مقالات وآراء

عبد الخالق محجوب: فضلاً أن صلاح أحمد إبراهيم شاعر حقيقي

 

عبد الخالق محجوب: فضلاً أن صلاح أحمد إبراهيم شاعر حقيقي
كمال الجزولي

(اجتمع نفر من أصدقاء كمال الجزولي ومحبيه يوم الاثنين الماضي في لقاء زوم للحفاوة بمأثرته الثقافية والسياسية في مناسبة صدور روايته “قيامة الزئبق” عن دار الروزنامة في النشر (وهي دار نشأت في تخليد ذكره) في يناير الماضي. وبجانبي وعبد المنعم الجزولي عن الأسرة تحدثت في اللقاء الدكتورة لمياء شمت حديثاً استفاضت فيه عن جغرافيا مأثرة كمال التي بلا ضفاف رحمه الله. وأعيد نشر كلمة سبق لكمال نشرها في روزنامته في يوم ما).

بين كمال الجزولي وبيني أستاذنا عبد الخالق محجوب. عرفنا منه عن كثب ما ربانا معاً على معنى للزمالة صمد لعاتيات تحولاتي السياسة ولعاتيات كمال الكثيرة. كان إذا جاءت سيرته بيننا أشرق فانوس من المثاليات من رجل أخذ رسن القيادة بحقها. وكان هذا الرباط أيضاً ما وثق بيني وبين المرحوم عبد الله محمد الحسن في آخر الستينات. ولا أعرف مثله من أحب عبد الخالق. وأحب هو عبد الخالق جداً. وله كتابات في الرد على صلاح أحمد إبراهيم حين أطلق سخريات مرة عن عبد الخالق البرلماني في 1968.
وحكاية عبد الخالق وصلاح أحمد إبراهيم مما كان كمال يؤنسني بها. ووقعت في أيام المبارزة المعروفة بين صلاح وعمر مصطفي المكي، رئيس تحرير جريدة الميدان وعضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي، على صفحات جريدة الصحافة في شتاء 1968. وكانت لها عناوين جهادية مثل “الأقنعة الزائفة لا تبدل من الحقيقة شيئا” (عمر مصطفي المكي) و “هيها يا مسيلمة فشرف المبارزة قاصر على الشرفاء” (صلاح أحمد إبراهيم). ودخل عبد الخالق على تلك الخصومة بدماثة قيادية قد لا يصدق أحد أنها مما يحدث ماضياً وحاضراً.
وفي ليلة في ذكرى صلاح أحمد إبراهيم بالنادي الدبلوماسي حكى كمال الجزولي كشاهد عيان مأثرة لأستاذنا تأخذك منك. قال للحضور:
ولأنَّني أحسُّ بأن معظمكم ربَّما كان متشوِّقاً لسماع إفادة في هذا المحور، فلا أغادر دون أن أدلي بما يقع في حدود علمي:
رغم ما قد يبدو على صلاح أحمد إبراهيم أحياناً من خشونة مظهريَّة في معاركه الفكريَّة، وفي خلافه، بالأخص، مع الحزب الشِّيوعي، إلا أنه يتَّسم، مع ذلك، بدماثة متناهية، ولين مزاج اجتماعي رائق. جاء من باريس بعد الانتفاضة، لأوَّل مرَّة، وكنت، وقتها، عضواً بهيئة التَّحقيق والاتِّهام ضد عمر محمد الطيب، نائب رئيس الجُّمهوريَّة، ورئيس جهاز أمن الدَّولة، ومجموعة من ضبَّاطه، في قضيَّة ترحيل اليهود الفلاشا إلى إسرائيل، فرجاني ألا أخاطبهم بغير ألقابهم العسكريَّة! قال: ذلك لن يضير عملكم في شيء، لكنهم خارجون لتوِّهم من “دنياهم المجيدة” إلى ظرف استضعاف لم يعتادوه، فيجدر “التَّرفُّق” بهم مهما كانت أفعالهم! قال ذلك رغم أنه، شخصيَّاً، كان قد تضرَّر من معاملة جهاز الأمن له، ولأسرته، وأصدقائه، على مدى سنوات طوال حرم خلالها حتَّى من زيارة السُّودان!
في عام 1968م كنت صحفيَّاً بجريدة “الضِّياء”، لسان حال الحزب الشِّيوعي بعد حله، وكان يرأس تحريرها عمر مصطفى المكي، وكنت أشاركه، وسمير جرجس، مكتباً داخليَّاً واحداً. كانت الجَّريدة متوقِّفة عن الصُّدور بسبب تعثُّرها في سداد مستحقَّات المطبعة. فكان عمر مشغولاً، معظم الوقت، بكتابة مقالاته الهجوميَّة ضدَّ صلاح، في إطار سجالهما المشهور بجريدة “الصَّحافة”، يغلظان على بعضهما البعض بصورة غير مسبوقة، وكان يشرف على “تسخين” تلك السِّجاليَّة الصـَّحفي النَّشط مبارك الرفيع!
