الشهادة السودانية… مهزلة تعليمية على أنقاض الدولة

من المُفترض أن يجلس للامتحان 570 ألف طالب جلس منهم 230 ألفاً فقط كارثة دفعة 2023 التي لم تمتحن 60 في المائة غياب.. 5 معايير دولية مُنتهَكة من أصل 7 كيف ستعترف الجامعات بالشهادة الآن؟
المربية والتربوية المتقاعدة، بتول الشيخ، شبهت ما جرى في إعلان نتائج امتحانات الشهادة السودانية بشهادة الوفاة للعملية التعليمية في البلاد. وقالت بتول، وتكاد الدموع تطفر من عينيها: “هولاء ليسوا بمسؤولين، وإنما بشر لا تهمهم سمعة البلاد، ولا الإنجازات المتراكمة، والحرص والجهد الذي بذل لتكون الشهادة السودانية بتلك الموثوقية التي كانت عليها، التي لم تأت صدفة، وإنما ببذل وجدية وعمل عرفت به لجنة امتحانات السودان، التي إلى وقت قريب لم يكن الكثيرون يعرفون من هو رئيسها ولا أعضائها، وكانت تحاط أعمالها بسرية كاملة”.
وتتفق بتول مع الكثير من المراقبين بأن نتيجة امتحانات الشهادة السودانية المؤجلة للعام 2023 لم تكن سوى تتويج مأساوي لانهيار مؤسسات الدولة، وانكشاف عورة النظام التعليمي الذي بدا عاجزًا، متخبّطًا، ومجردًا من أي حس بالمسؤولية.
ففي الوقت الذي انتظر فيه مئات الآلاف من الطلاب استحقاقهم الدراسي المؤجل منذ عامين، جرى تنفيذ امتحانات الشهادة وسط فوضى إدارية، وتجاوزات إجرائية بالغة الأهمية، وقرارات مرتجلة، فجّرت موجة غضب في الشارع التربوي والمجتمعي، واستدعت بيانات استنكار حادة، أبرزها من لجنة المعلمين السودانيين.
الأرقام وحدها تفضح حجم الجريمة فمن أصل نحو 570 ألف طالب وطالبة كان يفترض أن يمثلوا دفعة 2023، جلس فقط 230 ألفاً للامتحانات، بينما تُرك ما يقارب 400 ألف خارج القاعات، بلا تفسير رسمي، وبلا خطة بديلة، وبلا اعتراف حتى.
إقصاء جماعي
جرى هذا الإقصاء الجماعي بذريعة “الظروف الأمنية”، في وقت جلس فيه طلاب من دفعات لاحقة، ومن مدارس خارج السودان، بل ومن مناطق محسوبة على طرف سياسي واحد، في تجاوز فاضح لكل معايير العدالة التعليمية.
وفي بيان شديد اللهجة، أدانت لجنة المعلمين السودانيين هذه المهزلة، مؤكدة أن الامتحانات نُفذت بلا حد أدنى من الشفافية أو العدالة. البيان، الذي صدر عقب إعلان النتيجة، لم يكتف بمجرد الإدانة، بل وصف ما جرى بأنه عشوائية تضرب جذور النظام التعليمي، وانحراف عن مسؤولية الدولة تجاه أبنائها.
ففي حين هنأت اللجنة الطلاب الذين جلسوا للامتحانات واعتبرتهم “أبطالًا بلا ذنب”، شددت على أن الجريمة الكبرى تكمن في الإقصاء الجغرافي الذي مُورِس ضد طلاب يقيمون في مناطق خارجة عن سيطرة الجيش، رغم أن بها مدارس عاملة وطلابًا مؤهلين. لقد مُنعوا من الجلوس لا لسبب سوى الجغرافيا، في سياسة تمييز تعليمي تمزق وحدة السودان، وتنتهك جوهر فكرة الدولة.
فاقد تربوي
يعضد الناطق الرسمي باسم لجنة المعلمين، سامي الباقر، ما ذهبت إليه اللجنة، مقدرًا نسبة الغياب بنحو 60% من الدفعة الأصلية، وهو ما وصفه بـ”الكارثة الحقيقية”.
