نحن لا نرى ولا نفعل إلا ما له وجودٌ فينا كل الخارج الذي نعتقد أنه آخر ومهدد لوجودنا إنما هو في الحقيقة نحن “المهترئة”!

صديق النعمة الطيب
صراع الهُويات بين الإسلاميين واليساريين، وبين الهامش والمركز، وبين النُخب السياسية التي تتوسد ردهات الفنادق وتتسول رحمتات الدول والقنوات الفضائية، وبين الشعب الجائع الذي يتسول سُبل الحياة نزوحاً على الأرجل والسنابك وسوق نخاسة التأشيرات والجوازات .. هو صراع موجود داخل كل قبيلة وداخل كل أُسرة وداخل كل فرد منا …!
الدماء التي تسيل الآن والقتل والتشريد والاغتصابات .. هي مجرد طفح لذلك الصراع الحاد المتمكن في تكويننا النفسي والاجتماعي والثقافي وقبل ذلك التكوين الديني المعطوب الذي يوفر ثقة في نفس القاتل واندفاع بشبق للموت في نفس المقتول، كما لو أننا وُلدنا لنموت لا لنحيا!
الخارج لا يُشعل حروب الداخل، وإنما يُخرجها من نفوس الناس إلى واقع حياتهم، ليستفيد من غبائهم ولينهب ثرواتهم، فالعلاقات الخارجية والدبلوماسية إنما هي حروب أشد ضراوة، ولكنها تمارس القتل باحترافية عالية، تماماً مثل عملاء المخابرات ذوي قسمات الوجه الجذَّابة والسحنات الأخَّاذة في أفلام هوليود، يفعلون كل شيء بفن واتقان، يُحسنون القِتْلة، يُبيدون شعوب من على وجه الأرض، وجاذبية إبتسامة هوليود تعلو وجوههم، وهم يخلعون القُفازات، وينفثون دخان السجار ويحتسون نُخب نجاح المهمة، ونحن في حالة تماهي تام مع المجرم الوسيم..!
الهُويَّة الوطنية لا علاقة لها بالدين ولا بالقبيلة ولا بالهامش أو المركز، على أهمية تلك الهُويات في سياقاتها المختلفة، يجب فصل هذه الهُويات الفرعية عن الهوُويَّة الوطنية قبل فصل السُلطات التي تتطلبها أي عملية ديمقراطية … وهذا لا يتم إلا من خلال وعي “علماني” رشيد يسمو فوق الهُويات المتصارعة دون أن يُهينها أو يبخسها أهميتها، هذا الوعي دونه “خرطُ القتاد” لأنه ليس مذهب ولا دين ولا برنامج سياسي يتبناه حزب، وإنما هو منهج حياة وتفكير وثقافة مجتمع!
هذه مهمتك أنت، ولن يقوم بها غيرك …!