وأذكر أن غالبيَّة المبدعين داخل الحزب كانوا غير راضين عن محاولة عمر التعريض بإبداع صلاح (!) علماً بأننا كنا نوقِّر مكانة الأخير المرموقة في خارطة الشِّعر السُّوداني، بل والعربي. وكانت لبعضنا علاقات طيِّبة معه في المستوى الشَّخصي، لذلك تأثُّرنا بالغاً حين علمنا بارتفاع السُّكر في دمه بسبب تلك السِّجاليَّة حسبما أبلغه الطبيب!
وذات مرَّة توعَّده عمر بأنه، في مقال قادم، سيتناول “شعره المزعوم”، على حدِّ تعبيره! وبحكم وجودي في نفس المكتب كنت شاهد عيان على مجيء عبد الخالق، في ذلك اليوم، إلى مقرِّ “الضِّياء”، برفقة الرَّشيد نايل، ليطلب من عمر التَّوقُّف عند ذلك الحدِّ، قائلاً له ما يعني أن النَّاس، عادة، لا يقبلون الأحكام النَّقديَّة تصدر من غير المتخصِّصين، وأنت لم تُعرف كناقد أدبي، فضلاً عن أن صلاحاً شاعر حقيقي، والخلاف السِّياسي معه ليس تكأة لأن نحشر موضوع شعره فيه!
وكان قد سبق لعبد الخالق موقـف مماثل، تأسيساً على احتجـاج كـان أبداه زميلنا عـبد الله علي إبراهيم إزاء هجوم صحيفة الحزب، في مناسبة سلفت، على صلاح الشَّاعر، ولعلّه أشار لذلك قبل فترة، إن لم تخنِّي الذاكرة!
الشَّاهد أنني، في محاولة لإقناع صلاح بأن عبد الخالق لا يقف خلف مقالات عمر كما كان يعتقد، استشهدت له بتلك الواقعة مرَّتين: الأولى مساء نفس اليوم، عندما التقينا، وبعض الأصدقاء، في مكتبة ومقهى “سدرة المنتهى” بالمحطة الوسطى بالخرطوم. لكنه لم يكن ليصدِّق، فقد كان يجزم أن عمراً لا يكتب إلا بتحريض من عبد الخالق، وسبحان من كان يستطيع أن يقنعه بخلاف ذلك!
أمَّا المرَّة الثَّانية فقد حدثت بعد ذلك بعشرين سنة، حين التقينا عام 1988م، على مائدة عشاء بمنزل صديقنا المؤرِّخ العسكري عصمت زلفو. كان صلاح هناك، بالإضافة إلى علي المك ومحجوب عثمان. وحاولوا جميعاً أن يؤكدوا له أنه مخطئ في اعتقاده بأن عبد الخالق كان يحرِّض ضدَّه. بدا، ليلتها، ميَّالاً للتَّصديق، لا سيَّما وقد أشرت إلى طلب عبد الخالق الاستماع إلى “الطير المهاجر” في سهرة إذاعيَّة استضيف فيها بمناسبة فوزه في انتخابات الدَّائرة الجنوبيَّة التَّكميليَّة بأم درمان، وذلك كي أؤكِّد له أن الرَّجل لا يضمر موقفاً شخصيَّاً ضدَّه! فأبدى دهشته، قائلاً إنه لم يسمع بذلك من قبل! لكنني أذكر، ونحن عند حوض غسيل الأيدي، أنه قال لي، فجأة، بانفعال شديد: “لكين ياخ يخليني أتكلم زي المجنون ميَّة سنة ما يقول لي عينك في راسك”؟! فتيقَّنت، ساعتها، من أن ذلك هو لبُّ الضَّغينة! لكن، بعد سنوات من ذلك، جاءت استضافة حسين خوجلي له في مقابلة تلفزيونيَّة، خلال سنوات الإنقاذ الأولى، ومحاولته جرجرته لمهاجمة الشِّيوعيين، وربَّما عبد الخالق نفسه، لكنه رفض بعناد أسال منه دمعاً تلألأ في عدسات الكاميرات، ورآه كلُّ المشاهدين، مِمَّا ينطوي، دون شكَّ، على دلالة لا تفوت على فطنة الفطنين!
رحمة الله ورضوانه على صلاح، وعلى جميع الرَّاحلين مِمَّن مرَّ ذكرهم في هذه الكلمة، وأطال أعمار الأحياء ومتَّعهم بالصَّحَّة والعافية، والشُّكر أجزله لكم على حسن الاستماع!

