مقالات وآراء

يا ليتنا متنا قبل هذا! حول نهب المتحف القومي

 

على ضفة النيل الازرق وفي امان ألله حافظا لتاريخ وهوية الشعب السوداني، واحدا من اهم المؤسسات الثقافية في افريقيا والعالم، هنا حيث يجتمع التاريخ المعرفي والفكري في السودان. عندما نشأت الجماعة والقبيلة وتطورت الى مشيخة ثم صارت دولة وإمبراطورية. عندما دافع كاشتا عن عقيدة شعبه عندما وحد بعنخي النيل من المنبع الى المصب، عندما تجلت اخلاق المكان بدفاع تهارقا عن اورشليم. في ذلك الزمان ذكرنا الله في الكتاب المقدس. وفي ذات المكان وفي قمة الجنون السياسي مع اندلاع المواجهات العسكرية تسربت تقارير اولية تفيد باقتحام المتحف القومي بواسطة قوات الدعم السريع تزامنا مع سيطرتها على منطقة وسط الخرطوم حيث يقع المتحف. حتى لحظة اكتشاف الكارثة، مما زاد من الشكوك والاتهامات على الرغم من نفي هذه القوة وقتها لهذه الاتهامات. ان المتحف القومي بمحتوياته التاريخية التي تشكل ذاكرة الأمة لم يتبادر الى الاذهان انه سيكون هدفا في هذه الحرب، اذ ان طرفيها الجيش والدعم السريع هما قوتان وطنيتان. فضلا عن ان المتحف لايتمتع بأي ميزة عسكرية مقارنة بالمواقع الاستراتيجية العالية التي تحيط به، مما جعله يبدو وكأنه يامن طرفي الحرب. لكن حاله حال الشعب السوداني الذي تعرض للغدر في لحظة لم يعد فيها حصانة لطفل او امرأة او شيخ ناهيك عن متحف. التقارير الصحفية التي ظهرت لأحقا مثل تقرير لوكالة جينها قدرت ان نحو 500 الف قطعة اثرية قد نهبت او دمرت من المتحف، بعضها يعتقد انه نقل عبر الحدود الى دول مجاورة. وفي غياب رقابة دولية او محلية فاعله تحولت هذه الجريمة الى واحدة من اكبر عمليات النهب الثقافي في التاريخ الحديث. تستدعي هذه الحادثة مقارنات مؤلمة مع نهب المتحف الوطني العراقي عام 2003 خلال الغزو الأمريكي والذي ادي الى فقدان ألاف القطع الاثرية. كما تشبه الى حد كبير ما حدث في مصر خلال ثورة يناير 2011 عندما تم استغلال الانفلات الامني لسرقة عشرات القطع من المتحف المصري. في الحالات السابقة اعيد جزء من المسروقات بجهود مضنية من خلال التعاون الدولي والضغط الشعبي و الملاحقات القانونية. لكن هذا المسار الشاق غالبا ما يفضي الى استرجاع جزء ضئيل فقط مما فقد. ومن المؤسف ان الدول التي خرجت من صراعات كبرى كانت اضعف من ان تسترد تراثها بالكامل او حتى ان تحاسب من عبث به. بعيدا عن الاتهامات المباشرة يجب النظر الى هذه الجريمة من منظور أوسع. ان سرقة التراث ليست مجرد سرقة مادية ، بل هي عدوان على الذاكرة الجمعية، وتدمير لما يبنى عليه الوجدان القومي والهوية الثقافية. في لحظة ما بعد الحرب حين يبدأ السودانيون بإعادة تعريف دولتهم وموقعهم في التاريخ سيكتشفون ان احد اهم جسور التواصل الى ذواتهم قد فقد والاسوا انه غير قابل للاستحداث. التراث القومي ليس ترفا ثقافيا، بل هو اول مايحتاجه أي مشروع وطني جامع في مرحلة مابعد الحرب. هو العامل المشترك الوحيد بين من اقتتلوا وهو الذي يمكن ان يشكل اساسا لمصالحة تاريخية عميقة.

‫2 تعليقات

  1. نهب المتحف القومي استاذ حاتم واحدة من اكبر الكوارث التي حلت ببلدنا لا تقل فداحة عن الحرب اللعينة الجارية حاليا. لا نريد ان نشير بأصابع الاتهام الى اى جهة ولكن لا يحتاج الامر لعبقرية لمعرفة الجهة التي لديها مصلحة في سرقة وهمبتة كل مقتنيات المتحف القومي من تماثيل وآثار لا تقدر بمال. ولكن المشكلة تمكن فينا نحن كسودانيين لم نبد اى اهتمام حقيقي بتاريخنا الضاربة جذوره في التاريخ ولم نهتم حتى بتوفير الحماية لهذا الكنز العظيم بوصفه ملك للاجيال القادمة. لا اتصور ان هنالك اى امكانية لاسترداد المنهوبات. ولا تستغرب اذا ما وجدت يوما ما بعضها معروضا لدى دول اخرى بإعتبارها جزء من تاريخها. عندما سيطر الدعم السريع على المتحف سخر الكثيرون من الفيديوهات التي وثقت لحظة استلام المتحف وتصرفات بعض عساكر الدعم السريع واحاديثهم السطحية عن المومياءات وما الى ذلك. ولكن هل كانت هنالك جهة ما قصدت الترويج من خلال تلك الفيديوهات حتى يكون الدعم السريع هو الشماعة التي تعلق عليها عملية النهب؟ العلم عند الله. لكن قناعتي ان جهة خارجية – نافذة – تنظر للسودان بطمع وجشع وحقد دفين شعرت بأن الفرصة واتتها لسرقة هذا الكنز مستغلة انشغال الجميع بالحرب الدائرة. لك الله يا وطني وكان الله في عون السودان المنكوب. وحقيقة تشكر استاذ حاتم على لفتك الانظار لهذا الامر الجلل فما حدث مأساة وكارثة بكل ما تحمل الكلمة من معنى والله المستعان.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..