مقالات وآراء

الإسلام السياسي حصار الزمان والمكان

خالد فضل

 

ما هو أقصى نماذج الحكم الذي يروّج له جماعات الإسلام السياسي ؟ إنّها دولة الخلافة الإسلامية . أليس ذلك هو الوعد الذي تنشده تلك الجماعات في سعيها لإنزال قيم السماء على الأرض كما تدعي في أدبياتها . فهل بات الزمان يسمح بذلك , وهل الجغرافيا تسعفهم لتحقيق ذلك الحلم , بحيث يصير علي كرتي أو راشد الغنوشي أو خالد مشعل خليفة المسلمين , ويأتيه خراج الولايات زيتونا وبغالا وقماشا . بل حتى السلطان أردوغان يتصور أن يجلس على الأريكة يحيط به الندماء والفقهاء والشعراء وأمناء الدواووين ليقسّم الفيئ الوارد من غزوة أرمينيا بمن فيه من غيد حسان !!

ما دون الخلافة الإسلامية تبقى حدود الدولة القطرية بمفهومها الحديث , بحدود جغرافية معترف بها في الأمم المتحدة الذي يمكن أن توصف بلغة تلك الجماعات (مركز الخلافة الأممية) وخليفتها الراهن السيد انتونيو غوتريش , يأتيها خراج الولايات في شكل تمويل وإشتراكات الدول الأعضاء اليوم تعتبر نيويورك الأمريكية هي مقر تلك الخلافة وليس المدينة المنورة أو دمشق ولا بغداد أو استانبول . لم تعد صكوك خليفة المسلمين أو (الفقيه الولي) تسري في تعاملات البشر اليوم بل صكوك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومنظومة العهود والإتفاقات الدولية في هذا الشأن , بما في ذلك اتفاقات مصائد السمك , واستغلال المعادن النادرة .

ما الغرض من وجود تلك التنظيمات إذن , إذا كان هدفها النهائي قد تجاوزته البشرية منذ قرن من الزمان على الأقل ؛ بسقوط آخر خليفة للمسلمين وقيام جمهورية تركيا العلمانية . هل بات نضالها وكفاحها من أجل الحكم الإسلامي حصريا في الحيز الجغرافي للدولة , بمعنى أوضح قطرية و وطنية نموذج دولة الدين الإسلامي ؟ هل للدين الإسلامي حدود جغرافية ؟ كيف يتم التوفيق بين القطرية والوطنية والمعتقد الذي لا يعترف بتلك الحدود , التلفيق لا يجدي في هذه الحالة فمناهج البحث العلمي وتقدّم التقانة بشكل مذهل صار اليوم يفضح أي دعاوى تلفيقية , كما صارت المرجعيات الدولية هي أساس النظر والمقارنة , كل خطوة تخطوها أي دولة تحال مباشرة بسند في القانون الدولي سواء كان ذلك شكوى بإرتكاب إبادة جماعية أو تزويد مجموعة إجرامية بالسلاح أو تشييد خزان على مجاري الأنهار أو تنازع على مناطق حدودية , ناهيك عن تحقيق أهداف الألفية وتمكين النساء وصون المناخ والتنمية المستدامة . فلماذا لم تستند جماعة الإسلام السياسي المهيمنة على السودان منذ 36 سنة إلى مرجعية الكتاب والسنة النبوية في شكاويها ضد مصر حول مثلث حلايب أو ضد الإمارات في موضوع الإبادة الجماعية لإثنية المساليت مثلا, ولماذا ترفض قرارات المحكمة الجنائية الدولية حول نفس القضية . أليست هي الجماعة التي تزعم تبنيها ومسؤوليتها الحصرية في تمثيل الإسلام على الأرض , أ ليس كل حركة أو سكنة في سبيل الله ؛ بما في ذلك حيازة المخططات السكنية وابتناء المولات والفلل الفاخرة وتمويل الفضائيات الطاهرة , وذبح وتصفية متطوعي العمل الإنساني باعتبارهم متعاونين مع المليشيا, وهل العقرب التي أودت بحياة الأستاذ صلاح الطيب في العزازي سوى جند مسخرة من جنود الله !!

