مقالات وآراء

حكّموا ضمائركم وعواطفكم !!! (٢ – ٢)

دُنْيَا دَبنْقَا

د. نور الدين بريمة

 

وصلاً لما ذهبنا إليه في المقال السابق، نقول : إن بعضنا لم يستفد ممّا جرى له، بل ظلّ يسوّق لذات القيم الفاسدة التي أجبرتنا على الهروب، وكانت سببًا في حروبنا وأزماتنا الدائرة الآن، إبتدعوها وأشعلوا أوارها منذ خروج المحتل الإنجليزي من البلاد، فالأمثال والحِكم الشعبيّة، ينبغي ألا تقزّمنا وتقسّمنا، بل توجّهنا وتؤطرنا، وتحدّد لنا إحتمالات الفعل والقول، بناءًا على حاصل تجربتنا، أو بنية رؤيتنا التي أوجدتنا في زمن فائت، خصوصًا إذا ما أكسبتنا تكراريّة وذيوع وإنتشار.

للشعوب أمثال موجبة وسالبة، إن لم نفهمها في صياغها الصحيح ستؤدي إلى صيرورة إمّعائيّة تابعيّة، حيث يقول أهل دارفور (أهْلكْ كانْ بِنْبَحُوا كلّّوا أنْبَحْ معَاهُم)، عذرًا إلا إذا كان هذا النبيح على غرار الصياح والصدح في سبيل الحق، وبالتالي إن لم يكن هذا المثل في هذا السياق- بحسب إعتقادي- وتعاملنا مع شقه السالب، فيشير إلى تحريض الآخرين، وإتباع من يخالفون طريق الحق والعدل، أي أن يصيروا إمّعًا- إن أحسن الناس أحسنوا وإن أساؤوا أساؤوا- ممّا إنطبق على بعضنا في اللجوء، حيث جئنا بتنوعاتنا وإختلافاتنا وتبايناتنا، وهذا أمر طبيعي بالطبع، ومن حق أي منّا إتباع من يعتقد أنه صحيحًا، لكن ليس من حقنا حرمان الآخرين من إتباع ما يرونه مناسبًا، أو إلزامهم لإتبّاعنا عُنوة واقتدارًا، كذلك ليس من العدل والإنصاف، تربية أطفالنا وإجبارهم على أخذ خياراتنا، والتسلّك بسلوكنا، الذي يحد من إنسانيّة وكرامة الآخرين- وإن إختلفنا معهم- وألا نجبرهم على إتباعها، وهم ليسوا بدراية ووعي بها، لطالما أنهم ما زالوا صغارًا يافعين لا يدركون مخاطرها ونتائجها الكارثيّة.

فالأمثال والحِكم الشعبيّة تُعد كنزًا وتراثًا مفيدًا، وثراءًا أدبيًا وثقافيًا نفيسًا، لأنها تعبّر عن تجارب إنسانيّة طويلة في الحياة، تعكس أساليب العيش والمعتقدات، والمعايير الأخلاقيّة في المجتمع، وكيفيّة التعامل مع مختلف الظروف التي عرفها الناس، ثمّ عايشوها على إمتداد قرون متعاقبة؛ وقد يتناقل الناس هذه التجارب جيلاً بعد جيل، وظلوا يعبّرون عنها في مجالس أنسهم جدًّا كان أو (هظارًا).

