مقالات سياسية

مسرحية العودة “بالزندية” – يا لسخرية القرارات الخرقاء

حسن عبد الرضي الشيخ

في مشهد عبثي جديد لا يليق إلا بمسرحيات العبث السياسي، تخرج علينا ولاية الخرطوم – بكل وقاحة سياسية وجهل إداري – بقرار من خارج الزمان والمكان، يطالب المعلمين والموظفين بالعودة إلى العمل قبل منتصف يونيو ٢٠٢٥، وكأن العاصمة الخرطوم جنة آمنة ومستقرة، وكأن المدارس فتحت أبوابها، والمواصلات سالكة، والحياة كما ينبغي!

من المضحك المبكي أن يصدر هذا القرار وسط ظروف استثنائية تمر بها البلاد، أمن هش، خدمات منهارة، انفلات لا يخفى على أعمى، ومع ذلك يتجاسر مسؤولو الولاية ويحددون “عودة رسمية” و”تسجيل غياب يومي” و”فصل بعد ٤٥ يومًا”، في مشهد يشبه تمامًا تنظيمهم القديم — جماعة الإخوان المسلمين — الذين اعتادوا التزييف والتضليل، متجاهلين أبسط قواعد الواقع والمنطق.

يا جماعة الكيزان، بالله عليكم، هل يعني إصدار قرار بعودة الموظفين أن الأمور قد استقرت؟
هل يعقل أن القرار وحده كافٍ لخلق الأمن؟
وهل العودة المفروضة بالعصا والتهديد تصلح لإحياء منظومة تعليمية محطّمة؟
هذه ليست قرارات، بل دعايات خبيثة تُدار من غرف مظلمة، بأذهان لا تعرف إلا القمع والبطش.

تزعم ولاية الخرطوم — بزهو الجاهل — أنها “أكملت الترتيبات اللوجستية والأمنية” لبدء الدراسة في منتصف يونيو، وكأن الخطر الأمني أسطورة مختلقة، وكأن المعلمين يمكنهم الطيران عبر الحواجز والاشتباكات دون أن يصيبهم سوء! والأعجب أنهم أصدروا تعليمات بأن كل من لم يعد قبل منتصف يونيو سيُفصل، ضاربين عرض الحائط بأوضاع آلاف الموظفين الذين نزحوا أو لجؤوا، أو يقيمون خارج البلاد لظروف إنسانية لا تخفى.

وهنا نسأل:
هل تتخيل ولاية الخرطوم أن القرار الإداري أقوى من الطائرة، وأسرع من الفيزا، وأعلى من صوت الواقع؟
هل تظن أن المعلمين سيحضرون لأن التهديدات تناثرت عبر الورق؟
أم أن الهدف الحقيقي هو التخلص من الكفاءات عبر سياسة الفصل بالإكراه والتهديد المقنّع؟

ولأن الغباء الإداري لا حدود له، قرر هؤلاء “المنظّرون الجدد” أن الإدارات التعليمية مطالبة بالحضور الكامل وتسجيل الغياب بدقة، ثم رفع الكشوفات للجهات الرقابية، في خطوات تصلح لأن تُطبّق في جزر المالديف وليس في الخرطوم التي تسمع فيها طلقات الرصاص أكثر مما تسمع فيها صوت الطلاب!

الحقيقة المرّة أن هذه السياسات ليست إلا أدوات للضغط، وسوطًا مرفوعًا في وجه الموظف السوداني، خصوصًا المعلم، لإجباره على العودة مهما كانت المخاطر، أو لإلقائه من الوظيفة دون محاكمة. إنها سياسات استهداف واستهبال، ردع لا يخلو من خِسّة، وتنفيذ أحمق لأوامر فوقية لا ترى في المعلم إلا رقمًا في دفتر الحضور.

وعليه، فإننا نهيب بكل المعلمين، خاصة من هم خارج البلاد، أن يتصرفوا بحذر وذكاء، ونقول لهم: رتبوا عودتكم بما يضمن سلامتكم أولاً وليس بناء على مخاوفكم، واحصلوا على مستندات تؤيد ظروفكم. وقدموا طلبات الإعفاء أو التأجيل في أقرب وقت.
ولا بد من تفعيل التنسيق النقابي، وتقديم شكوى جماعية للمنظمات الدولية ضد هذه القرارات الظالمة، التي تتجاهل كل عرف قانوني أو إنساني.

إن ما يحدث ليس سوى محاولة تعسفية لتركيع موظفي الدولة، باسم القانون تارة، وباسم “الاستعدادات” تارة أخرى. لكنه في الحقيقة مشروع فصل جماعي مغلّف بشعار الانضباط.
ومع ذلك، فإن الكلمة الأخيرة ستبقى للمعلم الحر، والموظف الشريف، ولن تستطيع ولاية الخرطوم أن تخفي فشلها الإداري خلف أوراق الحضور أو مواعيد الدوام.

فلتسقط قراراتكم المضحكة، وليبقَ السودان وموظفوه أقوى من عبثكم، وأشرف من نواياكم.

[email protected]

‫3 تعليقات

  1. إذا لم يتم إيقاف الحرب باتفاق سلام شهد عليه كل العالم اوع تعودون للخرطوم كل الجيش يسرق و الدعم السريع يسرق و الزرق يسرقو كما أن المياه والكهرباء معدومة ولايوجد جيران وهناك الغام دفنها الجيش الكيزاني دفنا عشوائيا ولايعرفون مكنها الآن

  2. القرارات دي بقت تطلع من مكاتب المؤتمر اللاوطني الذي أجدر به أن يطالب اعضاء مجلس سيادته بالحضور اولا وباسرهم من خارج السودان قبل مطالبة مزاطن تم نهب منزله بالكامل بواسطة الجيش الذي لم يحميه من عسف الجنجا

  3. هذه سياسة التمكين الجديدة والفصل للصالح العام حتى يخلو لهم الجو ليهندسوا المشهد السوداني بطريقة جديدة. لكن صراحة المواطن السوداني يستاهل اكثر من كده لأنه من بداية الحرب وهو مخدوع من قبل هؤلاء المجرمين، واصبح معظم الشعب (جيش واحد وشعب واحد) وهو يعلم علم اليقين انه لا يوجد جيش وطني وجميع قادة الجيش من مردة الكيزان والآن قد رجعوا ليكم ليجعلوا منكم دوابا يركبوا على ظهوركم ويدوسوا على كرامتكم ويقتلون ابناءكم ويستحيون نساءكم. شعب جاهل وغبي ويستاهل اكثر من الذي حدث له. والأيام القادمة حبلى بالمصائب التي تحل على رؤوسكم كالمطر حتى يشيب لها الولدان. وهذا ما جناه هذا الشعب على نفسه بإنسياقه وراء الكيزان كالأنعام بل هم اضل من الأنعام.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..