الانقلابات العسكرية في السودان : حلقة مُفرغة من الثورة إلى الفوضى

زهير عثمان حمد
تُعد السودان واحدة من أكثر الدول تأثرًا بحلقة الانقلابات العسكرية المتكررة، حيث شهدت منذ استقلالها في 1956م نحو 15 انقلابًا ناجحًا أو محاولة انقلابية، آخرها انقلاب أكتوبر 2021م الذي قضى على الشراكة الهشة بين المدنيين والعسكر بعد ثورة 2019م. اليوم، وبعد اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في أبريل 2023م، تدخل البلاد في مرحلة جديدة من الفوضى، تُعيد إنتاج نفس العوامل التي جعلت من السودان نموذجًا لإخفاق التحول الديمقراطي في إفريقيا.
السودان وحزام الانقلابات : تاريخ من العسكرة
إذا كانت بعض مناطق القارة الإفريقية تُشكل ما يُعرف بـ”حزام الانقلابات”، فإن السودان يمكن اعتباره القلب النابض لهذا الحزام، حيث أصبحت الانقلابات جزءًا من بنية النظام السياسي:
1958م : أول انقلاب بقيادة الفريق إبراهيم عبود
1969م : انقلاب جعفر النميري
1989م : انقلاب عمر البشير بدعم سياسي وعقائدي من تيارات دينية
2019م : ثورة شعبية تُطيح بالبشير، لكن الجيش يحتفظ بالسلطة عبر مجلس عسكري
2021م : انقلاب بقيادة عناصر عسكرية على الشراكة المدنية
2023م : تفجّر الحرب بين الجيش والدعم السريع
هذا التسلسل يُظهر أن السودان لم يعرف حكمًا مدنيًّا مستقرًّا، حيث ظل الجيش يُقدّم نفسه كوصي على الدولة، فيما برزت المليشيات كلاعبين ينافسون الدولة ذاتها على السلطة والثروة.
عوامل السخط : لماذا تنجح الانقلابات في السودان؟
اقتصاد مُنهار
التضخم تجاوز 400%، والديون الخارجية بلغت نحو 60 مليار دولار، وفقد السودان 75% من عائداته النفطية بعد الانفصال. أكثر من 80% من السكان يعيشون تحت خط الفقر، مما يسمح للعسكر بتسويق أنفسهم كمنقذين.
انقسامات هيكلية
الأنظمة المتعاقبة عمّقت الفجوات العرقية والدينية، وراهنت على المليشيات لضبط الأمن، ثم فقدت السيطرة عليها، كما هو الحال مع الدعم السريع.
فشل التحول الديمقراطي
رغم الثورة الشعبية، لم تنجح القوى المدنية في تفكيك مؤسسات النظام القديم أو تقليص نفوذ المليشيات، ما مكّن العسكر من العودة للواجهة.
التدخلات الخارجية
تتنافس قوى إقليمية ودولية على النفوذ في السودان من خلال دعم الأطراف المسلحة : بعضها يُمول الدعم السريع مقابل مصالح اقتصادية مثل الذهب، وبعضها الآخر يُساند الجيش لضمان مصالح استراتيجية مثل الأمن المائي أو التوازن الإقليمي، فيما تُوظف قوى كبرى الصراع في السودان ضمن حسابات مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية.
لماذا يُدعم الانقلابيون؟ بين الواقع والوهم
رغم أن الانقلابات في السودان لم تحظَ بحاضنة شعبية واضحة، إلا أن عدة عوامل تساهم في شرعنتها:
الخطاب الأمني : تصوير الجيش كدرع الوطن في مواجهة مليشيا منفلتة
غياب البديل المدني : هشاشة الأحزاب التقليدية وانقسام القوى الثورية
الدعاية : تصوير الثورة على أنها فوضى، والعسكر كحماة للاستقرار
لكن الواقع يكشف أن الانقلابات تُعمّق الأزمة :
بعد انقلاب 2021م تفاقمت الاحتجاجات، وانهارت العملة
حرب 2023م هجّرت الملايين ودمرت الخرطوم
التدخلات الإقليمية والدولية: من يُغذي الصراع؟
الصراع السوداني أصبح مجالًا مفتوحًا لصراع القوى الدولية والإقليمية:
بعض القوى الإقليمية تدعم المليشيات مقابل النفاذ إلى ثروات البلاد
قوى أخرى تدعم الجيش كامتداد لتحالفات استراتيجية
قوى كبرى تُدين الانقلابات لفظيًّا، لكنها تتعامل مع العسكر كشركاء ضروريين
هكذا أصبح السودان ساحة لحرب بالوكالة، حيث يُستثمر العنف المحلي كوسيلة لفرض النفوذ وتحصيل المكاسب.
تحديات ما بعد الانقلاب : السودان نموذج للفشل
الانهيار المؤسسي
تحولت الجامعات إلى مواقع عسكرية، انهارت البنية التحتية، وهربت الكفاءات الطبية والتعليمية.