لذلك من واجبنا تعزيز قيم النبل وسط مجتمعاتنا خاصة الأطفال، ونتركهم ليكبروا ويشبّوا على حب الخير والجمال، بدلاً من تعكير صفوهم بقيم لا فائدة منها، أي أن نتركهم لكي يختاروا خياراتهم، دون تعنيف أو تأثيرات سالبة، بل لابد من تجنيبهم الخوض في معارك ليسوا طرفًا فيها، ولا أهلاً لها، ولا ناقة لهم فيها ولا جمل- أو كما يقول بعضنا- وهي معارك في غير معترك، لا نصير لهم فيها- أي معارك خاسرة- لا يجدون منها إلا مزيدًا من الأنانيّة والكراهيّة والتباغض، والتنابذ فيما بينهم، يكيلون فيها السباب والشتائم، ويتهمون بعضهم زورًا وبهتانًا، مثل قولهم لبعضهم (فلقنايات، جنجويد، أبلدات … الخ)، أو ترديدهم لشعارات (مورال فوق، دولة ٥٦، … الخ) أو غيرها من الشعارات المفسدة لمجتمع الأطفال، لأنها تحرّضهم على عدم الإحترام والتقدير، وتجعلهم يتنمّرون ضد بعضهم، وهذا ما تخشاه ذوي الضمائر والقلوب الرحيمة.

من مسؤولياتنا وواجباتنا تجاههم، كآباء وأمهات ومربّين، وغيرنا من أفراد الأسر والمجتمع، أن نعمل جميعًا على تعزيز قيم المحبة والتسامح، لا أن نعبّأهم ضد هذا أو ذاك، ومن المؤسف أن بعضنا يعبئ صغاره لمساندة الجيش ومناصريه ضد غيرهم، بينما الآخرين يعبّؤونهم للوقوف مع الدعم السريع ومناصريه ضد غيرهم، وآخرين من دونهم يعبّؤونهم على مناصرة قوات المشتركة ضد غيرهم- وهي قوات تتبع لبعض الحركات المسلحة-؛ وجميعهم وصفوها بأنها حرب عبثيّة، ويدركون بأننا عندما هربنا (فرّينا بجلدنا) من أتون الحروب، جئنا لحماية أنفسنا وأطفالنا من مآلاتها، لأننا كمدنيّين نريد العيش في سلام ووئام، وننبذ الحرب ولا ندعم دعاتها، لذا دعوا فلذات أكبادنا ينعمون بحب الإنسانيّة، ولا تفسدوا حياتهم بتلك القيم والشعارات، دعوهم كذلك- عزيزاتي أعزائي- يعيشون بعيدًا عن الإضطرابات النفسيّة والجسديّة، ونحافظ على مستقبلهم، لا نهدمه بتلك العبارات.

علمًا بأنها إحدى وظائف الأمثال والحكم الشعبيّة التي ندركها ونعيها لأنها كثيرة، إلا أن أبرز وظائفها تتمثل في: تعليمه، تربيته، رفده بالأخلاق، تثقيف وجعله إجتماعيًا، بالتالي فإن أهميتها تكمن في أنها وسيلة تربويّة، لما فيها ما فيها من تذكير ووعظ ورفع للهمم، نحو البناء والتنمية، كذلك تقوم على الحث والزجر، لما فيها من معاني تصويريّة- أي أنها- تقوم بتصوير الأشخاص والأعيان والإستعانة بالحواس.

تتطلب التأنّي خلال تعاطينا مع قضايانا ومشكلاتنا المختلف حولها، وعدم التسرّع في إتخاذ المواقف والقرارات، لأن في التأني السلامة وفي العجلة الندامة- كما تقول الحكمة- وما نفعله بسرعة لا نفعله بإتقان، والرفق والأناة ما هي إلا مدعاة للسعادة، فدعوتي للجميع، أن نوغر صدورنا بالحكمة والصبر والتروّي، في قضايا الحرب والسلام، وعدم الإنجرار إلى ما لا يُحمد عقباه، فبتلك المفاهيم، سيحالفنا التوفيق والنجاح، بيد أنه لابد من البعد عن التربية السالبة، وعدم التعجّل في الأمور قبل أوانها، أو التثبط فيها عند إمكانها، ولا ننبح كما قال المثل مع الآخرين، إن كان نبيحهم في غير موضعه، لأن الدنيا دبنقا لازم ندردقها بشيش.

 

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..