الحرب و تداعياتها المتصاعدة

د. محمد حمد مفرح
الجزء ٢/٢
أود، في البدء و قبل أن أدلف إلى تكملة المقال عبر جزئه الثاني والأخير، أن أعبر عن عميق حزني وبالغ أسفي لما جرى بتاريخ ١ مايو بجزء عزيز من منطقة دار حمر، من قتل راح ضحيته عدد كبير من الأنفس العزيزة في كل من مدينة النهود، مدينتي خماس حلاب وخماس الدونكي وبعض القرى التابعة لهما، قرية السردابة التابعة للخوي، مدينة الخوي، وخلافها من مناطق شرق وجنوب شرق دار حمر، نتيجة قيام قوات الدعم السريع بأفعال قتل شنيعة استهدفت من خلالها عددا من المدنيين العزل.
هذا بالإضافة إلى حوادث سرقات واسعة شملت مختلف السيارات وغيرها، طالت عددا من المدن والقرى. ونتيجة لما حدث فقد شهدت هذه المنطقة، خلال ذلك اليوم والأيام التي أعقبته، حالة من الاضطراب العام والخوف والهلع، ما زالت تعاني منها.
ولا أملك، إزاء ما جرى من أفعال وممارسات يندى لها الجبين، إلا وأن أدين بأشد وأقوى العبارات ما تم من قتل للمواطنين من قبل الدعم السريع، مع تعبيري عن استغرابي وحيرتي لهذا التصرف الغارق في الوحشية والبربربة والذي لا أستطيع أن أوفيه حقه من الوصف من فرط شناعته. كما أدين كل حوادث السرقات التي حدثت سائلا الله أن يعوض المواطنين ما فقدوه وييسر أمورهم. ثم لا أملك، من بعد، إلا وأن أقول، إزاء كل ذلك، حسبنا الله ونعم الوكيل، مرارا وتكرارا، مع تضرعي لله بأن يأخذ بيد المنطقة وأهلها ويضع حدا لمعاناتهم عاجلا غير آجل.
ثمة سؤال يفرض نفسه هنا يتمثل في: لماذا لا يقدم الدعم السريع من قام يقتلهم لمحاكمات عادلة إذا كانت ثمة تهم ضدهم بدلا من قتلهم هكذا دون محاكمات؟!!!
من جهة أخرى فإن قيادة الدعم السريع مطالبة بتفسير ما قام به منسوبوها بالمناطق آنفة الذكر، على ضوء وعودها بالوقوف إلى جانب المواطن وقولها إلى منسوبيها (المواطن ثم المواطن ثم المواطن) في إشارة إلى حمايته ومساعدته. وعليها ألا تنسى أنها ظلت تتحدث عن دعمها للديموقراطية حتى اقتنع البعض إن لم يكن الكثيرون بذلك. غني عن القول أن ما ظلت تردده قيادة الدعم السريع من وقوف مع المواطن ودعم للديموقراطية يمثلان مباديء كان يتعين عليها الحرص كل الحرص على مراعاتها من خلال ضبط سلوكيات وممارسات منسوبيها حتى تقرن الوعود والتنظير بالمملرسة والعمل على الأرض. علاوة على ذلك فإن الدين والأخلاق والانسانية تحتم أيضا على قيادة الدعم السريع توجيه منسوبيها بالنأي عن هذه الممارسات وفاءا لوعودها آنفة الإشارة والاهتمام بالمواطن والدفاع عنه لا استهدافه في نفسه وماله.
ولما كانت هذه القوات قد قامت بما قامت به من ممارسات شنيعة ومرفوضة، فإن موقف قيادة الدعم السريع يتمثل في إحدى الإحتمالات التالية:
١.إما أن يكون منسوبوها قد خالفوا تعليمات القيادة التي كررتها مرارا والقاضية بضرورة عدم استهداف المواطن لأي مسوغات أو مبررات مهما كانت، وبالتالي يتعين على القيادة محاسبتهم على هذه الجرائم لإثبات صدقيتها.
ومما يجدر ذكره أن قيادة الدعم السريع سبق وأن ادعت أنها أنشأت محكمة لمحاكمة الخارجين على قانونها.
