لماذا يُصر طرفا الحرب في السودان على ارتكاب الجرائم؟ من الإفلات من العقاب إلى اغتيال روح الثورة

نبيل منصور
منذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في أبريل 2023م، تتواصل الجرائم ضد المدنيين بشكل ممنهج وواضح. لم تكن هذه الجرائم مجرد تجاوزات فردية أو أخطاء حرب عشوائية، بل اتخذت طابعاً منظماً في القتل والاغتصاب والنهب والتجويع والتهجير، بل وحتى الاستيلاء على مؤسسات الدولة ومواردها. السؤال الذي يُطرح هنا : لماذا يُصر الطرفان على مواصلة هذه الانتهاكات؟ وما الذي يدفعهما لارتكابها دون خشية من حساب أو محاسبة؟ وهل هناك سوابق في التاريخ تُشجع مجرمي الحرب على المضي قدماً بهذه الجرائم؟ .
للإجابة، علينا أولاً أن ننظر إلى الحرب السودانية بوصفها أكثر من مجرد صراع مسلح بين جيش نظامي ومليشيا متمردة، بل هي صراع على النفوذ والموارد والسيطرة، يُستخدم فيه العنف كوسيلة سياسية لا كوسيلة عسكرية فقط.
أولاً : الجرائم كسلاح استراتيجي
في منطق الحروب الحديثة، لم تعد الجرائم مجرد تجاوزات، بل تُستخدم كسلاح. القتل الجماعي يُخيف السكان ويُفرغ المناطق من أهلها، فيسهل السيطرة عليها. والاغتصاب الجماعي يُكسر روح المجتمعات ويُذلها، ويجعل من الصعب عودة الحياة الطبيعية فيها. أما النهب فهو ليس فقط للتمويل، بل أيضاً لتكسير شوكة المجتمع بإفقاره إفقار منظم لتجريده من مقومات المقاومة. هذه الجرائم ليست عشوائية، بل جزء من استراتيجية واضحة لطرفي الحرب:
الجيش السوداني يحاول فرض السيطرة على البلاد من بوابة “استعادة هيبة الدولة”، لكنه يفعل ذلك عبر قصف المدن وملاحقة مناوئيه سواء كانوا سياسيين او مدنيين معارضين لاستمرار الحرب وفرض القيود بأشكال مختلفة على المدنيين في مناطق كثيرة.
الدعم السريع يستخدم الإرهاب والنهب لفرض نفوذه على أكبر رقعة جغرافية ممكنة، ويعتمد على موارد منهوبة من الذهب والمواطنين والمال العام.
ثانياً : الإفلات من العقاب كواقع وليس احتمال
لو أن الطرفين كانا يخشيان العدالة، لتوقفا عن ارتكاب الجرائم. لكن الحقيقة أنهما يعلمان – من تجارب التاريخ ومن الواقع – أن من يتحكم في الأرض والسلاح والنفوذ السياسي، يستطيع لاحقاً أن يُفاوض على أساس القوة، لا على أساس العدالة.
وهذا ما حدث سابقاً :
في دارفور، ارتُكبت جرائم إبادة واغتصاب وتطهير عرقي في العقد الأول من الألفية، ولم يُحاسب أحد من كبار القادة حتى اليوم.
في رواندا، رغم وجود محاكم دولية، إلا أن كثيرين من مرتكبي الإبادة الجماعية نجوا بصفقات سياسية.
في ليبيريا وسيراليون، تمت مكافأة أمراء الحرب بمناصب بعد توقيع اتفاقات سلام.
بالتالي، فإن البرهان وحميدتي، كلٌ بطريقته، يُراهنان على أن ميزان القوة هو الذي سيحكم مصيرهم، لا القانون ولا العدالة.
وماهي الطرق المتوقعة للإفلات من العقاب ؟ :
1. الإفلات المؤقت عبر مسارات السلام والتسوية السياسية :
ال ( دي دي آر) توفر حماية غير مباشرة للمجرمين، لأنها تُركّز على إدماج المقاتلين لا محاسبتهم.
كثيراً ما تُرافق هذه المرحلة “عفا الله عما سلف” تحت شعار المصالحة الوطنية.
قد تُؤجل العدالة إلى حين “تحقيق الاستقرار”، وهو تأجيل بلا أجل فعلياً.
2. الإفلات الدائم عبر إعادة إنتاج السلطة :
إذا نجح أحد طرفي الحرب (أو كلاهما بتحالف ما) في السيطرة على الحكم بعد الحرب، فسيُعيد صياغة القوانين والمؤسسات لضمان حمايته.
يُعاد تعريف الجرائم كـ”أفعال دفاع عن الدولة” أو “انحرافات فردية”، مما يُعفي القيادات من المحاسبة.
3. الإفلات عبر المحاكم الوطنية الضعيفة أو المسيسة :
حتى إن تم تقديم قضايا، قد تُفشل المحاكمات بفعل تدخلات سياسية، أو غياب الشهود، أو قوانين عفو صُممت خصيصاً لحماية المتهمين.
