنة بالدمام الظهران مقر شركة أرامكو العملاق النفطي العالمي . في الظهران مجمعات سكنيه بحدائق جميلة سكن مرفهة على النظام الأميركي . يمارسون حياتهم باريحيه تامه . معظم قاطنيها من الاميركان و الجنسيات الغربية وقليل من السعوديين والعرب آنذاك .
العمل كان لدي مؤسسة سعودية كانت تتولى عمليات التخليص الجمركي لواردات شركة ارامكو . كان حجم الواردات مهولا لأنها كانت في بداية ما سمي بالطفرة الموافقة . المهام كانت ترجمة وثائق الشحنات من الانجليزيه للعربيه عمل دائم احيانا تكون إرساليات مستعجله و اخري قادمه العمل مستمر احيانا ايام الجمعه تجربة مفيدة تعرفت على ثقافات مختلفة هنود باكستان مصريين اردنيين عيرهم. استمر العمل لعامين بعدها فقدت المؤسسة المناقصة , نقلت كفالتي لشركه هندسيه استشاريه المانيه كانت تعمل نيابة عن جهة حكومية في الإشراف على تنفيذ أعمال إنشاء مشروع إسكان الخبر العام وتقديم الاستشارات المطلوبة موقعه في بداية شارع العزيزيه بالخبر . مشروع ضخم نفذته شركة هيونداي للإنشاءات . هنا تعرفت على ثقافة العمل عند الالمان و الكوريين تجربه ثره أفادتني في حياتي المهنية. شركة هيونداي أيامها لم تدخل ميدان تصنيع السيارات . الان تصنع البواخر الضخمة والمصاعد ومكيفات الهواء وغيرها .
الحياة ايامها كانت رخية ورخيصه لا مقارنه طبعا باليوم مع فارق المواد لم تكن متوفرة كاليوم . كنا نقف في صف انتظار تجهيز اليمني للخبز . علبة حليب النيدو 1800 كانت في حدود 17 ريال عربه الكرسيدا سعرها بحدود ال20 الف ريال وعلي ذلك قس . هذا كان نهاية السبعينات وأوائل الثمانينات الميلادية من العام الماضي.




ربنا يديك العافية استاذ حسن. سرد جميل واضاءة فيها خروج عن الاطار التقليدي الملىء بجراحات الحرب ومآسيها.
لك التحية مجددا. نأمل ان تقف الحرب اللعينة وتتعافى بلدنا وتعمها النهضة والتنمية.
استاذي القومة ليك
إن لم تحني الذاكرة وانت العيلفوني القح من أسرة امتهنت مهنة التدريس احمد عباس النور رحمه الله وانت ربما درستنا في المتوسطة أو أن كان تطابق اسماء اشتهر بها أهل السودان وفي كل استمتع بما تكتب والعيلفون ترفرف في سويداء القلب تلك محبة تعلقت في ارواح ابنائها الخلص الذين شتت شملهم الاغتراب وجاء جيل اخر تسلم راية هذا الحب ولكن كل على المستطاع
كنت قد قرأت لك سابق الايام عن رؤوس افكار لمشاريع عيلفونية تمتلك الأرض والعقول وتفتقر إلى المال الذي لا يحتاج إلى غربلة اسماء من يملكونه ولكن ورحلتك مع الاغتراب وعلاقاتك المتنوعة مما لمست فيما كتبته يمكن أن تسهم في تحقيق فكرة أي من مشروعات ذكرتها
انا مثلا بعد غربة امتدت 17سنة في العراق كانت وطن في غربة وحينما عدت وجدتني غريب في وطني وما زلت كل من يتفوق أو يأتي بأفكار جديدة إن لم تسرق منه فإن المزيد من العراقيل توضع أمامه حتى يجد نفسه نهاية الأمر أمام خيار تمزيقها من الرأس قبل الورق ولكن لنجرب مساحة العيلفون فهي ما زالت بعافية صدق النيات الا النذر اليسير الذي وان ظهر على العلن. فإنه يذوب ويتلاشى بفضل تماسك أبناء ودالارباب
لك القومة وللعيلفون جنة عدن