المسيرات وحرب الطاقة والمحروقات

💢 *الرأى اليوم*
✍️ *صلاح جلال*
(١) 💎 دخلت الحرب الأهلية فى السودان عامها الثالث بتطورات نوعية أربكت المراقبين، من خلال إنسحابات متكررة للدعم السريع من مساحات واسعة من مواقع سيطرته فى سنار والجزيرة والعاصمة الخرطوم ، مما منح الطرف الثانى فى الحرب الشعور بالنصر وحسم المعركة لصالحة ، ولكن فى الإسبوعين الماضيين فاجأ الدعم السريع خِصمه بزحف كبير على مدينة الفاشر حقق فيه حصار شامل للفرقة السادسة التى تترنح تحت ضرباته فى ظل معلومات تشير لحصول الدعم السريع على منظومة دفاع جوى متقدمة ، غطت سماء دارفور الكبرى وجزء من كردفان وتلاحقت إنتصاراته لتشمل أم كداة والمالحة والعطرون وأمتدت إلى النهود والخوى وبعض المناطق فى غرب كردفات ، وتتحدث الأخبار عن حصار على مدينة الأبيض بالتعاون والتنسيق مع حَليفه الجديد الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة عبدالعزيز الحلو مما يؤشر إلى تهديد كل من الدلنج وكادقلى وأبوجبيهة فى كردفان .
بعد تصريحات من طرف القوات المسلحة تعلن فيها عن مهاجمتها لمطار نيالا الدولى وتدمير أهداف حول المطار ، فاجأ الدعم السريع المراقبين بهجوم نوعى واسع على العاصمة الإدارية بورتسودان بمسيرات إستراتيجية أفقدت المدينة توازنها، بمهاجمة المطار والموانى ومستودعات الوقود وقواعد عسكرية وبعض الفنادق وبيت الضيافة .
تكرر الهجوم بشكل يومى على مدى الإسبوع الماضى ، دفع الدعم السريع بعشرات المسيرات إلى كل من بورتسودان وكسلا وبربر وعطبرة والأبيض وأم روابة وتندلتى والدمازين إستهدفت بشكل رئيسى مصادر توليد وتوزيع الكهرباء ومستودعات الوقود الإستراتيجية ومخازن الذخيرة فى الوحدات العسكرية.
(٢) 💎 كان لمهاجمة مسيرات الدعم السريع أثر بالغ على محطات توزيع الكهرباء ومستودعات الوقود بطول البلاد وعرضها مما خلق واقع كارثى فى القطاعين محطات الكهرباء ومستودعات الوقود في السودان ، منذ إندلاع الحرب تعرضت شبكة مستودعات الوقود في السودان لدمار شامل أو جزئي، شمل أبرز مراكز التخزين في البلاد منها مستودعات الشجرة [الأقدم في السودان]، ومستودعات مصفاة الجيلي التى دمرها قصف طيران القوات المسلحة ، بالإضافة إلى المستودعات الإستراتيجية في منطقة أبوعليلة بالقرب من ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة ، كما هاجمت القوات المسلحة مستودعات الوقود ومحطات الكهرباء والمياه فى كل من الفاشر ونيالا وكتم والضعين وبابنوسة وهاجم الدعم السريع بعد حصوله على المسيرات الإستراتيجية محطات الكهرباء ومستودعات الوقود فى كل من عطبرة والأبيض وكوستى والدبة وأخيرًا المستودعات القديمة في منطقة ترانزيت ببورتسودان، والمستودعات الجديدة في منطقة كلانييب الواقعة على شارع مطار بورتسودان.تتبع معظم هذه المستودعات المستهدفة من طيران القوات المسلحة ومسيرات الدعم السريع للدولة ممثلة في وزارة الطاقة والنفط، إلى جانب عدد من المستودعات الصغيرة التى تتبع للقطاع الخاص ، إلا أن الأخيرة لا تمثل سوى نسبة محدودة من إجمالي السعة التخزينية للبلاد.
تُقدّر السعة التخزينية الكلية لمستودعات الوقود في السودان بحوالي مليون طن من المحروقات المختلفة. وتشير التقديرات إلى أن ما يقرب من 80٪ من هذه السعة قد تم تدميرها كليًا أو جزئيًا نتيجة الحرب من هجمات طرفيها لتجفيف مصادر الطاقة والمحروقات للخِصم من أجل تحجيم حركة مركباته ومرافقه الحيوية .
مستودعات ترانزيت ببورتسودان التى إستهدفتها مسيرات الدعم السريع الأسبوع الماضى تمثل الشريان الرئيسي لإمداد الوقود فى بورتسودان خاصة البلاد بصفة عامة.
