مقالات وآراء

السلام لمن يعرف السلام وإلّا فعلى الوطن السلام !!

سيد محمود الحاج

 

تفجّرت ثورة ديسمبر المجيدة لإقتلاع أسوأ نظام ، إن جاز أن نسميه نظاماً ، وكان الشعار المرفوع حرية سلام وعدالة والثورة خيار الشعب ، إلّا أن تلك الشعارات لم تقابل إلا بالقسوة والبطش فأُزهقت آلاف الأرواح ليس أبان الثورة فقط ولكن على مدى عقود ظلت فيها هذه الطغمة ممسكة بزمام السلطة .. أرواح أبرياء كان كل ما ارتكبوه من إثم هو مطالبتهم بالحرية والسلام والعدالة وليس في حوزتهم سوى هتافاتهم التي كانت كالنفخ في الصور حين قيام الساعة . إلّا أن كل ذلك البطش لم يثني الحشود عن المضي نحو غايتها إلى أن إنجلى ليل الظلم والظلمات فكانت ثورة تمنّى العالم بأجمعه أن لو كانت ثورته ، حتى لمن هم ليسوا في حاجة لثورة ، وذلك لسلميتها وتأدبها وأنضباطها ونُبل الثائرين فلا تخريب ولا إنفلات ولا ممارسات لا تُحمد على الرغم من محاولات الأشرار دس عناصرهم بغرض تشويه الصورة ، فكانت ساحة الإعتصام هي بحق المدينة الفاضلة التي حلم بها وتطلّع لمثلها أفلاطون ، فكل من فيها كانوا فلاسفة يطبقون كل المعايير الأخلاقية التي على أساسها يتم إرساء أركان الدولة التي يحلمون أن تكون ، فلا إستبداد ولا ظلم و لا فساد ولا تفرقة بين أحد وآخر ، وهذا بالطبع أمر يتعارض مع أجندة الطغاة الذين يصرون على أن يظل مخططهم لا غيره هو المتحكم في أمر البلاد ولتحقيق هذه الغاية فهم لا يبالون بشيء ولترق كل الدماء … ومن لا يتورع عن إراقة دم أخيه الإنسان فقطعاً سوف يسهل عليه كل أمر آخر !!

 

فلا عجب أنهم ومنذ أن جاءوا كان القتل حِمْل رحالهم فأسترخصوا الأرواح في مواقف عدة بدءاً من إعدام مجدي محجوب والطيار جرجس القس بتهمة تهريب نذر يسير من العملة ليعود هؤلاء من بعد يهربون بل يسرقون أطناناً من الذهب والأموال ويتاجرون بالعملة جهاراً نهارا فلا يرجون حسابا ولا يخافون حسيبا .. ثم اعدموا بعد أقل من عام على ذلك ثمانية وعشرين ضابطاً من شرفاء الجيش في شهر رمضان ودفنوهم ومن بينهم أحياء في مقبرة جماعية لم يعلنوا عن مكانها .. ولا ننسى كذلك من غُرر بهم في حرب لم تكن تهمهم بقدر ما كانت تهم أصحاب الغرض ، فماتوا في الأحراش شهداء لأجل أن يحظوا ببنات الحور كما أغواهم شيطان النظام ليصبحوا من بعد ذلك (فطائساً) حينما حيل بين الشيطان وغايته .. وفي شهر أبريل من العام 1998م قتلوا أكثر من مائة يافع من مجندي الخدمة الالزامية أثناء محاولتهم الفرار من معسكر العيلفون لحضور عيد الأضحى مع أسرهم والذين لم تكتشف مقبرتهم الجماعية إلّا بعد مضي أكثر من 22 عاماً … كذلك الحال حين قيام مظاهرات بين العامين 2012م و2013م فقد قتلوا أكثر من مئتي ثائراً من الجنسين فلم تلن لهم يدٌ ولم يرقّ لهم قلب ولم يصحُ لهم ضمير فتمادوا في القتل حتى آخر لحظة بل وأستفتى رأس نظامهم من يبيح له قتل ثلثي الشعب ليبقى في السلطة التي أتت به من كوخ متهالك وسط حظيرة أبقار كما أتت بأمثاله ، لتأويهم قصور فارهة هم وأزواجهم مثنى وثلاث ورباع ولعلّ هذا كل ما عناهم مما أباحه دين الإسلام … وفي بيوت الأشباح عذبوا وقتلوا وأخفوا ما لا ولن يستطيع أحدٌ أن يحصر لهم عددا !!