وأضاف في حديثه لـ”أفق جديد” أن عددًا من الذين جلسوا للامتحان لا ينتمون لدفعة 2023 بل لدفعة 2024، ومعظمهم من الذين درسوا خارج السودان أو في ولاية نهر النيل. موضحًا أن ظروف الحرب حدت بالوزارة إلى التساهل في إجراءات التحقق، ما فتح الباب لدخول غير المنتمين للدفعة المؤجلة، مضافًا إليهم طلاب إعادة من دفعات قديمة مثل 2022. وخلص الباقر إلى أن عدد الجالسين الحقيقي من دفعة 2023 لا يتجاوز 170 إلى 200 ألف، أي أقل من نصف العدد المفترض.
أما الطريقة التي أُعلنت بها النتيجة، فقد وُصفت من قِبل لجنة المعلمين بـ”العجلة والارتباك الفادح”. الأخطاء التي وقعت أثناء المؤتمر الصحفي، والفوضى التقنية التي صاحبت خدمة الرسائل النصية، عكست استخفافاً غير مسبوق بمصير الطلاب. وتضيف لجنة المعلمين في بيانها ” لم تكن مجرد أخطاء، بل كانت نتيجة مباشرة لنهج إداري مرتجل لا يرى في التعليم إلا أداة دعائية أو عبئًا ثقيلًا يجب الانتهاء منه بأي طريقة”.
غضب شعبي
وتتفق التربوية بتول مع لجنة المعلمين وناطقها الرسمي وهي تقول: “لم ينظروا إلى الشهادة السودانية إلا من خلال عين السياسة، فهم أرادوا أن يقولوا إن كل شيء تمام التمام، وأن الحياة ماضية، وأن البلاد لا تعاني أزمة، وأجبروا الطلاب في ظل ظروف نفسية قاهرة للجلوس إلى امتحان شابت إجراءاته الكثير من الأخطاء والارتجال”. وتردف: “هم دمروا العملية التعليمية، وما أحدثوه من خراب فيها بقرار عقد الامتحانات يحتاج إلى سنوات لإصلاحه، ما فعلوه لا يختلف عن ما فعلته طائراتهم وداناتهم بالبنية التحتية في البلاد، إن لم يفقه بكثير”.
وفور إعلان النتيجة انفجر الغضب الشعبي على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث انتشرت صور لنتائج متناقضة، وأسماء طلاب في ولايات لم يمتحنوا فيها، بل وشكاوى من طلاب لم يجلسوا للامتحان أصلًا وظهرت لهم نتائج. تكدست التعليقات على الصفحات الرسمية للوزارة، واتهمها المواطنون بالتزوير والتلاعب والإقصاء المتعمد. ومنشورات تحت وسم #فضيحة_الشهادة_السودانية و#حقنا_ما_حينضيع اجتاحت “فيسبوك” و”تويتر”، مطالبة بتحقيق عاجل ومحاسبة المسؤولين.
من ناحيته يقول مدير سابق لامتحانات السودان – فضل حجب اسمه – إن إعلان الوزير بشأن موعد الامتحان القادم في يونيو 2025 يعد دليلاً آخر على الانفصال الكامل عن واقع البلاد. ويضيف: “كيف يُحدَّد امتحان قومي في ذروة الخريف، بينما تعلم الوزارة تمامًا أن الخريف في السودان يعني شلل الحياة في نصف الأقاليم على الأقل! إنه قرار يفتقر إلى الحد الأدنى من التخطيط أو الحس الوطني، ويؤكد أن الوزارة لم تعد تدير التعليم بل تدفعه نحو الهاوية”.
عبث إداري
ويقول المدير السابق: “ما جرى ضرب العملية التعليمية في البلاد في مقتل”. مبينًا أن أولى نتائج الفوضى هي انهيار الثقة بين الطلاب وأسرهم من جهة، ومؤسسات الدولة التعليمية من جهة أخرى. عندما تُعلن نتائج بأسماء خاطئة، أو تظهر نتائج لأشخاص لم يمتحنوا، أو تُحجب عن آخرين جلسوا بالفعل، فإن الشعور السائد يصبح أن الشهادة لم تعد معيارًا للجهد والاستحقاق، بل ضحية العبث الإداري وربما المحاباة السياسية. ويضيف: “غياب الشفافية في إعلان النتائج ووجود أخطاء تقنية وتضارب في البيانات يؤدي إلى تقويض مبدأ (تكافؤ الفرص)، إذا فقد الطلاب ثقتهم في أن الجهد الدراسي سيُكافأ بنتائج عادلة، سينهار الحافز للتحصيل، ويتحول التعليم من مسار بناء إلى عبء فارغ من المعنى”.