4. الإفلات عن طريق تقاسم النفوذ داخل الدولة :
يُقسّم جهاز الدولة بين قادة المليشيات والجيش (كما حدث في اتفاق جوبا)، فيصبح كل طرف محصناً في منطقته أو وزارته.
يُعاد تأهيلهم كممثلين سياسيين أو رجال أعمال، لا كمتهمين.
5. الاحتماء بالخارج أو “اللجوء السياسي” :
بعض القادة إذا خسروا نفوذهم قد يلجؤون إلى دول داعمة لهم (الإمارات، مصر، إلخ)، حيث يُمنحون حصانة بحكم المصالح الدولية.
أخطر ما في الحرب السودانية أنها تُدار من قبل أطراف لا تخشى المحاسبة لأنها إما تسيطر على الدولة فعلياً أو تستعد لتقاسمها بعد الحرب. والعدالة الوحيدة الممكنة ستكون نتيجة ضغط شعبي منظم، وتحالف وطني مدني واسع لا يقبل بالتسويات الجزئية أو العفو السياسي، خاصة في جرائم الاغتصاب والقتل الجماعي ونهب موارد الدولة.
ثالثاً : المال العام وموارد السودان بين اللصوص والمليشيات
في ظل غياب الدولة الفاعلة، تحولت الحكومة في بورتسودان إلى سلطة بيروقراطية تُدار من قبل الجيش وفلول النظام السابق. ومع ذلك، فإن الأموال تُبدّد على فساد منظم وعلي الحرب والدعاية، بينما يعيش المواطنون أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخ السودان.
من ناحية أخرى، سيطر الدعم السريع على مناجم الذهب وطرق التجارة، وأسس لنفسه اقتصاداً موازياً في مناطق سيطرته، ينهب ويجبي الضرائب ويفرض “رسوم حماية” على المواطنين والتجار.
المال هنا ليس فقط وسيلة تمويل، بل أداة للسيطرة السياسية والإعلامية والقبلية وللإثراء الشخصي .
رابعاً : الدعم السريع وشعار الثورة المخادع
رفع الدعم السريع شعارات التغيير وإسقاط الكيزان. لكن جرائمه الفادحة ضد المدنيين – من اغتصابات وقتل واحتلال منازل ومستشفيات – أدت إلى نتائج عكسية تماماً.
فمن حيث لا يدري، منح الدعم السريع فرصة ذهبية للكيزان لإعادة تقديم أنفسهم كـ”حماة للدولة”، وجعل من البرهان الذي تحكمه نفس أدواتهم، يبدو “أقل سوءاً” في نظر بعض المواطنين.
هكذا، أسقط الدعم السريع بنفسه غطاء الثورة عن وجهه، وأعاد إنتاج خطاب الدولة القديمة التي كان يدّعي أنه يُحاربها.
خامساً : هل المطلوب هو قتل روح الثورة؟
نعم، أحد أهداف الحرب الخفية هو اغتيال روح الثورة السودانية. الثورة التي بدأت في ديسمبر 2018م وحملت أحلام ملايين السودانيين بالحرية والسلام والعدالة، كانت تُهدد منظومة النفوذ القديمة: الجيش، الأمن، المليشيات، والإسلاميين.
لكي تعود هذه المنظومة للحكم، كان لا بد من قتل الأمل في التغيير، وقتل رموز الثورة، وتشويه صورتها، وتحميلها مسؤولية الخراب. وهذا ما يحدث الآن :
يُقال للناس : “أنظروا ماذا فعلت الثورة؟ جلبت لنا الفوضى والدعم السريع!”
وتُستغل المأساة لتبرير عودة الجيش والكيزان، باعتبارهم “المنقذين” من الفوضى.
بهذا المعنى، لا تُرتكب الجرائم فقط من أجل الحرب، بل من أجل القضاء على أي تفكير في التغيير.
خاتمة : ما العمل؟
أمام هذا الواقع المظلم، لا بد من أمرين أساسيين:
1. رفع الوعي الجماهيري باستقلالية تامة عن الطرفين، وكشف زيف خطاباتهما، ورفض تبرير الجرائم من أي جهة كانت.
2. إعادة إحياء روح الثورة، لا كشعار بل كمشروع لبناء وطن حر وعادل، لا مكان فيه لعسكرة السياسة ولا لفساد المليشيات.
العدالة لن تأتي من مفاوضات تُعقد تحت تهديد السلاح، بل من وعيٍ جمعي يرفض الصفح المجاني عن القتلة، ويُصرّ على بناء دولة مدنية تُحاسب كل من أجرم في حق هذا الشعب العظيم.
لا يمكن مساواة الجيش بالمرتزقة و يكفي نزوح المواطنين من مناطق سيطرة المرتزقة إلي مناطق سيطرة الجيش فهذا دليل واضح لتبرأت الجيش و إدانة مرتزقة جرذان و كلاب عربان الشتات الإفريقي
أبو الافاظ المنحطة مثل جرذان و كلاب صاحب الرائحة العنصرية النتنة , عليك من الله ما تستحق