المقالات والآراء

التعليم في مرمى السياسة ومأمون حميدة الرامي!

✍️ محمد هاشم محمد الحسن

في زمنٍ تتهاوى فيه أركان الأوطان، وتتراجع فيه قيم العقل والعلم أمام ضراوة النزاعات، يبرز قرار إحدى المؤسسات التعليمية البارزة، جامعة العلوم الطبية والتكنولوجيا، بالعودة إلى قلب الخرطوم، وبالتحديد إلى مجمعها بالرياض. قرارٌ كان من المفترض أن يبعث الأمل في نفوس جيل أثقلته ويلات الحرب، لكنه سرعان ما تحوّل إلى مثار لأسئلة مؤلمة حول المساس بقدسية التعليم وخلطه بالسياسة، وكيف يمكن لمؤسسة تحمل اسم العلوم أن تتجاهل أبجديات الواقع.

لا شك أن قرار العودة يحمل في ظاهره شجاعة وتحديًا للظروف القاسية التي تمر بها العاصمة. فالخرطوم اليوم ليست المدينة التي نعرفها؛ إنها مسرح لعمليات عسكرية مستمرة، تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة من كهرباء وماء ومواصلات، وتحت طبقات ترابها تتوارى أحلام الملايين. فكيف يعقل أن يُطلب من ولي أمرٍ، دفع آلاف الدولارات ثمنًا لمستقبل ابنه، أن يودعه في بيئة كهذه، حيث الخطر يتربص بكل زاوية، وحيث المسيرات تحلق فوق الرؤوس ككابوس يومي؟ إنها ليست دعوة للتعليم، بل هي دعوة للمغامرة في جغرافيا الخوف والقلق، ورهان على أرواح الطلاب وأمنهم، وكأن الجامعات أصبحت مساحات لـ (جهاد أكاديمي لا لـ (بناء معرفي).

ما يزيد من عمق الجرح، هو إعلان الجامعة عن استثناءات ومنح خاصة لمن شاركوا في حرب الكرامة من الطلاب والأساتذة. هنا، تتدخل السياسة في صميم العملية التعليمية، وتُقوّض مبدأ تكافؤ الفرص الذي هو حجر الزاوية لأي نظام تعليمي عادل ومنصف. هل يعني هذا أن مقاعد العلم أصبحت تُوزّع وفقًا للمشاركة في النزاعات، بدلاً من الاستحقاق الأكاديمي والقدرة المعرفية؟ هل أصبح معيار الكرامة يقتصر على حمل السلاح، بينما تُهمش كرامة آلاف النازحين واللاجئين، الذين فقدوا كل شيء، والذين قد يكون التعليم فرصتهم الوحيدة لإعادة بناء حياتهم؟ إنها رسالة صريحة بأن الولاء بات يسبق الكفاءة، وبأن الشهادة قد تُمنح بناءً على صك التضحية العسكرية لا على نبوغ العقل.

إن خلط التعليم بالسياسة العسكرية يُفرغ المؤسسات الأكاديمية من مضمونها الأساسي كملاذات للمعرفة والتفكير النقدي، ويُحولها إلى أدوات لخدمة أجندات ضيقة. الجامعات هي منارات للعلم، يجب أن تكون محايدة، حاضنة للجميع، بغض النظر عن انتماءاتهم أو مشاركتهم في النزاعات. عندما تبدأ المؤسسات التعليمية في التمييز بناءً على مثل هذه المعايير، فإنها تفقد مصداقيتها، وتُصبح جزءًا من المشكلة لا من الحل. هذا التوجه يهدد بتقويض البنى التحتية المعرفية للمجتمع، ويُكرس الانقسام، بل ويغرس بذور صراعات مستقبلية بين الأجيال التي سترى في التعليم امتيازاً وليس حقاً.