من الواضح أنّ تنظيمات الإسلام السياسي بنسخها الجهادية قد وصلت إلى نهاية طريقها المسدود , تبدد حلم وصول الهدف النهائي بإقامة الخلافة الإسلامية على أنقاض الدولة القطرية العلمانية بطبيعتها , صارت داعش عبارة عن (ذئاب مفردة) تفجّر قنبلة هنا وحزام ناسف هناك لتتبارى الفضائيات بكل لغات العالم في نقل العواجل بصفة مشتركة (عملية إرهابية) فهل تؤسس دولة الخلافة على الإرهاب ؟ وهل سبي النساء الأيزيديات في بلاد الرافدين هو أهداف التنمية المستدامة نسخة الدولة الإسلامية . صارت كتائب القسّام في غزّة وعناصرها تلوذ بالسراديب والأنفاق لإتقاء القنابل الذكية وارد إسرائيل , وصار جيش حزب الله تائها وحيدا معزولا مسجونا في الضاحية الجنوبية لبيروت تفزعه رفرفة أجنحة سرب طيور نازحة تمخر سماء لبنان , خشية أن تكون سرب طائرات سلاح الجو الإسرائيلي , لن يبلغهم (سراقة) في مسربهم السريّ ؛ فيأتيه الوعد الصادق بتاج الكرملين أو عرش البيت الأبيض بل وصلتهم أجهزة البيجر شديدة التفجير . صار الحوثي محتميا بوعورة جبال اليمن يتحسس أن تدكه جحافل جند عاصفة الحزم بمن فيهم من جنود الأورطة السودانية (بملشييها ونظامييها) فتأمل في حال ابن طلحة يجعّر في البرية مستشهدا بمرويات شيخيه العليان (عثمان وكرتي) .

بعض تنظيمات الإسلام السياسي بقيادة الأمير المجاهد الجولاني , الشرع عندما دخل دمشق , كان جنده جند الله يلوحون ببنادقهم , فيما كانت قنابل إسرائيل الذكية تجوس في الديار تدمّر كل مخازن الذخيرة لم تبق على مستودع لمدد يعين في قادمات الايام , لم يبق سوى إبرام اتفاق بين قطرين بعد التخلي عن وهم الخلافة من البحر للنهر وغزوة الأمصار .

بقيت مجموعات السوادنة , يحاط بها من كل الجهات , من سواحل المتوسط والشرق الليبي إلى نفقطة الإلتقاء مع جنوب السودان , وتظل بوكو حرام تلوص في تيه الصحراء , تلتقط عناصرها وحدات مكافحة الإرهاب في الدولة القطرية في غرب إفريقيا ووسطها حتى تشاد . قطعت خطوط الإمداد وتدفقات المجاهدين يا صاح . فإرتيريا اسياس ليست بملاذ . ودون إثيوبيا هضاب ووهاد , وليس في مصر المؤمنة بأهل الله ديار ترحاب , فأين اللواذ ؟ فالبحر لم يعد آمنا لمرور شحنات السلاح , والبر يضيق من الغرب ومن الجنوب , ويتردد البرهان في تشوين السلاح , يتلعثم الكباشي بقول نصفه صريح ؛ لا إرتكاز ولا تشوين , والمدن اليباب تزأر (البراؤون للحل) فأين المفر , غاب الهدف , تاهت البوصلة بفضل تطور البشرية وميثاقها _رغم العثرات_ حقوق الإنسان , فلا مكان لجهاد باسم الله , ولا سلطة لخليفة دون انتخاب .

الرجوع للصواب شاق , وسيطرة الأوهام تغلق مسارب الرشد والوعي , لكن لابد مما ليس منه بد , انتهى زمن التلفيق والتزوير والإستهتار, اتهى زمن خم الناس بالشعار البراق , حانت ساعة الحقيقة التي ليس من دونها حجاب .. اندثر عصر تنظيمات الإسلام السياسي غير مأسوف عليها , عليهم البحث عن طوق نجاة ممدود في قضاء دولة وطنية ديمقراطية علمانية , تتساوى فيها الأقدار وتنضبط بالقانون , ويبقى حق الفرد في الإعتقاد عهدا مصان . تلك قيمة الديمقراطية ونظام الحكم الحديث , وهو مسار تطور عسير لكنه غير مستحيل , المجد للساتك التي تضئ الطريق .