(٣) 💎 تكتسب المستودعات القديمة الواقعة بمنطقة ترانزيت ببورتسودان أهمية خاصة، نظراً لإحتوائها على المرسى الوحيد فى السودان القادر على إستقبال سفن شحن وقود بسعة تصل إلى 40 ألف طن للشحنة الواحدة. وتبلغ السعة التخزينية لهذه المستودعات هناك نحو حوالى 200 ألف طن، تشمل ممتلكات الدولة والقطاع الخاص، مما يجعلها المدخل الحيوي لاستيراد كافة أنواع المحروقات بما فيها الجازولين، البنزين، غاز الطهي، ووقود الطائرات، والفِيرنس المستخدم في تشغيل الكهرباء والصناعات ، تُقدّر الخسائر المترتبة على تدمير مستودعات الوقود المتضررة في عموم البلاد بأكثر من مليار دولار أمريكي، وفقًا لأقل التقديرات .
تدمير مستودعات الوقود فى البلاد عامة وبورتسودان خاصة ترشح الأوضاع لأزمة محروقات خطيرة ، بدأت مظاهرها الآن فى مدينة بورتسودان خاصة آثار قصف الميناء الجنوبي والمطار ، شهدت الأيام الأخيرة تصعيدًا خطيرًا باستهداف مستودعات الوقود في الميناء الجنوبي ببورتسودان، إلى جانب المستودعات الإستراتيجية والمطار، وهو ما ينذر بأزمة طاقة خانقة فى كل السودان .
(٤) 💎من أبرز التداعيات المتوقعة من الإستهداف الأخير لمستودعات الوقود فى بورتسودان :
توقف إستيراد الوقود نتيجة لتضرر المستودعات اللازمة لتفريغ شحنات البواخر الناقلة للمحروقات ، أزمة خانقة في الجازولين والبنزين والغاز والفيرنس ووقود الطائرات وقد بدأت فعليًا، حيث بلغ سعر جالون البنزين في بورتسودان نحو 90 ألف جنيه (حوالي 34 دولارًا)، أي ما يعادل 7 دولارات للتر الواحد، في حين أن السعر العالمي يزيد قليلا عن دولارًا واحدًا، وهناك خطر كبير يواجه الإمداد الكهربائي لمدينة بورتسودان أيضاً، وإحتمال توقف الكهرباء في بورتسودان نتيجة تعذر تشغيل البارجة التركية التي تمد المدينة بنحو 50٪ من إحتياجها الكهربائية، بسبب إنعدام وقود الفيرنس ، وكذلك السبب الأمنى الذى يعرض العاملين والمعدات لخطر ، مما قد يقود ملاك البارجة التركية سحبها من المياه الإقليمية خوفاً من المسيرات المهاجمة .
كذلك الأضرار الجسيمة في البنية التحتية للميناء الجنوبي بفعل الحرائق والإنفجارات المصاحبة للقصف الجوى.
يمثل إستهداف هذه المرافق الحيوية نقطة تحول كبيرة في مسار الحرب، لما له من تأثير بالغ على القدرات اللوجستية للقوات المسلحة فيما يتعلق بتوفير الكهرباء والوقود للأغراض الحربية .
(٥) 💎 قطاع الكهرباء لم يكن بمنأى عن الدمار، حيث تعرضت منشآته الأساسية لضربات مدمرة منذ الأيام الأولى للحرب . فقد دمر قصف الطيران محطة برى الحرارية . ومحطة بحري الحرارية، ومحطات قري الموجودة بالقرب من مصفات الجيلي ، بالإضافة إلى خسائر جسيمة في شبكات النقل والمحطات التحويلية وشبكات التوزيع حيث تضرر مركز التحكم القومي في سوبا، الذي يحتوي أيضًا على المخازن الرئيسية لمعدات وقطع غيار شركات الكهرباء، بالإضافة إلى مركز البيع والمشتروات في الخرطوم وعلى مستوى الولايات، خرجت محطات نيالا، الفاشر، الجنينة، والضعين من الخدمة نتيجة الضربات الجوية وقصف الطيران وكذلك كهرباء ود مدني وسنار وسنجة لبعض الوقت خصوصا خطوط النقل والتوزيع ، وتأثر محطة أم دباكر في ربك تعمل حاليًا بمحطة تحويلية واحدة فقط نتيجة لهجمات المسيرات ، مما يجعلها عرضة للتوقف المتكرر ،وإستهداف الدعم السريع للمحطات التحويلية في سد مروي، عطبرة، والدامر، أدى إلى ضعف الإمداد الكهربائي في ولايات نهر النيل، الشمالية، البحر الأحمر، كسلا، والقضارف.وإضافة الي تاثر المواطنين بتلك المناطق والخدمات العامة خاصة مرافق المياه ، والتأثير البالغ على المناطق الزراعية التي تعتمد على الكهرباء في تشغيل أنظمة الري، مما ينذر بتفاقم أزمة الغذاء إذا استمر تدهور الوضع فى قطاعى الطاقة والكهرباء خاصة فى قطاع الزراعة المروية .