فالقتل والتنكيل شرعة هذه الفئة الباغية التي تخفي هيئة الشيطان بدثار الدين وقد نجحت إلى حدّ بعيد في غسل أدمغة معظم أهل الوطن الذين ينساقون دوماً وراء العاطفة وينسون أو يتناسون مظالمهم فلا فرق في ذلك بين جاهل ومتعلم على الرغم من رؤيتهم الفساد مجسدّاً في تغييب العدالة والمحاسبة وفي سياسة الإقصاء وفي أملاك وممتلكات باتت في حوزة أناس لم يكن لهم من قبل حظ من الثروة ولا من الجاه فأصبحوا بين ليلة وضحاها هم المتحكمون في الأمور لينحصر همهم في أنفسهم فقط ولا شأن لهم بالمواطن الذي بات يستجدي قوت يومه بعد أن إستحوذ هؤلاء على كافة حقوقه ومكتسباته فلا يجودوا حتى بالفتات وهم القائلون بأنهم ليسوا لدنيا قد أتوا بينما تكذبهم أفعالهم وأقوالهم حتى بتنا نظن أن الدنيا التي نعيشها الآن هي الآخرة التي يتحدثون عنها والتي أكاد أجزم انّ لا مكانة لهم فيها!!

فلننظر إلى الأنظمة السابقة حين كانت صادراتنا لا تتعدى القطن والصمغ ومع قلّتها وفّرت لنا تعليماً راقياً ولم نكن في حاجة لشراء قلم الرصاص ولا حتى المسّاحة وغيرها من الأدوات ناهيك عن الكتب والكراسات والإعاشة في داخليات المدارس الريفية بمختلف مراحلها . كما كانت المشافي التي يشرف عليها كبار الأخصائيين توفر لنا العلاج و الدواء دون أن ندفع فلساً ولكن في عهد الفساد وحين أضحت صادراتنا بترولاً وذهبا ، ذهب العائد من كل ذلك إلى جيوب تلك الشرذمة التي لا تبتغي جاهاً ولا تسعى لدنيا بل ولم يكفها ما أُوتيت من خيرات ليصبح التعليم حُلُما لمن إستطاع إليه سبيلا بعد أن أُهملت المدارس الحكومية عن قصد لتحل محلها المدارس الخاصة التي لا يمتلكها سواهم ومن سار في دربهم . ومثل التعليم كان حال المشافي الحكومية التي باتت خالية حتى من المحاليل الطبية والشاش والقطن وعلى أنقاضها قامت مشافيهم ومستوصفاتهم التي لا تُعدّ ولا تُحصى وعلى أبوابها يموت من لا يملك ثمن العلاج والدواء !! ولم ينحصر الأمر على ذلك بل أبتدعوا لحفلات أعراسنا صالات هم مالكوها لإستنزاف ما بقي في جيب المواطن المغلوب على أمره بعد أن كانت أفراحنا تُقام في فسحات الأحياء دون تحمل أعباء لم نكن في حاجة لمثلها … هذا غير الجبايات والأتاوات والرسوم التي ندفعها حتى لدفن موتانا ودمغة لشهيد نحن بريئون من دمه وأخرى لجريح لم نتسبب في جرحه وغيرها من جبايات لا تحصى ولا تُعدّ ، هذا غير القروض التي إقترضوها لمشاريع لم ترَ النور فلم تسعها غير جيوبهم ليتحمل الشعب المسكين عبء تسديدها لصندوق النقد !!

