الحصار الإماراتي غير المُعلن : تأثيرات ذلك على السودان، الجوار، وأبوظبي نفسها

نبيل منصور
منذ عدة سنوات، بدأ التوسع الإماراتي في منطقة القرن الإفريقي والمحيط السوداني بشكل غير معلن، حيث اتخذت أبوظبي العديد من الخطوات الإستراتيجية عبر دعم أنظمة وقوى غير مستقرة لتحقيق مصالحها السياسية والاقتصادية. هذا النفوذ لم يكن محصورًا داخل الحدود السودانية فحسب، بل امتد عبر دول الجوار مثل ليبيا وتشاد وجنوب السودان، ليخلق شبكة معقدة من التحالفات والمصالح التي تُهدد استقرار المنطقة برمتها. في هذا المقال، نبحث في أبعاد الحصار الإماراتي غير المُعلن على السودان وتأثيراته على الأمن الإقليمي، إضافة إلى تأثير هذا التوسع على الإمارات نفسها على المستويات السياسية والاقتصادية والقانونية، من خلال تحليل دقيق للتحديات التي قد تواجهها في المستقبل.
1. الإمارات تحاصر السودان فعليًا عبر “محيطه” وليس داخل حدوده فقط:
الإمارات ليست فقط حاضرة داخل السودان، بل تحيط به عبر دول جوار استراتيجية، مما يشير إلى أن الحصار الإماراتي يتجاوز الحدود الجغرافية المباشرة. في ليبيا، مثلاً، تمثل قوات خليفة حفتر الذراع العسكري للفوضى في الغرب، بينما في تشاد وإفريقيا الوسطى، أصبحت هذه الدول ممرات للأسلحة والذهب، فضلاً عن كونها مناطق نفوذ للمخابرات الإماراتية. من ناحية أخرى، يُستخدم جنوب السودان كممر للتهريب وتخزين الموارد، مع تواطؤ من بعض النخب المرتبطة بالإمارات. أما في إثيوبيا وكينيا، فتشكلان قنوات للنفوذ السياسي والاستثماري، وربما الأمني لاحقًا.
هذه الشبكة الإقليمية تخلق حالة من التهديد الدائم للسودان، مما يحول دون أي مسار وطني سوداني مستقل، ويجعل من السودان دولة ضعيفة ومستنزفة على الدوام، تحيط بها التوترات والصراعات التي تُجبرها على البقاء في دائرة النزاع والارتهان.
هذا التمدد لا يحاصر السودان عسكريًا فقط، بل يُحاصر خياراته السياسية والاقتصادية كذلك، إذ يصبح صعبًا على أي حكومة أن تتخذ قرارات مستقلة دون أن تصطدم بمصالح شبكة النفوذ الإماراتي في محيطه. هذا يُهدد إمكانيات التعافي الوطني ويضع السودان في حالة من الاعتماد الجيوسياسي المفروض.
2. مستقبل هذا الحصار:
إذا استمر هذا الوضع في غياب مقاومة سياسية ودبلوماسية واعية، خاصة من قبل القوى السياسية والتجمعات المدنية الرافضة للحرب في السودان، وكذلك في الدول التي تشارك الإمارات في فرض هذا الحصار لتحقيق مصالحها، فإن النتيجة قد تكون مشهدًا مشابهًا لما حدث في ليبيا أو اليمن، ليس في السودان وحده، بل في هذه الدول أيضًا مستقبلاً : دول ضعيفة، قوى محلية تابعة، وصراعات لا تنتهي. فالحصار الإماراتي لا يُهدد السودان وحده، بل يشكل خطرًا مباشرًا على دول الجوار الهشة، حيث يمكن لأي انفجار في السودان أن يمتد إليها في شكل فوضى، موجات لجوء، أو سلاح مرتد، مما يُفاقم تعقيد المشهد الإقليمي برمته.
والأسوأ من ذلك، أن استمرار هذا الحصار قد يؤدي إلى ظهور جماعات جديدة متطرفة كرد فعل على غياب العدالة الإقليمية والدولية، مما يحول السودان إلى ساحة لتفريخ العنف العابر للحدود، وهو سيناريو لا يخدم أيًّا من الأطراف، بما فيهم الإمارات نفسها.