تداعيات إنسانية كارثية
أكبر أزمة نزوح في العالم، مع خطر مجاعة يهدد ربع سكان السودان.
انفلات أمني إقليمي
مع غياب سيطرة الدولة، تنشط الجماعات المسلحة على الحدود، مما يهدد أمن دول الجوار.
فقدان الشرعية الدولية
رغم الإدانات، لم تُفرض عقوبات فعالة على قادة الانقلاب أو الأطراف المتحاربة.
هل من مخرج؟ دروس من القارة
فشل العسكر والمليشيات في إدارة الدولة : لم يحقق أي طرف نصرًا، بل دمّرا البلاد
الحاجة إلى حراك مدني جديد: كما في 2019م، على قوى الثورة إعادة بناء صفوفها .
وساطة محايدة : لا يمكن بناء سلام بوساطات منحازة؛ هناك حاجة لأدوار مستقلة وغير مرتبطة بأجندات القوى المتدخلة .
السودان بين جحيمي العسكر والمليشيات
بين جيش تقليدي يفتقر إلى مشروع مدني ومليشيا تسعى لانتزاع شرعية السلاح، يعيش السودان لحظة قاتمة. لم تعد الانقلابات مجرّد انحراف سياسي، بل تحوّلت إلى ديناميكية مدمّرة تُهدد بقاء الدولة نفسها. السودان اليوم ليس فقط دولة فاشلة، بل مختبر مفتوح لانهيار المعنى والشرعية، حيث تُسحق أحلام المدنيين بين أطماع السلاح ومصالح الخارج.
تعال يا ابو جضوم منفوخة نديك فكرة احسن من الكتابة عن الكيزان،،، تمشي تظبط ليك مرارة بالقدوقدو والعتي والشطة القبانيت وبدرة الاقشي الحمرة وشوية مربه فراولة ونص رطل توم وتاكل من الصباح لغاية العصر ما تشبع وفي النهاية تتصل علي اصحابك يجوا يشيلوك بونش يودوك البيت هههه مش فكرة حلوة؟
استاذ زهير
يراودني سؤال فيما تكتب هل هي افكار إجاباتها من خلال النقاش ام هي كشف بعين محايدة للحقائق ام انحياز بموقف ثابت ؟
ومع ذلك تجدني اتسلل داخل كل تلك الاجابات واسئلتها وأسألك لماذا يهرب معظم المثقفون ومنتسبو الايدلوجيات عن البحث للإجابة لماذا تحدث الانقلابات وتنجح بعمر طويل عكس الديمقراطية الائلة للسقوط قبل أن تتعدى عمر الفطام
التجربة السودانية في انتفاضاتها الثورية تستند إلى التحرك النقابي المتدثر بثوب المطلبية الذي يعتمد عليه في تحريك الشارع حينما ينجح يعتبر هو القوة المضادة للجيش قوة لا تملك إلا السند الشعبي بينما القوة الاكبر هي عند الجيش ثم الطامة الكبرى في الأحزاب التي تستغل هذا التحرك وتركب الموجة وتطيح بالثورة أو الانتفاضة كما حدث في أبريل وسبتمبر وحتى في أكتوبر
الأحزاب هي اس الداء خاصة التقليدية والانتهازيين في الأحزاب اليسارية الذين لا. يهمهم الا مصالحهم والمناصب اي السلطة لو تتذكر الحوار بين الحرية والتغيير والعسكر حول تقسيم السلطة كم اخذ من الوقت والزمن اياما وتمخض فأرا وما اعقبه من نقاشات لازاحة العسكر من الواجهة مع العلم أن التربية العسكرية ترفض تماما أن يكون مدنيا فوقها هو المسيطر وحدث ما حدث
الانقلابات العسكرية الثلاث مع الفاشلات منذ عهد شنان وغيره من كان وراءها ؟ هم قادة الأحزاب فعبود كان عندما كانت السلطة بيد حزب الأمة وعهد نميري وفي عهد الصادق جاءت الإنقاذ فهل سجن أو اعدم أو نفي اي من قيادات هذه الأحزاب ؟ أما الذين عذبوا وفقدوا ارواحهم جلهم من النقابات العمالية والفئوية
العلاج يكمن في إبعاد الأحزاب السياسية يمينها ويسارها وقيام مؤتمر دستوري جامع نباعد بينه وبين الانتماءات الضيقة فالابعاد بسببها هو الذي جر البلاد إلى ما هو حاصل الان فالسودان يحتاج الان لكل عقوله وكفاءاته
الأستاذ العزيز عادل الشوية،
تحياتي وشكري العميق لمداخلتك الذكية والغنية بالتأملات والأسئلة العميقة التي لا تطرق باب الكاتب وحده، بل تقرع جدران الوعي الجمعي في السودان.
