مقالات سياسية

إرث الخراب : كيف دمّر الإسلاميون الدولة السودانية

نبيل منصور

 

مقدمة منذ إستقلال السودان تعثرت محاولات بناء دولة مدنية ديمقراطية جامعة ،، لكن الإنهيار الشامل الذي شهده السودان في عهد الإسلاميين بلغ حداً غير مسبوق .. لم يكتف نظام الإنقاذ بالإستبداد السياسي والنهب الإقتصادي بل تعمّد ضرب مقومات الدولة الوطنية من الجذور .. هذا المقال لا يسعى فقط لتوثيق حجم التدمير بل لتحفيز الوعي بضرورة تفكيك هذا الإرث وتأسيس مشروع وطني جديد يقوم على العدل والمواطنة.

 

أولاً : السيطرة على الدولة ومفاصلها،،

 

– نفّذ الإسلاميون إنقلابهم بقيادة عمر البشير وبتخطيط من الجبهة الإسلامية القومية بقيادة حسن الترابي .

 

– بدأ التمكين بتعيين كوادرهم في مؤسسات مهمة كالقضاء والخدمة المدنية والجيش والتعليم والإعلام والاقتصاد.

 

 

ثانياً : تفكيك الدولة وخلق دولة موازية،،

 

– أنشأوا جهاز أمن ضخم يعتمد على الولاء الأيديولوجي.

 

– أسسوا إقتصاداً خفياً عبر شركات تتبع الأمن والجيش والحزب.

 

 

ثالثاً : القمع والانتهاكات ،،

 

– مارس النظام القمع الممنهج ،، تعذيب ،، سجن ،، إعدامات ،،فصل تعسفي وتشريد .

 

– أشعل الحروب الأهلية في الجنوب ودارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق .

 

 

رابعاً : تدمير الاقتصاد ،،

 

– نهب منظم للموارد وخلق نظام ريعي يعتمد على المحسوبية .

 

– بعد إنفصال الجنوب وفقدان عائدات النفط إنهار الإقتصاد بلا بدائل وبلا خطط .

 

 

خامساً : ضرب النسيج الإجتماعي ،،

 

– إستُخدم الخطاب الديني لتبرير الإستبداد مما عمّق الانقسامات المجتمعية .

 

– تم تسليح بعض القبائل وتفكيك الإدارات الأهلية لخدمة النظام .

 

 

سادساً : تفكيك التعليم والخدمة المدنية ،،

 

– تم إضعاف التعليم بإدخال أيديولوجيا التنظيم وتشويه المناهج.

 

– أُفرغت الخدمة المدنية من الكفاءات لصالح الولاءات.

 

 

سابعاً : الفساد وتضخم الثروة وسط فئة قليلة ،،

 

– نشأت طبقة رأسمالية طفيلية مرتبطة بالتنظيم .

 

– إنتشر الفساد ووجد حماية سياسية وقضائية .

 

 

ثامناً : تدويل الأزمات ،،

 

– تورط النظام في دعم حركات إسلامية مسلحة بدول الجوار .

 

– فُرضت على السودان عقوبات دولية وصُنّف كدولة راعية للإرهاب .

 

 

تاسعاً : التخريب السياسي ،،

 

١. ضرب الثقافة الديمقراطية ،،

– الإنقلابات قضى علي التداول السلمي للسلطة وزُورت كل الإنتخابات التي تم عقدها .

 

– تم تهميش الأحزاب وشجّعوا الانقسامات وسطها وفككوا النقابات وانشأوا اخري بديلة موالية لهم .

 

٢. إستخدام الدين كسلاح سياسي ،،

– تم توظيف الشريعة لتبرير البطش لا لتحقيق العدالة .

 

– شوهوا صورة الإسلام الحقيقية والتي تدعو الي حسن الخلق وأتوا بنسخة أخري تعتمد علي أسوأ ما في النفس البشرية من سوء وبشاعة .

 

٣. تفكيك المعارضة ،،

– اخترقوا الأحزاب، وموّلوا بعضها لضرب الأخري ، وشجعوا ظهور أحزاب كرتونية.

 

 

٤. إضعاف الهوية الوطنية ،،

– قدّموا الانتماء العقائدي على الوطني، وزرعوا الانقسامات.

 

 

٥. إنتاج نخبة إنتهازية،،

– نشأت طبقة سياسية فاسدة موالية للسلطة.

 

 

٦. تسييس مؤسسات الدولة،،

– حُوّلت مؤسسات الجيش،، الأمن،، القضاء، والدبلوماسية إلى أدوات للحزب .

 

 

٧. خلق بيئة سياسية مختلة،،

– تركوا فراغاً مليئاً بالشك والانقسام بعد سقوطهم ما أدى لفشل التحولات الانتقالية .

