حين يصبح الدعاء حجابًا عن الفعل: في نقد عبارة ”ربنا يولي من يصلح”

نبيل منصور
“في زمن تتكرر فيه النكبات، وتغيب فيه المسؤولية، نسمع الدعاء نفسه يتردد وكأنه نشيد العجز : “ربنا يولي فينا من يصلح”. جملة تبدو بريئة، لكنها تُعبّر عن هروب مشترك من واجب التغيير، وتفويضًا أعمى بل استسلام كامل للمجهول. فهل هذا الدعاء غطاء لكسلنا ؟ أم قناع نخبئ به عجزنا عن المشاركة في صناعة المصير؟ .في هذا المقال، نحاول تفكيك هذه العبارة بعيون فلسفية، وبإيمان لا ينفصل عن العقل”.
حين يصبح الدعاء حجابًا عن الفعل: في نقد عبارة ”ربنا يولي من يصلح”
من بين العبارات التي تتردد على ألسنة الناس في أزمنة الأزمات، تأتي تلك الجملة الشهيرة: “ربنا يولي فينا من يصلح لحكم البلاد والعباد”. عبارة تبدو في ظاهرها دعاءً بريئًا، لكنّها في جوهرها تكشف عن خلل عميق في فهم العلاقة بين الإنسان والقدر، بين الدعاء والفعل، بين ما هو إلهي وما هو بشري.
بين الدعاء والتواكل
ليست المشكلة في الدعاء من حيث هو باب للرجاء، بل في طريقة استخدامه كمظلة نغطي بها عجزنا أو تقاعسنا عن أداء أدوارنا. الدعاء ليس بديلاً عن الفعل، بل هو رفيقه وسنده. فحين يكتفي الإنسان بأن يتمنى أن يولِّي الله من يصلح، دون أن يسعى هو إلى اختيار الأصلح، أو إلى إصلاح بيئته، أو إلى مقاومة الفساد، فهو إنما يتخلى عن جوهر مسؤوليته، ثم ينسب نتائج تقاعسه للغيب.
الإرادة الإلهية والإرادة الإنسانية
الله، في عدله ورحمته، منح الإنسان حرية الإرادة، وجعل له نصيبًا في تقرير مصيره، ثم حمله أمانة المسؤولية والمحاسبة: “فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر”، “من يعمل مثقال ذرة خيرًا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرًا يره”. وليس هناك في النصوص ما يشير إلى أن الله يتدخل قسرًا في شؤون البشر اليومية، فيمنحهم حاكمًا صالحًا رغم تخاذلهم أو فسادهم.
والواقع يشهد: لم يأتِ الظلم من فراغ، ولم يُفرض الطغاة من السماء، بل خرجوا من صمت الجماهير، من قبول العامة، من انهيار المنظومة الأخلاقية والسياسية التي سمحت بصعودهم. ولذلك فإن عبارة “يولي من يصلح” تصبح أحيانًا عذرًا للهروب من المحاسبة، سواء لأنفسنا أو لمن ولّيناه من دون رقابة.
الحاكم مرآة قومه
كثيرًا ما يُردّد المفكرون والعلماء أن “الحاكم مرآة قومه”، وهي عبارة تؤكد مبدأ قرآنيًا ضمنيًا : “وكذلك نولي بعض الظالمين بعضًا بما كانوا يكسبون”. هذا يعني أن الله لا يولي الفاسدين إلا حين يفسد الناس، وأنه لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
في ضوء هذا، يصبح الدعاء الصادق هو الذي يقترن بالفعل، لا الذي يرفعه الناس بألسنتهم وهم غارقون في السلبية، ويصبح الإصلاح الحقيقي مسؤولية جماعية، لا معجزة تنتظرها الشعوب من السماء.
