مقالات وآراء

نحو سلام دائم : دعوة للعقل والضمير

حسن عبد الرضي الشيخ

 

في خضمّ هذا المشهد السوداني المعقّد، وبين أزيز الرصاص ودموع الأمهات، تنبع ضرورة ملحّة لتفكيك أسئلة الحرب والانتقال السياسي من منظور مغاير؛ منظور لا ينبني على موازين القوة، بل على منظومة أخلاقية وإنسانية ترى في السلام مبدأً لا مناورات، وفي الإنسان غاية لا وسيلة.

 

الحرب ليست قدَرًا .. بل خيار يمكن رفضه

 

الحرب ليست سوى انعكاس لأزمة وعي وأخلاق، وليست حلًا لأي أزمة وطنية. إنها لغة منعدمة الجدوى، لا تُنتج سوى الدمار والانقسام. لذا، فإن إيقافها لا يتحقق عبر انتصارات عسكرية زائفة أو تسويات بين نخبة متواطئة، بل عبر تحوّل فكري وروحي يعيد ترتيب الأولويات حول كرامة الإنسان وحقه في الحياة .

التفاوض مع العسكر لا يصبح مجديًا إلا حين يُفرض عليهم بضغط شعبي مستنير، لا عبر صفقات سياسية قصيرة النظر.

 

الكتلة المدنية المستقلة : صوت الضمير الشعبي

 

نعم، يمكن تشكيل كتلة مدنية وطنية ترفض الحرب وتطالب بوقفها الفوري، شريطة أن تنبع من رحم الشارع، لا من دوائر النخبة المعزولة. الحياد الذي نقصده ليس حيادًا أخلاقيًا، بل رفضًا واعيًا لكل أطراف الحرب، وموقفًا مبدئيًا من أجل بناء سلام حقيقي. ينبغي لهذه الكتلة أن تُعيد صياغة خطابها بلغة يفهمها الشعب وتُلهمه، لا بلغة المصطلحات النخبوية والمواثيق المغلقة.

 

لا شرعية لحكومة تُبنى على فوهة بندقية

 

أي حكومة تُؤسَّس بدعم من طرف عسكري في سياق الحرب، هي بالضرورة امتداد لهذا الصراع، لا مخرجًا منه. الخدمة العامة، حين تتحوّل إلى أداة سياسية في يد فصيل مسلح، تفقد معناها النبيل، وتُستغل لإعادة إنتاج منطق القوة. وحدها الشرعية المدنية، المنبثقة من الشعب، تملك الحق في تقديم الخدمات باسم الوطن، لا باسم البنادق.

 

مدنية الدولة لا تُحمى بالسلاح، بل بالوعي

 

الدولة المدنية ليست نقيضًا للأمن، لكنها نقيض للعسكرة. لا بد من إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية على أساس الولاء للوطن، لا للطغاة. نزع عسكرة الدولة والمجتمع لا يعني الفوضى، بل يعني ترسيخ مبدأ خضوع السلاح للقانون، والمشاركة الشعبية في تحديد مستقبل الوطن.

 

لا لعنف ينتج عنفًا آخر

 

قد يبدو للبعض أن مواجهة العنف ببندقية أقوى هو السبيل لفرض الدولة المدنية. لكن الحقيقة أن أي نظام يُفرض بقوة السلاح يفقد شرعيته الأخلاقية. الثورة التي تستحق اسمها هي التي تكسر منطق العنف، لا تكرّسه، وتؤسس لسلام يعبر عن إرادة شعبية حرة لا تُرهبها فوهات البنادق.

 

خاتمة : السلام يبدأ من الإنسان

 

ما لم نُعد الاعتبار للإنسان كقيمة عليا، ونتحرر من أوهام السلاح والهيمنة، فلن نبني وطنًا. إن الثورة الحقة هي ثورة على منطق القوة، على الأنانية، على الطمع، وعلى اختزال التغيير في رصاصة. السودان لا يحتاج إلى من ينتصر له في الميدان، بل من ينهض به من الخراب، بفكر جديد، وتحالف مدني أخلاقي، وسلام يستند إلى ضمير حيّ، لا إلى مصالح ضيقة.

 

[email protected]

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..