 

 

عاشراً : تقسيم البلاد وتهديد ما تبقّى من وحدتها ،،

١. انفصال الجنوب ،،

– فشل النظام في جعل الوحدة جاذبة ما أدى لإنفصال الجنوب في 2011م.

 

٢. إعادة إنتاج التهميش في الأطراف مما أدى لتصاعد النزاعات والصراعات .

 

٣. الحرب الأخيرة (2023م) كأداة تفكيك ،،

 

– الحرب دمرت العاصمة وشرّدت الملايين، ورفعت دعوات تقرير المصير في عدة مناطق.

 

٤. تعميق الكراهية المناطقية والعرقية

 

– غذّى النظام الانقسامات العرقية بخطابه العنصري مما جعل الانفصال خياراً عند البعض.

 

 

٥. تحويل الصراع السياسي إلى صراع وجودي

 

– الحرب الراهنة تدفع السودان نحو خطر التقسيم الكامل بدلاً من إعادة البناء الوطني.

 

 

حادي عشر : تخريب القوات النظامية وتحويل الجيش إلى مليشيا حزبية ،،

 

١. التمكين داخل الجيش

– منذ بداية الإنقاذ تم فصل مئات الضباط الأكفاء وإحلال ضباط موالين للحركة الإسلامية مكانهم مما أحدث خللاً مؤسسي خطير أدي لتقليل كفاءته.

 

– أُنشئت وحدات موازية مثل الدفاع الشعبي وميليشيات عقائدية تابعة للتنظيم مباشرة.

 

 

٢. إضعاف عقيدة الجيش الوطنية

– تم تغييب العقيدة القتالية التي تستند إلى حماية الوطن والشعب، واستبدالها بعقيدة الولاء للحزب والحاكم.

 

– أصبحت الأولوية للدفاع عن النظام لا عن البلاد مما أفقد الجيش إحترامه الشعبي ودفع الكثير من أفراده سواء ضباط أو جنود لترك الخدمة بعدة طرق .

 

 

٢. خلق مراكز قوى متضادة

– تم تسليح وتدريب ميليشيات موازية (قوات الدعم السريع، الأمن الشعبي، حرس الحدود…) بهدف كسر إحتكار الجيش للسلاح ما أدّى لتشظي المنظومة الأمنية بشكل عام .

 

 

٤. الجيش كأداة قمع داخلي

– استخدم الجيش في قمع الإحتجاجات الشعبية وممارسة الإنتهاكات في مناطق النزاع.

 

– فُقدت هيبة الجيش كمؤسسة قومية، وأصبح جزءاً من معادلة الصراع السياسي والأهلي.

 

 

٥. إنهيار المؤسسة العسكرية بالحرب الأخيرة

– الحرب التي إندلعت في أبريل 2023 كشفت هشاشة المؤسسة التي فشلت في حماية العاصمة واجزاء اخري مهمة من البلاد أو في الحسم العسكري .

 

– إنكشفت حقيقة أن كثيراً من البُنى كانت شكلية وأن القرار العسكري كان مرتهناً للحزب ولحلفائه أكثر من أن كان يعمل وفق خطة وطنية .

 

خاتمة:

ما أورثه الإسلاميون للسودان ليس مجرد تجربة حكم فاشلة بل مشروع تدميري شامل أصاب الجغرافيا والاقتصاد والسياسة والنسيج المجتمعي .. إن فهم هذا الإرث وتحليله بعمق هو الخطوة الأولى في طريق التحرر منه .. فبناء وطن جديد يتطلب قطيعة معرفية وأخلاقية كاملة مع هذا الماضي واستعادة المشروع الوطني على أسس العدالة والمواطنة والديمقراطية.

 

كما أن هذا التدمير الممنهج لم يترك بصمته فقط على مؤسسات الدولة بل خلّف أثراً نفسياً عميقاً لدى السودانيين .. شعر كثيرون بالإغتراب داخل وطنهم وإنكسر الإحساس بالثقة تجاه الدولة كمفهوم وزُرعت الشكوك في كل ما هو جمعي من الهوية إلى الجيرة إلى الانتماء السياسي .. لقد تركت سنوات القهر والاستبداد جيلاً مثقلاً بالخوف واللاجدوى وجيلاً آخر خرج للثورة يحمل الأمل لكنه يواجه واقعاً هشاً ومُحمّلاً بتركة ثقيلة من الانهيار والانقسام .. إن التحرر من هذا الإرث لا يقتصر على تفكيك البُنى السياسية والاقتصادية بل يستوجب أيضاً مصالحة نفسية عميقة مع الذات الجماعية وإستعادة الإيمان بإمكانية بناء وطن عادل يتسع للجميع.

 

[email protected]

تعليق واحد

  1. قال تعالي في سورة البقرة: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ﴿١١﴾ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـٰكِن لَّا يَشْعُرُونَ ﴿١٢﴾ صدق الله العظيم.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..