والسؤال الذي يفرض نفسه بقوة هل عادت مؤسسات الدولة النازحة من بورتسودان حتى يعود الطلاب؟ هل استعادت الخرطوم عافيتها الإدارية والخدمية لتكون بيئة جاذبة للدراسة والمعيشة؟ والأكثر أهمية، هل عاد البروفيسور مأمون حميدة نفسه ليهيئ بيئة الجامعة لعودة الطلاب، أم أن القرار أُعلن من مسافات آمنة، تاركًا الطلاب وأولياء الأمور يواجهون واقعًا لم يُشاركوا في تهيئته؟ هذا القرار يبدو وكأنه يأتي في إطار البحث عن الشرعية تحت ركام الحرب وعلى أشلاء السودانيين، محاولة لإثبات وجود أو فرض واقع معين، بعيدًا عن أولويات المواطن البسيط وحاجاته الأساسية.

إن هذا ليس سوى امتدادًا لـعقلية الكوز الذي لا يهمه سوى تمرير أجندته، حتى لو كان ذلك على حساب الشعب. هذا هو نفس مأمون حميدة الذي قال قبل اليوم (الماعندو قروش داير يقرأ لي شنو)، ويحدثنا اليوم عن القيم الوطنية وكرامة التضحية. إنه تناقض صارخ بين الأقوال والأفعال، يكشف عن ازدواجية في المعايير، حيث كانت الفرص التعليمية بالأمس حكرًا على القادرين ماليًا، واليوم تُقدم كـ(مكافأة) لمن يخدم أجندة معينة. هذا النفاق يضيف جرحاً آخر لثقة الشعب في مؤسساته، ويُؤكد أن القرار برمته ليس سوى مناورة سياسية تستغل تضحيات الوطن لتمرير غايات خاصة.

إننا نتحسر على واقع يدفع بأغلى ما نملك ، شبابنا ومستقبلنا ، إلى غياهب المجهول، باسم العودة أو الكرامة. فليكن التعليم سبيلًا لبناء الوطن، لا أداة لتعميق انقساماته. وليكن العدل والمساواة هما أساس القبول، لا بطاقة المشاركة في نزاع لا نهاية له. لأن جرح خلط التعليم بالسياسة، وتبعات القرارات المتأثرة بها، سيظل غائرًا في جسد الوطن لأجيال قادمة، وسيزيد من صعوبة التئام جراح مجتمع أنهكته الحروب وانحرفت بوصلة أولوياته.

‫4 تعليقات

  1. أخونا محمد هاشم هذا الانتهازي المدعو حميضة راجع لانو في اخوانه من الكيزان أثاروا قصة استيلاءه من عهد القشير علي مساحات واسعة حول جامعته شرق المطار وشعر بإنه مهدد بفقدانها ومعاها مستشفي الزيتونة الذي يتبع للاوقاف لكن بفعل الفساد تمت ايلولته لهذا التمساح .زي ما بنقول دايما الحرب دي ما حتنتهي طالما في حاجة اسمها مكتب الرئيس الذي من داخله تدار كل المفاسد…

  2. مأمون حميضه كوز شره جدآ للمال وفاسد حتى نخاعه العظمي، وهو الذي قام بدمار المنظومة الصحية في السودان وجفف مستشفيات القطاع العام وإستفاد جدآ لمصلحته الخاصة من الإستغلال السيء الفاسد لمنصبه الوزاري في عهد عمر الحقير وبقية عفن وطحالب الكيزان. وفوق فساده الكبير فهو شخص نغرور نليء بالزهو والكبرياء الأجوف.

  3. القذر حميدة هو من بدأ سياسة وضع إمتحانات (للمجاهدين) في جنوب السودان وفورة التعليم العالي التي أفرغت التعليم من مضمونه وسياسة التعريب والاسلمة التي حولت الجامعات إلى محض كتاتيب وخلاوي.
    بعد ذلك إنداح حميضة على نفسه فصار مسيطراً على قطاعي الصحة والتعليم العالي.

    غايتو مستوى النتانة القذارة في هذا الحميضة لا شبيه لها.

  4. إنتهازية شديدة من هذا الحميضة كان اول الهاربين والان اول الراجعين لشفط ما تبقي في البلد …يجب لو في الية مكافحة فساد التي ذكرها السجمان في خطابه محاسبة هذا الغول علي الاراضي والاوقاف التي نهبها علي مدي سنين والسجمان نفسه استولي علي جامعة خاصة وحكومية لجيبه الخاص ودققي يا مزيكا الفساد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..