٢.وإما أن تكون القيادة قد فقدت السيطرة على منسوبيها فأصبحوا خارج دائرة سيطرتها، وعليها في هذه الحالة الإعتراف بذلك والإعتذار للمواطنين عن جرائم منسوبيها مع السعي لإيجاد حل لهذه المعضلة النكبة المتمثلة في الإنتهاكات آنفة التوصيف.
٣.وإما أن تكون هذه القيادة تطلق الوعود وتدعي العمل وفق مباديء وقيم تكذبها أفعال وممارسات منسوبيها على الأرض.
ومما يثير الدهشة أن قيادة الدعم السريع درجت، في الغالب، على عدم الإشارة، في تصريحاتها وبياناتها، إلى الإنتهاكات التي حدثت سابقا بولايات الجزيرة وشمال كردفان والنيل الأبيض أو انكارها على استحياء، ما يؤكد أن وعودها بالوقوف إلى جانب المواطن زائفة ولا تستند إلى صدقية.
وبعد … فقد اختتمت الحلقة الأولى من هذا المقال بقولي (أن المنطقة الشرقية والجنوببة الشرقية لدار حمر لم تحظ حتى تاريخه بالدعم اللازم أو الحماية من الهجمات التي ظلت تتعرض لها من قبل بعض المنسوببن للدعم السريع والهمباتة). وليس أدل على ذلك من أن هجمات الدعم السريع واللصوص تكررت بل وظلت مستمرة الى يوم الناس هذا).
وقد صادف نشر الجزء الأول من المقال هجوم الدعم السريع على النهود واحكام قبضته عليها وعلى الخوي مع ارتكاب كل الفظائع سابقة الذكر. وقد توالت هذه الفظائع حيث طالت القرى والمدن، وفقا للأخبار التي ترد من هذه المنطقة. ليس هذا فحسب بل تسبب هذا الوضع المأساوي في عملية نزوح واسعة من النهود والخوي للقرى المجاورة لهما، مفرزا وضعا انسانيا كارثيا يتمثل في إنعدام أبسط مقومات الحياة من غذاء ودواء وخلافهما.
من جانب آخر فإن السؤال الذي يفرض نفسه هو: كيف سقطت النهود رغم كل التحوطات التي أتخذت لحمايتها والتي فاضت بها وسائل الإعلام والميديا وغطت الافاق؟!!!
أما بالنسبة للخوي فهي أصلاً كانت مكشوفة وبلا حماية تذكر وسقوطها كان فقط اعلانا رسميا لأمر واقع أصلا.
مجمل القول أن النهود والخوي والمنطقة الشرقية والجنوببة الشرقية لدار حمر عامة تمر بكارثة غير مسبوقة في تاريخها. وتبعا لذلك فإن الحكومة مطالبة بشدة بالقيام باللازم تجاه حماية أهالي هذه المنطقة وحماية ممتلكاتهم في هذا الظرف العصيب. وتأتي أهمية هذه الحماية من أن هذه المنطقة تعتبر عماد المعيشية لأهالي غرب وشمال كردفان ومن أهم أعمدة الاقتصاد السوداني. لذا فان حالة الاضطراب وعدم الاستقرار هناك ستتسبب في مجاعة طاحنة، خاصة وأن الخريف على الأبواب.
كذلك يتعين على قيادة الدعم السريع القيام باللازم حيال إجراء محاكمات لكل منسوبيها الذين ارتكبوا جرائم القتل والسرقة المشار إليها، بهذه المنطقة، إذا كانت تستهدف حماية المواطن كما تدعي. كما يجب عليها ضبط سلوك وممارسات منسوبيها في المنطقة وتوجيههم للكف عن ما يجري من فظائع لا تمت إلى الإسلام ولا الأصول ولا الإنسانية بصلة.
ويتوجب، من جهة أخرى، على قيادات المجتمع وعقلاء المنطقة التفاكر في التوصل لٱنجع السبل لكل ما من شأنه حماية المواطن والحفاظ على ممتلكاته مع تهيئة الظروف له حتى يتمكن من ممارسة أنشطته المختلفة و خاصة النشاط الزراعي.
هذا الأمر مطلوب بالحاح، في ظل التحديات الجمة التي تواجه المنطقة وأهاليها.