‫7 تعليقات

  1. راشد، صلاح، كمال….

    هؤلاء كانوا رجالاً…. وعلى كل ضامر..
    أما أنت فمجرد كلب للكيزان ومعرص لهم وبائع لقضايا شعبك وحزبك.
    يزعم عبدالله حمدنا الله وهو مفكر إسلاموي وأستاذ جامعي أنه كان هناك تنظيم سياسي تكون في العشرينات من تجار ومواطنين وإقتصر على الجعليين فقط. (على غرار جمعيتي اللواء الأبيض والاتحاد السوداني و والهاشماب والابروفيانس وأخريات.
    فإن كان في الجعليين قد أقاموا لهم تنظيماً (يحفظ لهم مصالحهم) فللشوايقة مصالح أكبر وأولى بالمحافظة عليها.

    الشاهد في الأمر أن أحد كوارث الدهر مثل حسن الترابي كان يعوِّل تماماً على ولاء بعض قبائل زُرقة دارفور له شخصياً إذا ما حدثت صراعات تنظيمية غيرَّت الولاءات السياسية لغير صالحه وكان أقربها إليه شعوب سخاواة وبرقو وبرنو.
    شهد عقد التسعينات نفوذاً للترابي على حساب مجموعة العسكريين الاسلامويين والذين كان أغلبهم من النخبة النيلية (المشلخة) وقد أثار ذلك حفيظتهم وتحفظهم مع إزدياد الضغوط على نظامهم الاسلاموي بسبب محاولة إغتيال حسني مبارك وإنكشاف تورطهم في ذلك.
    الترابي كقارئ جيد للأحداث وكشخص عاقل يعرف أن السياسة لا تحكمها سوى المصالح كان متوقعاً لما سيحدث فحرَّك (رايته الزرقاء) وحرضها على الخروج عن (شرعية) المؤتمر الوطني طالما قد خرجوا عليه.
    شهدت الأعوام من أول الألفية خروجاً على النظام الاسلاموي بقيادة بعض أقطابه وعلى رأسهم حسن.
    ولما كانت الأمور قد آلت في ظاهرها ومالت كفتها لصالح عمر البشير وعلي عثمان وكفة الشوايقة فقد أحدث تمرد الزُرقة في دارفور إنقساماً طال التنظيم والدولة معاً وهذه أمور (طبيعية) في الدول التي تحكمها علاقات قبلية وعشائرية.
    فالأصل في الولاءات المصالح وليس (الشعارات والاناشيد والكلام).
    حاصل الأمر أن أشخاصاً كالشفيع خضر سعيد لا يجدوا بأساً في التحالفات (الصغيرة) تحت الطربيزة بناءاً على معطيات وصراعات داخل حزبهم الشيوعي من بعد محمد إبراهيم نقد. فقد خذلته المجموعة الستالينية التي كانت لديها تحفظات حول نقد لم تستطع أن تجاهر بها.