3. مصر ودورها المركب :
مصر تلعب دورًا مزدوجًا في هذا الصراع الإقليمي. فهي حليف تقليدي للجيش السوداني، ولكنها في الوقت نفسه تحتفظ بعلاقات استراتيجية وثيقة مع الإمارات، سواء على الصعيدين الاقتصادي أو العسكري. هذا الموقف يجعلها متذبذبة : لا تريد انهيار الجيش السوداني بالكامل، لكنها أيضًا لا تمانع في تقاسم النفوذ مع الإمارات طالما أن ذلك لا يهدد أمنها القومي. هذا يخلق تحالفًا مصريًا سودانيًا هشًا، يعتمد على ظرفية اللحظة وليس على رؤية مشتركة ومستدامة. في أي لحظة، قد تتحول مصر ضد أي تحالف سوداني قد يشكل تهديدًا لعلاقتها مع الإمارات.
وفي نفس الوقت، أن أي انهيار مفاجئ في التوازن داخل السودان قد يدفع مصر إلى خيارات أكثر حدة، مثل دعم تحالفات بديلة خارج التنسيق مع الإمارات، مما يعيد رسم خريطة التحالفات في المنطقة بشكل غير متوقع ويهدد المصالح الإماراتية نفسها.
التأثير على الإمارات :
تأثير هذا التمدد الإماراتي الخانق على السودان والمنطقة له تبعات خطيرة على الإمارات نفسها، وإن بدا لها الآن وكأنه مصدر قوة. يمكن تلخيص التأثير في ثلاث مستويات:
1. التأثير السياسي:
عزلة متنامية وسمعة متآكلة:
رغم محاولات الإمارات للترويج لنفسها كدولة “السلام والاستقرار”، إلا أن أدوارها في السودان، ليبيا، اليمن، والقرن الإفريقي تكشف عن نمط عدواني مموه، مما يجعلها هدفًا متزايدًا للنقد الدولي والحقوقي.
استنزاف علاقاتها بالحلفاء:
تورط الإمارات في دعم ميليشيات ومرتزقة قد يحرج شركاءها الغربيين (خاصة أمريكا وبريطانيا) ويضعهم أمام مطالبات بمساءلتها أو تقليص التعاون الاستخباري والعسكري.
عداء شعبي متصاعد: تمدد الإمارات عبر وكلاء قمعيين مثل حفتر أو الدعم السريع يُؤدي إلى خلق عداء شعبي في عدة دول إفريقية وعربية، يراها البعض كقوة استعمارية صغيرة بأدوات ناعمة وخبيثة.
2. التأثير الاقتصادي:
نزيف موارد في مغامرات غير منتجة:
الإنفاق الكبير على تمويل ميليشيات، شراء ولاءات، استثمارات استخبارية غير معلنة، كلها تؤدي إلى إهدار أموال ضخمة دون مردود او عائد مضمون.
مخاطر على التجارة والاستثمار:
استثمارات الإمارات في مناطق النزاع قد يعرض مصالحها التجارية في إفريقيا والشرق الأوسط لمخاطر الانهيار أو المصادرة، خاصة مع تصاعد الحركات المعادية للنفوذ الأجنبي.
تشويه صورة دبي كواجهة تجارية عالمية:
ارتباط الإمارات بتهريب الذهب من السودان أو تجارة السلاح قد يتسبب في تآكل مصداقية بيئتها الاقتصادية والمالية، وقد يعرضها للمساءلة أو عقوبات اقتصادية في المستقبل.
3. التأثير القانوني والحقوقي:
إدانة محتملة في جرائم حرب:
في حال توفرت أدلة على تمويل الإمارات للميليشيات التي ارتكبت جرائم حرب واغتصاب، فقد تواجه قضايا في المحاكم الدولية.
ضغوط من المنظمات الدولية:
قد تتعرض الإمارات لحملات قانونية وحقوقية قد تقود إلى فتح ملفات في المحاكم الأوروبية أو تقييد تعاملاتها الأمنية.
توسيع تصنيفها كفاعل دولي خطير:
تصنيف استخباراتي قد يضر بسمعة الإمارات ويُعرقل توقيع اتفاقيات أمنية وتجارية مستقبلاً.
خلاصة :
1. الإمارات تلعب بالنار : توسعها الإقليمي عبر أدوات القوة الخشنة والناعمة قد يرتد عليها سياسيًا واقتصاديًا وقانونيًا، خاصة إذا انهارت المشاريع التي تساندها، كما هو محتمل في السودان، أو تغيّرت مواقف القوى الدولية. ما يبدو اليوم نفوذًا، قد يصبح ورطة استراتيجية غدًا.
وإذا لم تُراجع الإمارات استراتيجيتها في المنطقة، فإنها قد تجد نفسها محاطة بسلسلة من الدول الفاشلة أو المعادية، ما يعني أن التكلفة الأمنية والجيوسياسية لنفوذها ستفوق المكاسب المرجوة، خاصة مع تغيّر المزاج الشعبي الإقليمي ضدها.
