مقالات وآراء

ود المنسي … منارة المجد ومقبرة الكيزان

حسن عبد الرضي الشيخ

 

في عمق الجزيرة الوادعة، حيث تتنفس الأرض عبق التاريخ والإيمان، ثمة بقعة باركها الله وبارك أهلها، تُدعى ود المنسي. لم تكن يومًا مجرد قرية عادية، بل سفرٌ ناصع من النبل والشهامة، وتاريخٌ مشرق من المجد والإباء، خطّه رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وتوارثته الأجيال حتى غدت ود المنسي منارة تهتدي بها النفوس، وتستمد منها القرى المجاورة أسباب الصمود والكرامة.

 

وفي شعور فياض بالفخر والاعتزاز، نظّم شباب وشيوخ ود المنسي احتفالًا مهيبًا لتكريم ابنهم البار، العقيد ركن أحمد محمد علي، الشهير بأحمد المنسي، الذي شاءت إرادة الله أن يُكتب له شرف الدفاع عن منطقة غرب الجزيرة بمحليتي المناقل والقرشي. تلك المنطقة التي أكرم الله شعبها الطيب، فحماها برجاله من شر عبث المليشيات وشرورها القادمة من كل حدب وصوب، وذلك بفضل الله، ثم ببركات رجالها الصالحين، وحنكة أبنائها الميامين.

 

ويحق لود المنسي أن ترفع رأسها عاليًا، مفتخرة بأحد أبنائها النجباء: العقيد ركن أحمد المنسي، ذاك الاسم الذي إذا ذُكر حضر الشرف، واستُحضرت البطولة والانحياز الخالص إلى الحق. لقد كان سيفًا من سيوف الثورة السودانية المجيدة في سبتمبر، صلب العزم، نقي اليد، أبيّ النفس، رفض أن يُدنس بزيف الطغاة أو يُشترى بسحت السلطان، فحاز شرفي الثورة والوطن معًا، وهذا وحده يكفيه مجدًا، ويكفي ود المنسي شرفًا أنها أنجبته.

 

وكيف لنا أن ننسى عبد الرحيم عمر، الضابط الشجاع الخلوق، الثابت كالجبال الرواسي، الذي صمد مع رفاقه الأبطال في القيادة العامة لما يقارب العامين، في زمن كانت بنادق المرتزقة تطوّق الحلم السوداني، وكان هو ورفاقه الجدار الأخير للكرامة الوطنية والدولة المدنية.

 

ود المنسي لا تفتخر بأبنائها الأحياء فحسب، بل تفتخر بتاريخها المجيد الممتد منذ أن وضع لبنتها الأولى العارف بالله الفكي يوسف المنسي، ذاك الورع الذي قصدته الوفود من مشارق السودان ومغاربه: من أهله العركيين، والحلاويين، والبطاحين، والجوامعة، والجعليين، والشايقية، والمحس، وأهل دارفور، والشلك، والزغاوة، والبرقو، واللتاما، وحتى العفريت نفسه الذي أدبه ابنه عز الدين! إنها ود المنسي التي لم تكن يومًا موطنًا للضعف أو التبعية، بل كانت وستبقى قبلة للعلم، منارة للورع، مأوى للكرم، وميدانًا للوعي المتقد.

 

أبشّركم أن أبناءها اليوم، كما الأمس، سيؤدبون الكيزان كما أدب أجدادهم الشيطان.

 

من الشيخ علي ود نفيع (الصماد) وأبنائه الصالحين، والشيخ عبد الرحيم ود نفيع، إلى رجال بسالة كالأسود، أمثال الحاج الناير محمد زين، وفكي أحمد ود يوسف ود الفكي، وعبد الرحمن ود عبد الرحيم، الرجل البار بأهله، والجلال ود أحمد، أطال الله في عمره، الذي ما سمع بعمل يصلح من حال بلدته إلا وكان من أوائل المبادرين إليه. هؤلاء رجال من نور، ونساء من ذهب، كحاجة آمنة بنت علي ود يوسف، تلك المرأة الأنصارية الشجاعة التي أنجبت وربّت خيرة الرجال، وعائشة بت جاد الله، متعها الله بالصحة والعافية، أيقونة العطاء والإيثار. كلهم رسموا لوحة الشرف التي لا تزول ألوانها، ولا تنطفئ أنوارها.

