ما أشبه الليلة بالبارحة

ادم علي عبدالله
تكاد السودان هو البلد الوحيد في العالم الذي دور فيه عقارب الساعة إلى الوراء، وتتشابه فيه الأحداث التاريخية رغم مرور عقود من الأزمان.
التكتلات السياسية و الاستقطابات الاثنية والجهوية والمناطقية التي تجري الآن في السودان بعد إندلاع حرب ١٥ أبريل ٢٠٢٣، اشبه بالواقع السياسي الذي حدث بعد إضمحلال الدولة المهدية بوفاة محمد أحمد المهدي القائد الأول للثورة ضد الاستعمار التركي المصري. حيث تولى الخليفة عبدالله التعايشي الذي شهد عهده تناقضات داخلية و استقطابات جهوية و مناطقية ساعدت كثيرا في سقوط الدولة المهدية على يد الإنجليز. و بدأ أولى الاصطفافات الجهوية برفض عشيرة وانصار محمد أحمد المهدى تولي الخليفة عبدالله الحكم خلفا للمهدي، و الذين رأوا في الخليفة عبدالله انه شخصا أقل منهم درجة.
جاء فترة حكم التعايشي على السودان في ظل تناقضات كبير منها عدم إنصياع أبناء شمال السودان لسلطته ، فعندما ارسل قوة بقيادة محمود ود أحمد إلى المتمة للتصدى على القوات الإنجليزية القادمة من الشمال و طلب الخليفة عبدالله من ود سعد كبير الجعليين بإخلاء المدينة و مساندة قواته للتصدي علي قوات المستعمر، رفض ود سعد طلب الخليفة وهذا هو احد أسباب خسارة جيش المهدية للمعركة لصالح جيش كوتشنر. مما افقد الخليفة عبدالله الثقة في أبناء شمال السودان، و بدأ الخليفة يستنصر بالقبائل من غرب السودان ولكنه كان يميز بين القبائل خاصة بعد خلافه مع السلطان دينار والذي ينتهى بسجن الأخير في أمدرمان. فكان يسلح القبائل العربية الرعوية الموالية له ويحرم الاخرين باعتبارهم افارقة او زرقة ،واتبع سياسة التهجير القسري للقبائل الدارفورية ، كما استخدم سياسه البطش والتنكيل ، واستعان بالقبائل الرعوية وفرض مفاهيم تعارضت مع مبداء سلطة وسيادة القبائل علي ديارها .
مما نتج عنه تعارض بين مصالح ومفاهيم زعماء القبائل ذات الديار واستراتيجية الخليفة ، فانقسمت المهديه الي ثلاثة مجموعات، مجموعة حلف الخليفة واهله من العربان ، وقبائل دارفور بزعامة الفور و الحلف الثالث الدناقلة والشايقية ، وقد مهد هذا الانقسام لاحقا لهزيمة معسكر الخليفة عبدالله التعايشي ، وعودة اهل دارفور الي سلطنتهم بقيادة السلطان علي دينار.
فإنهزمت قوات الخليفة امام جحافل القوات البريطانية الغازية نتيجة الحروبات الداخلية التي خاضها الخليفة مع اهل السودان وقد حدثت الا بادة الجماعية الاولي لسكان السودان والتي ذكرها السلطان علي دينار في مذكرته بان دارفور صارت قفارا ، حيث كان عدد سكان السودان قبل ظهور المهدية حسب الاحصائيات الرسمية حوالي 8 مليون نسمة ، وبعد حروبات الخليفه التي خاضها نتيحة سياسة التهجبر، صار عدد سكان السودان مليون ونصف نسمة ، وقد لاقي حوالي اربعة مليون ونصف حتفهم في عهد حكم الخليفة ، وحينما ادار حلفائه وجهتهم نحو دارفور وجدوا السلطان علي دينار قد تمكن من اعادة عرش اجداده وسد طريق دارفور امامهم.
بعد مرور اكثر من قرن السودان الآن يعيش حالة استقطابات اشبه بما حدث في عهد المهدية. كما اتبع طرفي الصراع نفس سياسات اجدادهم قبل اكثر من مائة عام.حيث يحاول كل طرف تقوقع في منطقة جغرافية محددة، وهذه الاصطفاف يهدد بقاء الدولة في السودان يجعل السودان مفتوح امام الاحتمالات خاصة مع إنسداد أفق الحل السياسي السلمي و اتساع دائرة الانقسام و ارتفاع صوت الكراهية. و اتباع طرفى الصراع سياسة ضرب الحواضن الاجتماعية مما زيد من الاحتقان الاجتماعي وقد تؤدي إلى حرب اهلية شاملة تفتك بما تبقى من المجتمع السوداني.
ادم علي عبدالله 20أبريل ٢٠٢٥