مقالات وآراء

أرض بدون شعب

خالد فضل

 

مساحات شاسعة من الأراضي , إقليم واحد منها يعادل مساحة فرنسا , وآخر يعادل مساحة أربع دول أوربية غنية تعيش فيها شعوب مرفهة , ويلجأ إليها سكان تلك الأراضي الشاسعة بطرق غير نظامية طلبا للأمن والطعام والكساء والدواء والتعليم والسكن والعمل . بإختصار يطلبون فيها ميلادهم كبشر من أول جديد .

عشرات القوافل يوميا تعبر الصحارى , عشرات المراكب شهريا تمخر عباب البحر الأبيض المتوسط بأمل الوصول إلى أقرب متر مربع من دولة أوربية مشاطئة على الجانب الآخر من البحر , لأنّ ذاك المتر المربع يعني بداية حياة جديدة عنوانها (أنت إنسان) .

عشرات الآلاف اتخذوا طرقا شاقة ومكلفة , وتخطوا عقبات إجرائية طويلة , وامضوا أسابيعا في جمر الإنتظار وخوف الفشل في اللحاق بذويهم الذين يقيمون في السعودية والإمارات . تنهمر عليهم التهاني والتبريكات بسلامة الوصول إلى هناك , وتنقضي أيام الزيارات وشرعية الإقامة فيجقلبون وتنهمر الدموع والرجاءات والتوسل للسلطات هناك بالسماح بتمديد زمن الفيزا , من يستجاب له يتنهد بإرتياح كمن انهى مارثون شاق , ومن خاب رجاءه يتنهد تنهيدة تشق صدره بلهب خيبة الرجاء ؛ إذ أمامه السكة ومدى المجهول …

مئات الآلاف شقوا دروب الصحراء التي يعرفها المهربون , بعضهم تاه عطش مات .. ونجا الكثيرون حمدلله على السلامة ادخلوا مصر إن شا الله آمنين .. حتى كتب أحد المؤثرين على السوشيال ميديا (أدينا المصريين حلايب وشلاتين وشلنا منهم فيصل والمهندسين) وي وي وي غشيناهم ! آلاف منهم الآن آيبون لبعض تلك المساحات الشاسعة من الأراضي .. ترى أيحلمون بأن يصبحوا شعبا ؟

آلاف لاذوا بغابات أولالا الإثيوبية بعد أن خاب في معسكر اللاجئين المقام .. رافقتهم الزواحف والقوارض والقوارص وهجمات العصابات المسلحة فقضى نحبه منهم من قضى .. ضل شجرة ولا شظية في تلك المساحات الشاسعة الواسعة ..

ما يماثلهم عددا , استجاروا من الرمضاء بالنار التي أشعلها خطاب الكراهية وفعل الكراهية وتصفية الجنوبيين في ود مدني فضاقت أحياء جوبا وأسواقها , عن الملتاعين المذعورين , وقضى بعضهم بفعل غضب بعض غلاة الجنوبيين القوميين وعبر الرسائل الواعية وخطابات المحبة والتسامح نشطت مجموعات المستنيرين من أبناء ذلك البلد الحميم تدعو المتهورين إلى لجم العنف , وكظم الغيظ , فهؤلاء اللاجئين المساكين هم ضحايا لمن أحرقوا بني وطنكم بالبنزين .. فهدأ الروع قليلا ولو إلى حين .. الحمد لله رب العالمين ..

آلاف يتشاجرون ويتذمرون من سوء الإدارة والمحسوبية وشبهات الفساد في توزيع سلال رمضان للصائمين , تلك التي وهبتها المعونة الكويتية في أوغندا للاجئين الفارين من تلك الأراضي الشاسعة التي تفوق مساحة وحدة إدارية واحدة فيها مساحة بلد الكويتيين المحسنيين ..

في غابات كينيا ؛ التي غناها الكابلي من نظم البديع تاج السر الحسن , آلاف .. مئات .. عشرات , من أولئك الذين حظوا بالوصول , فالدرب صعب , لكنهم محظوظون .. ويلوح في الأفق ميلاد التأسيس .. في تلك الأراضي الشاسعة الواسعة التي تضيق عن المختلفين عرقا وثقافة ودين .. فيطرح بعضهم خطة السحق والإبادة .. ويستمسك بعضهم بحق السيطرة والإدارة .. وتفيض وديان الدم فتجدب الأرض ..

في تشاد .. فركة رجل من قرى الحدود .. آلاف وآلاف .. في المعسكرات يحدث كل ما كان السبب في اللجوء .. التناحر الإثني .. الغبن والتهميش . القمع والقهر والتجييش .. والإستقطاب حد رفض المعونات الإنسانية من بعض المانحين .. ومساحات شاسعة واسعة تعادل مئات المرات مساحات بلد المانحين لكنها مهجورة مسكونة بالرعب ومذابح الجنجويد .. من زمن بعيييد ..

ويحدثونك عن عبء اللغة , واختلاف الرؤى بين ثلاثة البلدان التي لغتها تنفرد بحرف الضاد .. فكان التضاد .. في عاصمة لغتها مما أبدع فيها شكسبير هاملت وعطيل .. وكتب بها برنارد شو (تسعة من كل عشرة جنود يولدون أغبياء) … والعاشر بالإكتساب .. وتظل المساحات الشاسعة الواسعة أرضا يباب … أين الشعب .

 

[email protected]

تعليق واحد

  1. الشعب موجود اخي ولولا وجوده لجفت اوراق الشجر و الفوترية في قناديلها وتوقف جريان النيلين وماتت زغاريد الفرح على حافة الشفاه وما كنت انت تكتب وتناقش وتجادل
    الشعب موجود كيف بالسيف تحدى المدفع وبالثورات ازاح الطغاة والارض مازالت خضراء وظلال الرواكيب مازالت الأفواه. تحتسي الشاي والقهوة والعيون تمتع النظر في الجمال وتصنت للطير المهاجر للتي تطرز مناديل الحرير لحبيب بعيد والميرمات يمسكن يد على الزناد واخرى تلولي في الصغير
    الشعب موجود رغم الموت فالحياة عنده تولد في اليوم ألف مرة مع العصافير التي تمسكت باغصان اشجار الدليب والمانجو والبرتقال والنخيل لم تفارق اعشاشها
    الشعب موجود على احرف كتاباتك فارضه جميلة ومستحيلة وفي اناشيد وردي وروائع الحلنقي لو وشوش صوت الريح في الباب يسبقنا الشوق قبل العنين وفي سؤال أعلى الجمال تغار منا وفي الهلال والمريخ وفي معسكرات اللجوءفالارض تفتح ذراعيها لما ترجع بالسلامة وترجع ايامنا الجميلة
    الشعب الذي تقصد يمتد بقامة بطولاته وبالتقابات وباللالوبة والدواية وبالنيل سليل الفراديس وبالكنداكة سيدي الاراكا بحد السيف والقلم وانت وانا ونحن
    فالغريب عن وطنه وان طال غيابو مصيرو يرجع تاني لاهلو وصحابو
    فالاماسي مازالت حبلى والديار مازالت أبوابها مفتوحة لا بالسؤال هل من عودة تاني وانما بالامل الكبير فالشعب باق وباق

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..