 

وبعد كل هذا الكيد وتلك الجرائم الموثقة صورة وصوتاً وواقعاً ماثلاً ، وبعد ما حدث في ساحة الإعتصام التي حدثت ليلة عيد ، وكأن الأعياد باتت مواسم القتل لديهم ، وما أعقبه من تنكيل خلال إنقلاب البرهان الأخير ، فها هي مزامير الشيطان تنعق ثانية ، وما برح رذاذ مخدّره يتناثر تمهيداً لعودته فيطلّ وجهه الأقبح وليس القبيح ، ذلك الوجه الذي يبدو فيه وجه الشيطان تارة وفي أخرى وجه نيرون الذي أحرق روما ووجه هتلر الذي حول ألمانيا من دولة ذات سيادة إلى دولة منقسمة يديرها الحلفاء ووجه (مريمية بت الحرام) التي أثارت الفتن والبغضاء بين من أحسنوا إليها وآووها كما يُروى في الأدب الشعبي فيأتي الآن بمسمىً آخر أسماه مستقبلاً ليؤكد أن الحيّة الرقطاء ما زالت في مكمنها فينبري ذلك الصوت البغيض ، صوت العنصرية والجهوية التي فصلت الجنوب عن الشمال لتفصل غرب البلاد أيضاً لا لشيء سوى تطبيق أجندته وإستمراره في إحتكار السلطة والتي من خلالها يتسنى له دوام الجاه والسلطان ونهب الدولة او حتى عرضها في سوق المشترين فمفهوم الوطن لهؤلاء ليس كما لدينا إذا ما نظرنا إلى ما فعلوه بمشروع الجزيرة والسكة حديد وخط السودان في مطار هيثرو وسفن سودان لاين وطائرات سودان ايرويز ومستشفى الخرطوم ومستشفى العيون ومحاولاتهم للتخلص من أعلى وأعرق صرح تعليمي ألا وهي جامعة الخرطوم ، وأراضٍ لا تُحصى بيعت لأجانب وأخرى تم التعدّى عليها من دول الجوار ولم تجد من يزود عنها وهم من كان قابضاً على السلطة !!

 

لقد ظلوا يمارسون سياسات ممنهجة لتدمير مؤسسات الدولة و زلزلة أركانها لاسيما أهم مؤسساتها وهي المسؤولة عن حماية الوطن والمواطن وأمنه فجعلوها لا أكثر من مؤسسة إقتصادية محتكرة من قبلهم لضمان بقاء مصالحهم وحمايتهم دون سواهم وهذا فعل لا يقوم به إلّا العملاء ومن ينفذون أجندة لغير مصلحة الوطن فينبغي علينا ان نفطن لمسألة إزدواج الجنسية او جوازات السفر لكثيرين منهم وأن نفطن أيضاً إلى أن الثراء وحب المال أيّاً كان مصدره هو القاسم المشترك بينهم و لنأخذ العبرة مما أزاحت عنه الستار لجنة إزالة التمكين من فساد لم يسلم منه حتى رأس نظامهم وعقيلته وأقرباءه والذي كان الدافع الأول لإنقلاب البرهان لئلّا يُكشف المستور الذي قال عنه قائلٌ منهم : “خلّوها مستورة ّ” !!

فلكم الآن أن تراجعوا قائمة أفعالهم وما أنجزوه منذ مجيئهم وحتى الآن ، ولكم أن تحكموا هل هؤلاء أرادوا بنا وبالوطن خيراً أم أن العمالة وحدها هي ما ومن يوجههم صوب شيء هو في نفس يعقوب ربما قبض ثمنه مُقدّماً !!

ختامه فإن غريزة العقرب لن تتخلّى عنها ولو حاولت العقرب التخلّي عنها ، كما أن تدجين العقرب أمرٌ في حكم المستحيل و بالتالي فإنه يجب علينا أن نكون هذه المرّة النار التي يطفئها الماء لا الماء الذي يطفىء النار إذ بات ماؤنا غورا !!

 

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..