(٦) 💎 مقتطفات من تصريحات الباشمهدس وليد الريح عن حالة قطاع الكهرباء وما تعرض له من تدمير وخسائر من طرفى الحرب ، يقول المهندس وليد الواقع المرير يؤكد أن قطاع الكهرباء في الخرطوم الكبرى (الخرطوم، بحري، أم درمان) شهد خلال الحرب الأخيرة تدميرًا غير مسبوق في بنيته التحتية رغم أن الكهرباء لم تكن إستثناءاً فى الخراب العام ، بل كانت في مقدمة القطاعات المنهارة مما فاقم من حجم الكارثة الإنسانية والإقتصادية فى البلاد. ومؤكد ان إعادة إنارة الخرطوم ليست ترفًا بل ضرورة لبقاء المدينة على قيد الحياة وأساسا لتشغيل كل القطاعات الاخرى (صناعة، صحة، تعليم ، مياه، صحة بيئة، خدمات ، اسواق، مهن … الخ) ،الخرطوم الكبرى مدينة شاسعة كانت تحتضن ٨ مليون نسمة وعليه شبكة التوزيع الكهربائي فيها شبكة كبيرة ومعقدة وكان بها أساسا الكثير من المشاكل والأعطال مضاف عليها دمار الحرب علاوة على عمليات النهب والتخريب الممنهج للمحولات وكابلات النحاس ، حالة قطاع الكهرباء حوالي 70% من محطات وخطوط الكهرباء تعرضت لأضرار مباشرة أو غير مباشرة حوالي 60% من خطوط الجهد العالي تدمرت أو تعرضت للنهب. حوالي 80% من شبكات التوزيع داخل الأحياء (خاصة الكوابل الأرضية والعدادات) سرقت أو دمرت.
الكلفة التقديرية الأولية لإستعادة حيوية قطاع الكهرباء فى العاصمة وحدها تقدر بأكثر من 1.5 مليار دولار أمريكي وفقاً لتقدير مهندس وليد ، وهو مبلغ يستمر في التصاعد مع إستمرار الحرب والتدمير .
ولذلك الشرط الأساسي قبل البدء في أي عملية إعادة تاهيل هو (نهاية الحرب والإستقرار السياسي) وقبل التفكير في أي خطة لإعادة الكهرباء، لابد من توافر ثلاثة شروط جوهرية
1. توقف الحرب فعليًا وتحقيق وقف إطلاق نار دائم.
2. إستقرار أمني يسمح بعمل الفرق الهندسية دون مخاطر جسيمة.
3. تشكيل حكومة شرعية معترف بها دوليًا يمكن للمؤسسات المانحة التعامل معها قانونياً وعقد الإتفاقات الرسمية معها ، فبدون التعاون الدولي لن يتيسر لنا إعادة الأعمار لكل البنيات الأساسية المدمرة و بدون تحقيق هذه الشروط الثلاثة، سيكون أي مشروع لإعادة الإعمار عُرضة للفشل أو الاستهداف الحربى .
(٧) 💎💎ختامة
المسيرات وحرب الطاقة والمحروقات ، ملامح الخراب والآثار المتوقعة على حياة المواطنين ، لكن هجمات بورتسودان تنطوى على آثار سياسية عميقة نسبة لأن المدينة تعتبر العاصمة البديلة ، نزحت إليها كل مؤسسات الدولة المركزية وأعضاء السلك الدبلوماسى والمنظمات الدولية ، غياب الأمن فى بورتسودان ظهرت آثاره فى نزوح المواطنين من المدينة ومغادرة عدد من المنظمات وبعض الدبلوماسيين ، فقد ناشدت دولتى الصين وتركيا رعاياها بمغادرة السودان ولم يستقبل مطار بورتسودان منذ بداية الهجوم أى طيران أجنبى ، وقد أعلنت الخطوط الجوية الأثيوبية وقف رحلاتها للسودان وبالتأكيد ستتبعها بقية الخطوط والسفن كذلك نسبة لإرتفاع تكلفة التأمين لمخاطر الحرب ، وإذا تفاقمت الحالة الأمنية فى الإسبوع القادم أتوقع مغادرة معظم التمثيل الدبلوماسى لمدينة بورتسودان لإدارة أعمالهم من عواصم دول الجوار مصر أو إثيوبيا أو جدة لضمان سلامة الموظفين .
مسيرات بورتسودان نقلت الحرب الأهلية لمستوى جديد وتحول نوعى له آثار لوجستية وإقتصادية وسياسية ، هذه الحرب يجب أن تتوقف فوراً قبل الإنهيار الشامل.
#لاللحرب
#لازم – تقيف
كدة افضل علي الاقل العالم ينسي حاجة اسمها السودان نركب الكركابة ونعيش حياة بدو دولة الامارات قبل ظهور نعم البترول