 

ود المنسي، التي أكرمها الله برجالها ونسائها وأرضها الطيبة، لن تكون يومًا ملاذًا للمليشيات النتنة، ولا مأوى لعصابات الإسلام السياسي التي تحاول التسلسل خفية إلى جسد الوطن. ود المنسي كانت، وستبقى، حصنًا منيعًا، لا يفتح بابه إلا للأطهار، ولا يفرش ترابه إلا لخطى الشرفاء.

 

فلا يغرنّكم، أيها الانتهازيون، من أبنائنا وإخواننا، طيبةُ أهل ود المنسي، ولا تظنوا أنكم ستعيدون جماعة الهوس الديني من باب بلدكم الوادعة. لن تجد الحركة الإسلامية موطئ قدم لها بيننا. وبيننا وبينها سيوف مشايخنا العارفين بالله، وأهل التصوف الحق الذين يطبقون الدين سلوكًا لا قولًا.

 

لا تعشموا في تدنيس هذه الأرض الطاهرة التي لفظتكم كما تلفظ النواة. فلتبحثوا لكم عن مأوى آخر. وقد علمتم أن أبانا الشيخ عبد الرحيم، سليل دوحة العركيين، كان شديد السخط على من مال من أبنائه نحو دروب الإخوان المسلمين، كما هو ديدن كل سادات العركيين.

 

أيها الواهمون، يا من توهمتم أن ود المنسي ستكون لقمة سائغة في أفواهكم الجائعة للسلطة والدماء: لا تغرنّكم أيامٌ مضت كنتم فيها تدجّنون بعض السذج. تذكرون صراخ أحدهم في مسيراتكم زمن الهوس قائلا: “ود المنسي تهدد أمريكا وتنذرها للمرة الأخيرة”، يوم كان ذلك مثارًا للسخرية والاستهزاء!

 

إن كنتم تظنون أن الزمان يعيد نفسه، فأنتم واهمون. فشباب ود المنسي اليوم أشد وعيًا من أن يُخدعوا بشعاراتكم، وأقوى من أن يخافوا بطشكم، وأوعى من أن يُخدروا بخطبكم. سيحاسبونكم على كل جريمة ارتكبتموها، على كل دمعة أم، وعلى كل قطرة دم، وعلى كل معلم جاع.

 

ود المنسي، التي خلّدها ود ضيف الله في طبقات ود ضيف الله، تكتب اليوم فصلًا جديدًا من المجد، بأقلام شبابها الواعي وأرواح رجالها الأحرار. وستبقى شوكة في حلق كل فاسد، ومنارةً للضياء في ليل الوطن الطويل.

 

فلتحيا ود المنسي … خضراء بالإيمان، متجذرة في العزة، ومحرّمة على الكيزان.

 

[email protected]

‫2 تعليقات

  1. ياسلام عليكم ، ياناس ود المنسي ، يا سلام ياسلام . لن ننساكم أبدآ ولن تنساكم أمريكا على وجه الخصوص ومازال الأمريكيون ينظرون إليكم بعين الحذر والخوف الشديد منكم. مازلت أذكر موقفكم الشجاع عندما ضرب الأمريكيون بصواريخ التوماهوك مصانع الشفاء للأدوية في الخرطوم ، فبينما خرج عبدالرحيم وزير الدفاع يومها ينظر إلى السماء ويفعّل منظومة الدفاع بالنظر ، خرجتم أنتم في مظاهرات هادرة ضد أمريكا وكتبتم على لافتة ضخمة في الطريق العام المؤدي إلى قريتكم تحذيرآ أرعب الأمريكيون الذين شاهدوا تحذريكم المرعب من الفضاء بالأقمار الصناعية ، وكان تحذيركم المرعب لأمريكا يقول”قرية ود المنسي تحذر أمريكا للمرة الأخيرة” وعندما وصل الخطاط الذي خط رسالة التحذير لأمريكا إلى كلمة “الأخيرة” خلصت البوهية عند التاء المربوطة ، فأتممتم كتابة حرف التاء المربوطة بالفحم. ومن يومها فكل القوى العظمى تعمل لكم ألف حساب أيها الشجعان.

  2. لماذا يا هذا اقحمت (الدعم السريع) فى قصتك ؟ يبدو إقحام الدعم السريع فى اى مقاله صارت (لازمه او موضه لابد منها ) بالنسبه لى عندما إقراء لاى كاتب واجده قد (خلط) الكيزان والدعم السريع يتأكد لى تماما أن الكاتب إما شيوعى إما بعثى إما (كوز) ولم ابالغ إن قلت (كوزا ) فالكوز لا يقصر فى حق نفسه طالما تصرفه سيضر غيره

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..