 

[email protected]

‫3 تعليقات

  1. ليس بالضرورة ان تكون وحدة المسلمين بالخلافة التي ذكرت هذه مجرد اشكال وصور للوصول لجوهر وليس هي جوهر الموضوع امثالك يخلط خلط متعمد بين سلوك المسلمين وبين قيم الاسلام الربانية . سلوك المسلمين مقاربة بشرية يعتريها ما يعتري سلوك البشر اما مباديء الاسلام فهي قيم ربانية ( الا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) .كما يسعي كل انسان لتسهيل حياته في هذه الدنيا الفانية بكل الوسائل وهو امر مشروع هنالك اخرين عندهم ايمان بان بعد هذه الحياة الدنيا الفانية هنالك حياة تحتاج الى سعي اخر لن يترك هولاء الساعين للحياة الاخرى ىالطرق التي تقودهم للخلود هنالك غض النظر عن ان السعي بطرق هي كلها صواب او بطرق قد يشوبها شيء من مجانبة الصواب نعم بين هولاء من اقصد المجموعة التي انت تسميها ( اسلام سياسي) من يسعي للدنيا فقط ولكن بينهم مخلصين وسيظل الصراع بين الخير والشر والحق والباطل مستمر لن تترك انت علمانيتك وايمان برفاه دول الغرب ومن لف في محاورهم ولن يترك اهل الاسلام السياسي سعيهم ……….. انتهى

    1. أشكرك كثيرا على المرور , ليس هناك خلط بين الإسلام وتصورات البشر أكثر مما تفعله جماعات الإسلام السياسي . فهذه الجماعة تقسم العالم الى فسطاطين , هم وبقية العالم جاهليون وعلمانيون , إن لم تك ملما بجوهر فكرتهم عليك بالبحث . ففي فضاء العلم الحديث تيسير للباحثين , أدلك على كتيب بعنوان فقه الحركة , يفيدك في معرفة جوهر فكرهم وحركتهم الغسلامية . أما إسلامية الدول , فهذا مجال دراسة علمية موجودة على الانترنيت , ما عليك سوى كتابة , دراسة معايير اسلامية الدول , بإضافة اسم حسين سكاري , اقرأ ما تيسر لك منها ثم عد لتحديد موقعك , يا سيدي الدولة ونظام الحكم مؤسسات وليست أفراد , بطبيعتها علمانية . مع فائق التقدير على مساهمتك القيمة

    2. واحدة من اكثر مغالطات الاسلام السياسي هي محاولة التمييز بين (سلوك المسلمين وبين القيم الربانيه) وهو بالطبع قول فيه حسن ظن بعيد ان احسنا الظن او خبث عجيب ان أسأناه!
      عمليا القيم الربانيه لا تعني شيئا لو فرقنا بينها وبين سلوك المسلم‘خذ مثلا قيمة مثل العدل كيف نعرفها ان لم نقارنها بسلوك او فعل معين؟ فأنت تقول هذا عدل مقارنة بموقف او مسلك تعرفه وليس علي الإطلاق لأن ذلك سيجعل من تعريف العدل نفسه مستحيلا وهذا الامر ينطبق علي بقية القيم كلها فنحن نعرف قيمة ما مقارنة الي حالة مشابهه نعرفها وهو ما يجعل الامر نسبيا حيث تختلف قيمة العدل مثلا من مكان لآخر حسب ثقافتهم ودرجة تطورهم و وعيهم والامر ينسحب حتي علي الربوبية نفسها،فإعتقادك للرب او الإله هو تصورك له او ما امنك من تصوره منه وبالقطع هو تصور خاص بك وقاصر وقد يكون بعيدا عن الواقع لكنه مقنع بالنسبة لك ولمجتمعك.
      الامر الآخر (القيم) جميعها بشريه وليست ربانيه وهي سابقة للدين فالناس عرفت الرحمة والعدل والعطف والتبجيل وغيرها قبل ملايين السنين وبالضبط بقدر الفارق بين إنشاء اول انسان وابتكار اول دين ومن المعلوم ان اقدم الاديان لا يتعدي ال 10 الف سنه بينما تاريخ البشر يعود لملايين السنين.. الاديان جاءت مؤخرا وتحاول نسبة جميع الفضائل وعصارة تجارب الشعوب اليها وفشلت حتي في ذلك وبان عوارها في عصر العولمة والوعي والاستناره

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..