حين يُساء فهم القضاء والقدر
قد يحتج البعض بأننا لا نملك من أمرنا شيئًا، وأن الحاكم هو “قسمة ونصيب” من أقدار السماء. لكن هذا الفهم ليس من الدين في شيء. القضاء والقدر لا يعنيان إلغاء العقل أو تعطيل الحرية، بل يعنيان أن الله يعلم ما سنفعله دون أن يُجبرنا عليه. فالإنسان مُخيَّر، وإلا ما كان للثواب أو العقاب معنى. إن من يقول: “دعوا الأمر لله فهو من يولي الحاكم”، قد يضطر في موقف آخر أن يسأل الله : “لماذا تدخلت؟”، تمامًا كما سيسأله بعض الناس يوم القيامة: “لماذا جئتَ بنا إلى الدنيا دون مشيئتنا؟”.
هذا المنطق المتناقض يكشف خللًا في تصور العلاقة بين الله والإنسان، بين الخالق والمخلوق. فالله لا يتدخل في ما خوَّل الإنسان أن يختار فيه، إلا إن شاء لحكمة تتعلق بالعقاب أو بالعظة أو بالرسالة.
دعاء أم تواطؤ ناعم؟
الدعاء – حين يتحول إلى بديل عن العمل – يصبح تواطؤًا ناعمًا مع الظلم. كأننا نقول لأنفسنا : “لسنا مسؤولين، الله من قرر”. وهو منطق يبرر الركون، ويعفينا من المساءلة. لكنه يناقض الدين والعقل والواقع. فالشعوب لا تتحرر بالدعاء وحده، ولا تُبنى الأمم بتكرار الصيغ المريحة. بل بالوعي، والتنظيم، والفعل، والنقد الذاتي.
الخاتمة :
لا يولِّي الله، بل نحن نولِّي
إن الله لا يختار حكامنا، نحن من نختارهم – بالتصويت، أو بالسكوت، أو بالقبول. وما يجري علينا من ظلم هو ما صنعته أيدينا أو ما فرطنا فيه. فلنكفّ عن دعاء لا يحمل في جوفه مسؤولية. ولنجعل من ألسنتنا أبوابًا للفعل لا ستائر للتواكل.
الله لا يولِّي، بل نحن نولِّي، ثم نحاسَب.
كم انا سعيد وانا أري مزيدا من التنويريين في هذا العدد من الراكوبه وهم يعملون لاخراج الناس من الظلمات الي النور .!!!
بالفعل استاذي الفاضل لم تقل في مقالك هذا الا الصدق ربنا يولي فينا من يصلح”. جملة تبدو بريئة، لكنها تُعبّر عن هروب مشترك من واجب التغيير، وتفويضًا أعمى بل استسلام كامل للمجهول. فهل هذا الدعاء غطاء لكسلنا ؟ أم قناع نخبئ به عجزنا عن المشاركة في صناعة المصير؟
هذه القولبه التي نراها امامنا وسمعتها آذاننا دوما هي احد نماذج اساليب سيطرة الفكر الظلامي علي عقول ومصائر الناس وهي متطابقه تماما
لما يقوله شيوح الضلال والحيض والنفاس عندما تسفتيهم في شيئ فهم يصدعونك بكلمات وعبارت متداخله غير واضحه وهم يفتون لك وفي نهاية فتواهم التي بكل تأكيد تخرج منها دون ان تفهم شيئا مما قالوه ودون ان تحصل علي اجابه واضحه لما سألت عنه وفي نهاية تهريجهم يقولون لك ( والله اعلم ). هروبا من المسؤوليه عن مايسترتب علي فتواهم . هؤلاء هم من يطلقون علي انفسهم هيئة كبار علماء السودان او علماء مجمع الفقه الاسلامي وهم في الاصل مجرد شوية عطالي جهلاء .
المشكلة ليست في الدعاء . المشكلة في عدم العمل و كان عليك أن تنبه الى الاهتمام بالعمل مع الدعاء لأن المسلم الذي يدعو ربه بصدق يعمل مع الدعاء
على سبيل المثال , لا يمكن للمسلم أن يدعو ربه أن يجعله من المتقين المقربين و هو منغمس في الشهوات يعاقر الخمر أو يتلاعب بالنساء أو يأكل أموال الناس بالباطل . عليه أن يبدأ بالتوقف عن المعاصي اذا كان صادقا في دعائه