وبحسب مدير امتحانات السودان السابق فإن واحدة من أخطر التداعيات هي أن الجامعات الخارجية، خاصة في الخليج وشرق إفريقيا، ستبدأ بالتشكيك في مصداقية الشهادة السودانية. وهذا يعني تعقيد إجراءات معادلتها أو حتى رفض قبولها مستقبلًا، ما يؤثر مباشرة على فرص الطلاب السودانيين في التعليم الخارجي. ويمضي قائلًا: “حين تُدار نتائج الامتحانات بهذا الشكل المرتبك، فإن المعلمين، رغم براءتهم، يفقدون شيئًا من مكانتهم الرمزية بوصفهم صناعًا للثقة والمعرفة، ويتحول المعهد أو المدرسة من فضاء تربية إلى ساحة تشكيك وصراخ وتظلمات”.
ويتفق مع مدير امتحانات السودان الخبير التربوى حسن محمد إدريس، بقوله: “سمعة الشهادة السودانية ليست مجرد ملف لسنة واحدة، بل هي تراكم لعقود”. ويضيف لـ”أفق جديد”: “إذا استمر هذا النهج، فإن الأجيال القادمة ستجد نفسها تحمل شهادة مشكوكًا في قيمتها، حتى وإن اجتهدوا وتفوقوا. وهكذا يُدفن التعليم الحُر تحت أنقاض الإهمال والفوضى”.
أثرًا بعد عين
ويحدد إدريس أن معايير الاعتراف بالشهادة والموثوقية فيها هي النزاهة والشفافية وتكافؤ الفرص وعدم التمييز، إلى جانب سلامة الإجراءات الفنية، مضافًا إليهم الاستقرار والاستمرارية، والاعتراف الإقليمي والدولي الذي يتأتى من الأربعة معاير أعلاه، وأن تكون الشهادة ذات قابلية للتحقق والتوثيق.
ويقول ادريس: “المعايير الستة أعلاه إضافة إلى معيار سابع أخير هو السمعة الأكاديمية للخريجين، هي المعايير التي تحكم الاعتراف بالشهادة”. ويردف: “بالذي جرى نجد أن وزارة التربية خرقت 5 معايير من السبعة ولم يتبق منها إلا اثنين فقط، هما سمعة الخريجين والتحقق والتوثيق”.
وبذلك، يقول إدريس، “أتوقع أن تبدأ دول العالم في إجراءات معايرة معقدة لقبول الشهادة السودانية، التي كانت في السابق ذات مقبولية من أفضل جامعات العالم، مثل الجامعات الأمريكية والبريطانية، ناهيك عن الدول الأفريقية والدول العربية”.
غير أن مصادر بإدارة امتحانات السودان أكدت لـ”أفق جديد” عدم وجود أي خلل أو تكرار في أرقام جلوس الطلاب الذين جلسوا لامتحانات هذا العام، نافيةً صحة ما يُتداول حول رفض بعض الأرقام عند محاولة استخراج النتائج عبر الوسائط الإلكترونية.
وأوضحت المصادر، استنادًا إلى إفادات الأستاذ عماد، مدير الامتحانات السابق والمستشار الحالي بالإدارة، إن أرقام الجلوس قد وُزعت بشكل متسلسل ومنظم، وتنتهي عند رقم محدد (مثال: ٣٢٠٠٠٠٠)، ولا توجد فيها أي ازدواجية أو أخطاء.
وعلى ذمة المصادر الإدارية التي تحدثت بغضب حول ما يثار أن بعض الطلاب والطالبات الذين التحقوا بالمراكز في الأيام الأخيرة قبيل بدء الامتحانات، تم تخصيص أرقام طوارئ مؤقتة لهم، استخدمت فقط لأداء الامتحان، لكنها غير مفعّلة لاستخراج النتيجة إلكترونيًا.
