مقالات وآراء

أنماط طرائق التفكير السوداني (٢٠)

عوض الكريم فضل المولى

وحسن عبد الرضي

 

وقف حرب السودان : عمل إنساني قبل أن يكون شأنًا سياسيًا

 

منذ اندلاع النزاع المسلح في السودان، يعيش الشعب السوداني واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في تاريخه الحديث. فالخراب لم يقتصر على المباني والمنشآت، بل طال الإنسان نفسه: حياته وكرامته، وأمله وأخلاقه، وحياته الاجتماعية والثقافية، بل إرثه الحضري ومخزونه التاريخي، وسبل عيشه، مهنته، حرفته، وظيفته، داره، ومقتنياته.

وفي الوقت الذي تنشغل فيه القوى السياسية بحسابات النفوذ والمصالح، والكسب السياسي، وتوسيع دائرة المشاركة، واقتسام السلطة والثروة، وتلميع الكوادر، وكسب رضا دوائر داخلية وخارجية، يبقى الضحايا الحقيقيون هم الأبرياء القابعون في معسكرات النزوح ودول اللجوء، والمنزوون في منازلهم خوفًا من سطوة أطراف الصراع، وتبادل التهم بين من لا صوت لهم ولا يُلقى لهم بال أو اعتبار، ناهيك عن تقديم الخدمات والرعاية أو الحماية التي تقيهم ويلات الحرب.

 

ما يجري في السودان ليس مجرد خلاف سياسي بين فصائل، أو صراع على السلطة كما يُختزل أحيانًا، بل هو مأساة إنسانية مكتملة الأركان. آلاف القتلى، وملايين النازحين، وانهيار شبه تام في الخدمات الأساسية: من صحة وتعليم وأمن وغذاء. وفي ظل هذا الواقع، تصبح المطالبة بوقف الحرب ضرورة إنسانية لا تحتمل التأجيل. فهي ليست هروبًا من المعركة، ولا انحيازًا لأي طرف، ولا عمالة للخارج، بل هي استجابة لما يمليه الضمير الإنساني والوازع الأخلاقي.

 

لقد آن الأوان أن تنظر الأطراف الفاعلة — سواء في الداخل أو الخارج — إلى معاناة الشعب السوداني لا من خلال عدسة المصالح الضيقة، أو العاطفة الرجولية، أو الحماس الديني العاطفي، أو دغدغة المشاعر، بل من منظور المسؤولية الأخلاقية والإنسانية.

فوقف القتال لا يعني بالضرورة انتصار طرف على آخر، بل هو انتصار للإنسان، وللحياة، وللأخلاق، ولروح الأبرياء، وللنساء، وللأطفال، وللمسنين، ولذوي الاحتياجات الخاصة، وللمرضى، وللسلام، وللأمل الذي يكاد ينطفئ في قلوب السودانيين.

وهو أيضًا محاولة لإحياء الضمير والروح الإنسانية التي أوشكت على الموت تحت آثار الحرب، والقتل، والنهب، والفساد، والتوجيه نحو ظلم الجار، وقتل الشباب بذريعة دعاوى كاذبة، كشفت عنها هذه الحرب العبثية الفوضوية، عديمة الهدف والمبادئ.

 

المجتمع الدولي، بدوره، يتحمل مسؤولية أخلاقية كبيرة. ولا يجوز أن تبقى المنظمات الإنسانية وحدها في الواجهة، بينما يكتفي الآخرون بالمشاهدة وانتظار النتائج. بل يجب أن نكون مبادرين بجهدنا الداخلي، بثقافتنا الموروثة، وبأفكارنا المحلية لصنع الفارق.

وكانت “التكايا” خير دليل على الجهد والمكون المحلي، ويجب أن نبارك للجان الخدمات في السودان التي رعت التكايا وساندت الضعفاء، على نيلها المستحق لجائزة الاتحاد الأوروبي، ونشكر الاتحاد الأوروبي على هذا التقدير الذي يُظهر احترامًا لعمل الرجال والشابات السودانيات الأصيلات.

 

في وقت يحتاج فيه السودان إلى تدخلات جادة لوقف إطلاق النار، وفتح ممرات إنسانية، والضغط على جميع الأطراف للجلوس إلى طاولة الحوار، يصبح وقف الحرب ليس قضية سياسية بحتة تُترك للمفاوضات المتعثرة، بل نداء إنساني عاجل يجب أن يُلبّى.

فكل يوم تأخير يعني مزيدًا من الجوع، والدمار، والموت.

 

لا بد أن نعيد الاعتبار للإنسان في كل معادلة. فحين تُرفع المعاناة عن الأبرياء، يصبح للسلام معنى، ويبدأ السودان في استعادة روحه التي أنهكتها الحرب.

 

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..