2. السودان في قلب خنق استراتيجي: الحصار الذي تقوده الإمارات باستخدام أدوات متعددة يجعل السودان في حالة دائمة من الاحتباس الاستراتيجي. حل هذه المشكلة لا يكون إلا ببناء مشروع وطني سوداني صلب، قادر على التفاوض الإقليمي من موقع الندية، لا التبعية، وعلى خلق تحالفات إفريقية جديدة تعيد التوازن في الإقليم.
ومن هنا، يجب على الدول المتورطة بشكل مباشر أو غير مباشر في هذا الحصار أن تعي أن استقرار السودان هو استقرار لها، وأن السكوت عن التمدد الإماراتي قد يرتد عليهم سياسيًا وأمنيًا، حين تبدأ شعوبهم في التساؤل عن جدوى التحالف مع طرفٍ يعمّق الأزمات ولا يساهم في حلها.
مقال ممتاز سيد نبيل. ليت جحافل المرتزقة من عبيد الدرهم وخونة البلاد القنانيط وقلاليط الخراء عبيد عيال زايد المخانيث مثلهم ، يدركون فهم الحقائق التي وردت في هذا المقال ، وليتهم يدركون أنهم مخلب القط الذي يستخدمه عيال زايد مخانيث و واجهة الصهاينة ومخططاتهم ومنفذي مشروعاتهم لتفيت السودان. عين التأريخ ساهرة وهي لاتغفل عن رصد كل خائن خان تراب هذا الوطن.
من أكثر مظاهر الانهيار الأخلاقي والسياسي في هذه الحرب، هو هذا الاستسهال المتعمد في توصيفها بأنها “حرب كيزان” أو “صراع على السلطة” بين عسكر. هذا التوصيف الكسول ليس بريئًا، بل هو امتداد لمنهج النخب الصفوية في تزييف طبيعة الصراع لصالح منظومة إقليمية تمسك بخيوط اللعبة من وراء ستار.
أدعو كل من يردد هذا التعريف الساذج أن يتأمل جيدًا تقرير التلفزيون الرسمي لدولة بحجم الجزائر عن محاولات اختراق صفها الداخلي، ويدرك أن ذات الآليات التي تُدار بها الحروب في منطقتنا تُطبق علينا الآن، ولكن بأداة أشد قبحًا: مليشيا متعددة الجنسيات، تمارس القتل والاغتصاب والنهب وتفكيك المجتمعات، تحت لافتات محلية الصنع، وبتمويل إقليمي معلن.
إن رفض الحرب في حد ذاته موقف أخلاقي مشروع، لكن الحياد أمام هذا النمط من الحروب العابرة للحدود، والموجهة لتفكيك الدولة والمجتمع ليس سوى تواطؤ مغلف. أن ترفض الحرب دون أن تسمي من بدأها، ومن يغذيها، ومن يقودها ميدانيًا، ومن يديرها سياسيًا، ومن يستثمر فيها محليًا، هو موقف هش يساهم في استدامة الجريمة.
الحديث عن الإمارات كواجهة، هو توصيف دقيق. لكنها ليست إلا القفاز الذي يغطي يد مشروع أكبر يعيد رسم خرائط النفوذ في هذا الإقليم، والاعتماد الأكبر في نجاحه لا يقوم على مليشيا مستأجرة فقط، بل على شبكات محلية من السياسيين والإعلاميين ورجال المال والأعمال، الذين يلعبون أدوارًا موزعة بعناية بين تبرير الحرب، وتشويه الموقف الوطني المقاوم لها، وتمييع وعي الناس بين “حياد كاذب” و”دعوات سلام مزيفة”.
النخب التي تسوق للحياد في هذه الحرب، ليست محايدة أصلًا. إنها رأس الرمح في هذا المخطط. تقدم خدماتها للمخابرات الإقليمية تحت غطاء “دفاع عن الديمقراطية” و”وقف القتال”، بينما تغض الطرف عن مليشيا تمارس أبشع الجرائم بحق النساء والمدنيين، وتسوق خطابًا معطوبًا يساوي بين الجلاد والضحية، بين جيش يحمي بقايا الدولة، وعصابة لا تؤمن بفكرة الوطن أصلًا.
نحن لا نطلب من أحد أن يحمل السلاح، لكننا نطالب الجميع بأن يتحملوا مسؤولية تسمية الأشياء بأسمائها. فهذه ليست حرب كيزان. هذه حرب تفكيك وطن كامل لصالح مشروع شيطاني جديد، يديره المال القذر والعميل المحلي. والسكوت عن هذا، خيانة صريحة، لا يشفع لها تذرع بالدعوات للسلام.