    1. كان لنقد صراعاته المخفية مع الستالينين
      لكنه أراده صراعا فكريا وحوارا في أحسن الأحوال
      نقد كان يخاف من الإنقسام ويحرص علي وحدة الحزب
      لكنها كانت وحدة من نوع مشطوها بقملها
      الذي فات علي نقد أنه لم يقدر جيدا قدرة الستالينين علي التأمر
      وهو ديدن غالب علي كل الأحزاب الستالينية
      خطأ نقد أنه كان يربي القيادات كما تربي فئران التجارب
      في المعامل
      وليس في خضم الصراعات السياسية والفكرية
      لذلك فشلت التجربة
      فخرح الخاتم والحاج وراق عن الحزب
      وأخرج الشفيع لاحقا بمؤامرات من قبل الستالينين
      سخرية القدر كانت في السؤال التاني
      أها يا الستالينين
      عملتوا شنو بعد خروج هؤلاء من الحزب؟؟؟
      راح الدرب في الموية ورجعوا من كل ذلك بالتغيير الجذري
      والناس عارفه ماذا حدث للتغيير الجذري

    2. الاستاذ ابو شنب لك تحياتي
      لك كامل الحق في تحديد قناعاتك ولكني كقاريء فقط كان من الممكن أقرأ حديثك دون ان تلجا لالفاظ لم ولن امون سعيدا بقراؤدءتها فوصفك للبروف بكلمات احس بانها خرجت من باب اللياقة وان لم تكن تكن للبروف اي ميول توادد فهذا أيضا شأنك ولكن ما دخل القاريء ببغضك.
      اتمنى ان تراعي حق الآخرين في خياراتهم
      ولك تقديري

  2. يللا في الحلقة القادمة المثقفاتي الميسزوري أبوقميص أصفر سيحكي لنا أن عبد الخالق كان ينادي بتطبيق الشريعة

  3. العنصري المريض المستعرب والمستلب، الكاره لذاته الناكر لهويته. بالمناسبة، ترمب يقوم بمراجعة كل ملفات الهجرة، سؤال بالجنبة كده! هناك سؤال عن الانتماء للحزب الشيوعي او الانتماء لاي حزب شمولي؟ واكيد تم سؤالك عن ذلك في ٣ طلبات/مقابلات: اولا، عند تقديم طلب تاشيرة الدخول للولايات المتحدة الأمريكية لاول مرة، وثانيا، عند تقديم طلب للاقامة الدائمة (القرين كارد)، وثالثا, عند تقديم طلب التجنس، اذا كنت قد حصلت علي الجنسية الأمريكية، فهل اجبت على هذا السؤال بكل صدق؟؟؟؟؟ وفعلا صدق من قال ان اسوء الكيزان هو الشيوعي المتحورالي كوزخاصة في ارزل عمره..

  4. يا عمر البروف الخرف المتحور ومعرص الكيزان وضع نفسه في وضع المبرر لحرب مات بسببها خمسة وأربعين ألف طفل بسبب سوء التغذية الحاد فقط.
    هذا غير من قتلهم طرفي الحرب بشكل مباشر أو غير مباشر.
    الأمر هنا يا عمر أمر محافظة على حياة شعب وليس إختلاف في وجهات نظر.

    الأمر أمر مثقف خان وطنه وشعبه ومبادئ كان يزعمها منحازاً لمجرم ضد مجرم فالامر جد وليس هزل.

    وصلت البجاحة بهذا العنصري الكريه أن يبرر لجيش الكيزان إستعانته بمليشيات قبلية ودواعش.

  5. زمان قيل ان الذيوعي عندما يسقط يكون سقوطه بالزانه زاظنها قيلت في احمد.سلبمان الذي كان شيوعيا وانتهي اخوانيا ويبدو ان عبدالله علي ابراهيم سائرا علي ذات الدرب وهو من الذين وصفتهم الاستاذه رشا عوض “بالمثقفين النافعين ” يالبؤس المنقلب

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..