ودعت المصادر الجهات المعنية بهؤلاء الطلاب للتوجه ابتداءً من يوم الأحد إلى إدارة شؤون الطلاب بعطبرة، أو مكتب التعليم بمحلية كرري، لاستلام نتائجهم الورقية، حيث تم تجهيزها بدقة وهي متاحة للتسليم الفوري.
وشددت على أن كافة النتائج مطبوعة ورقيًا ومُراجعة بدقة عالية، مشيرة إلى أن إدارة شؤون الطلاب بعطبرة ومكتب التعليم بكرري هما الجهتان المخولتان حصريًا بتسليم هذه النتائج.
وأكدت المصادر أن إدارة الامتحانات بذلت جهودًا استثنائية هذا العام لضمان جلوس جميع الطلاب، بمن فيهم من التحقوا في اللحظات الأخيرة، بصورة منظمة واحترافية، مما يعكس التزامها بتأمين حق كل طالب في أداء الامتحانات واستلام النتيجة دون تأخير أو خلل.
ويقول عدد من التربويين، إن فوضى إعلان نتائج الشهادة السودانية لا تؤثر فقط على جيل من الطلاب، بل تضرب العمق الاستراتيجي للمؤسسة التعليمية في السودان، وتُنذر بفقدان ما تبقى من الثقة في الدولة المدنية. هذا الانحدار إذا لم يُوقف بمراجعة جذرية ومحاسبة صارمة، سيجعل من الشهادة السودانية أثرًا بعد عين.
لجنة المعلمين طالبت بمراجعة شاملة للنهج الذي تتبعه الوزارة، وبتحقيق مستقل وشفاف حول ما جرى في إعلان النتيجة، وتحديد المسؤوليات دون مواربة. كما شددت على أن استمرار التعاقد مع شركات فشلت في أبسط مهامها التقنية، مثل إيصال نتيجة طالب إلى ولي أمره، يُعد استهتارًا لا يغتفر.
ويجمع التربويون الذين تحدثوا لـ”أفق جديد” إن ما جرى ليس مجرد فشل إداري أو ظرف استثنائي فرضته الحرب، وإنما تعبير صارخ عن عقلية تدير التعليم كملف أمني، لا كمؤسسة وطنية. وعن دولة تنكر على أبنائها حقهم في الجلوس للامتحان، ثم تكافئ آخرين. عن سلطة تفرض موعد الامتحان بلا خريطة، وتوزع النتيجة بلا نظام، وتُخطئ في الأسماء، وتترك أرقام الجلوس بلا تطابق.
وفي ظل كل هذا الخراب، يقف الطالب السوداني بلا سند. محروم من مقعد، ثم محروم من نتيجة، ثم محروم من التوضيح. وحين يسأل، لا يجد إلا الصمت، أو الأسوأ: الاستخفاف.
أفق جديد
ما تطلسي ساي يا سيدة يا الاسمك مين انتي اصلا من سنين طويلة ومنذ عهد الانقاذ وثورة تعليمه الفاشلة وانتشار المدارس الخاصة الفندقية السرطاني وتدمير الدولة للتعليم الحكومي اصبح لا مستوى يذكر للشهادة السودانية ولا اعتبار للجامعات السودانية وشهاداتها باتت غير معترف بها في كثير من دول العالم ويصفونها بانها شهادات حامليها بلا تاهيل اكاديمي فما تتباكي على وضع تعليمي اصلا هو منتهي ومستواه في الحضيض ومؤسسات تعليمية ثانوية وجامعية ميتة سريريا فاخير يمتحنوا على الاقل يتلهوا بي حاجة تشغلهم والماقدر يمتحن الفترة الجاية والقحة ولا صمة الخشم اصلا منو البيعترف بي شهادات طلاب معلميهم زي حضرتك بلا مستوى اكاديمي يذكر تخرجوا من جامعة مستواها ضحل ومن الجامعة طوالي مسكوا التباشيرة وباتوا معلمين لا تاهيل اكاديمي لا تاهيل تربوي شغل كيري ساي فتخيلي الطلاب البطلعوا من تحت يد معلمين امثالكم حيكون مستواهم شنو ثم شوفي هسه انتي بتوظفي مهنتك للتربح والتكسب السياسي والاصطياد في ماء التعليم الملوث بدعاوى محاربة الاخوان والكيزان وتتسلقي على اكتاف الطلاب المنتهيين اصلا