سؤالك الجوهري: “هل ما يُكتب هو إجابات جاهزة، أم كشف محايد، أم انحياز؟”، يستحق الوقوف عنده. في تقديري، الكتابة الجادة ليست منشورًا محايدًا يقف على الرصيف، وليست أيضًا بيانًا حزبيًا يلوّح براية انحياز أعمى، بل هي، في أحسن حالاتها، محاولة لقراءة الواقع بعد أن نُزيل عنه غبار الشعارات، وتناقضات السرديات. نعم، أكتب من موقع موقف أخلاقي ضد عسكرة الحياة السياسية، وضد تحويل البلاد إلى غنيمة تتقاسمها البنادق والمصالح الخارجية. لكن ذلك لا يعني التغافل عن عجز المدنيين ولا عن خفة بعض المثقفين أو انتهازية بعض الأحزاب، كما تفضلت أنت بالإشارة إليه بوضوح.
ما ذكرته في مداخلتك عن دور القوى النقابية كرافعة للانتفاضات، ثم تفريغها من معناها على يد الأحزاب التقليدية والانتهازيين من اليسار، هو تشخيص دقيق. بل يمكن القول إن الجيش لم يكن بحاجة لانقلاب مستقل في كثير من الأحيان، فقد جاءته الفرصة على طبق من خيبة النخب، أو عبر تفاهمات قذرة مع بعض الساسة كما حدث مع عبود، ونميري، والبشير. لم يكن انقلاب 1989 إلا زواجًا معلنًا بين الفكرة الدينية والبدلة العسكرية، كما لم يكن انقلاب 2021 إلا ابنًا غير شرعي لشراكة مدنية لم تحترم شروط توازن القوى ولا نبض الشارع.
طرحك بأن الأحزاب هي “أسّ الداء” قد يبدو جذابًا في ظل الخذلان المتكرر، لكن أعتقد أن العلاج ليس بإقصائها بل بإصلاحها، وتجديد دمائها، وتأسيس عقد اجتماعي جديد يُبعدها عن دور السمسار السياسي. وإلا فإننا نكرر خطأ الانقلابي الذي يبرر جرائمه بفشل الساسة.
أما دعوتك إلى مؤتمر دستوري جامع، فأراها نداءً في محله. لا خلاص في أي بلد من أسر الصراع على السلطة دون قاعدة دستورية واسعة تمثل كافة التيارات والجهات المهمشة، وتُخرج البلاد من ثنائية العسكر/المدنيين إلى فضاء المواطنة الحقة.
أشاركك القلق، وأقدّر حُرقة السؤال. ولن أزعم امتلاك الإجابة الكاملة. لكننا نحتاج إلى إعادة تعريف معنى “الانحياز” في زمن ضبابي: أن ننحاز للحقيقة ولو جرّحت الجميع، أن نُدين العسكر لا حبًا في المدنيين، وأن نُعرّي الأحزاب لا حبًا في السلطة العسكرية.
مع خالص التقدير والاحترام،
زهير عثمان حمد
استاذي اعترف لك أننا نتفق ولكن كعادة المتحاورين في بلادنا يقول أحدهم اتفق مع فلان ولكن
هل يلغي الانحياز سكة الوصول إلى الحقيقة ام هو الوصول إليها عبر سكة الانتماء ؟
عندما تنحاز نجد أن الوصول سيكون بعين واحدة مثل العربة التي تسير ليلا بفانوس واحد والآخر معطوب وان كان الانحياز في حد ذاته هو موقف نابع من مساحة الانتماء الدائرية
كنت اود إثارة قضية مهمة تشغلني تتعلق باغتيال المبدعين بجريرة الانتماء الذي هو نابع ليس من انتماء وانما هو موهبة أو هبة ربانية فكثير من مبدعينا جنى عليهم فانتهوا أو هربوا إلى ضياع سؤالي كيف نحارب المبدعين بجريرة الانتماء وهو ليس بجريرة بل هو قناعة أن أكون شيوعيا أو بعثيا أو حركة إسلامية وكلهم لا يؤطرون ابداع فالابداع وليد بيئته وانسانه هو الحياة في جمعها الاجتماعي والإنساني بكل طوائفها وحراكها وسكونها اسال فهل من مجيب؟
سمي الأشياء بمسمياتها الصحيحة فما حدث هي انقلابات ( حزبية/ عسكرية ) و ليست انقلابات عسكرية فقط أي الأحزاب السياسية هي من قامت بالانقلابات و منهم من نجح
( الشيوعيين و الكيزان ) و منهم من فشل ( حزب البعث ) و عبود ( رحمه الله ) لم يأتي للحكم عبر إنقلاب عسكري كما ذكرت انت و إنما حزب الامة ممثلاً في عبدالله خليل ( رحمه الله ) قام بتسليم السلطة للفريق عبود… بدلاً عن البكاء ابعدوا الأحزاب السياسية عن المؤسسة العسكرية