مقالات وآراء
بورتسودان وأبوظبي.. مأزق السيادة السودانية بين المصالح الداخلية والتوازنات الخليجية

محمد الهادي
في ظل التصعيد السياسي المتسارع الذي يشهده السودان، يبرز الجدل المحتدم داخل أروقة سلطة الأمر الواقع في بورتسودان حول الموقف من دولة الإمارات، عقب تزايد الدعوات لإعلانها “دولة عدوان” وقطع العلاقات الدبلوماسية معها، استناداً إلى ما تعتبره بعض الأطراف السودانية دوراً مباشراً لأبو ظبي في تغذية الصراع الأهلي ودعم أطراف مسلحة تزعزع استقرار البلاد، غير أن هذا التوجه، رغم وجاهته السياسية لدى شريحة من الفاعلين، يواجه مقاومة واضحة من بعض رموز السلطة ومنتسبيها، الذين يرون في التصعيد مع الإمارات مجازفة استراتيجية قد تضر بمصالح السودان الخارجية وتضعه في مواجهة إقليمية أوسع.
فالموقف من الإمارات لم يعد محصوراً في نطاق العلاقات الثنائية، بل بات متشابكاً مع شبكة مصالح معقدة تمتد إلى البنى الاقتصادية والشخصية لبعض الفاعلين السياسيين في السلطة الحالية، الذين راكموا خلال سنوات حكم الإنقاذ علاقات شخصية ومؤسسية مع أبو ظبي، وهذه العلاقات، التي تتراوح بين الشراكات الاستثمارية والتنسيق الأمني والسياسي، تمثل حاجزاً عملياً أمام تبني خطاب عدائي حاسم ضد الإمارات، كما أن بعضها يرتبط بمصالح مباشرة تتجاوز الاعتبارات السيادية، وتضعف الإرادة السياسية لدى من يُفترض أنهم في موقع الدفاع عن استقلال القرار السوداني.
وفي بُعد آخر، فإن أي خطوة أحادية من جانب السودان نحو تصنيف الإمارات كدولة عدوان تضع الدول الخليجية الأخرى، لاسيما قطر، في موقف دقيق ومعقد، فقطر، التي تُعد من الداعمين الإقليميين الأبرز لسلطة الأمر الواقع في بورتسودان، تجد نفسها مضطرة للموازنة بين التزاماتها السياسية تجاه السودان، وبين انضباطها المؤسسي داخل إطار مجلس التعاون الخليجي، الذي تحكمه اتفاقية دفاع مشترك مع ابو ظبي، وهذه الاتفاقية تنص صراحة على أن أي عدوان على عضو في المجلس يُعد عدواناً على بقية الأعضاء، الأمر الذي يجعل من التصعيد السوداني تجاه الإمارات إحراجاً فعلياً للدوحة وغيرها من العواصم الخليجية، ويضعها أمام اختبار صعب لمعادلة التضامن الخليجي مقابل الانحياز للجيش.
وبناء على ذلك فإن المشهد الراهن يكشف عن التباين الحاد في أولويات النخبة الحاكمة في بورتسودان، بين من ينظر إلى العلاقة مع الإمارات كأداة تدخل إقليمي يُفترض التصدي لها، وبين من يرى فيها مصدر نفوذ ومكاسب يتعين الحفاظ عليها. في المحصلة، فإن الموقف من الإمارات لم يعد سؤالاً خارجياً، بل بات مرآة لصراع داخلي حول طبيعة السيادة، ومكانة السودان في خارطة التحالفات الإقليمية، وقدرته على بناء موقف مستقل لا يختزل في ضرورات التمويل ولا يرضخ لابتزاز المصالح الشخصية أو التوازنات الخليجية الدقيقة.
ووسط هذا التداخل الحرج، يبدو أن أي خطوة نحو إعلان الإمارات دولة عدوان، ما لم تُبنَ على استراتيجية وطنية متماسكة وخطاب دبلوماسي رصين، ستظل حبيسة التردد، عرضة للتجاذبات، ومفتوحة على احتمالات التصعيد أو العزلة، في منطقة تُدار فيها التحالفات بقدر كبير من التداخل الأمني والاقتصادي، لا بمجرد الشعارات السياسية أو الغضب السيادي العابر.