
● حين احتدمت نيران العداء بين الهند وباكستان، وحين كان الشحن الطائفي على أشده، وحين كانت الدماء قاب قوسين من السيلان، وقبل أسبوعين من الحرب أخبرني أحدهم أن الوضع سينفجر وبدأت هناك حملات تصعيد كبيرة قد تقود للحرب، وقد كان. ولكن وقف المجتمع الهندي وقال: لا!! ولم تكن الكلمة قرار حكومة، ولا استراتيجية جنرال، بل كانت خلاصة نضج أمة عرفت أن الحرب فخ وذاقت مرارتها وعانت ويلاتها، وأن السلام رغم تعقيداته أرحم من طيش القنابل، لذلك أوقفت الهند وباكستان الحرب، لا لأن السلاح غاب وهما البلدان النوويتان، بل لأن الوعي كان أقوى، وكان التاريخ المرير الذي يئن تحت وطأة تقسيم 1947م، الذي قسّم البيوت والقلوب، الذي جعل الأم تبكي ابنها في الجهة الأخرى من الحدود، والذي جعل الأب يدفن عائلته ليلاً في صمت الخوف، حاضراً في الوجدان، شاهراً ذاكرته كسيف على رقبة الحرب، هل يذكرنا ذلك بأهلنا في جودة وأبيي وبحر العرب؟؟!
– في الهند وباكستان لم يكن التداخل الأسري رفاهية اجتماعية، بل كان شبكة مانعة للغرق في وحل العداء، في دلهي المدينة التي تحمل في أزقتها حكايات المهاجرين من لاهور وكاراتشي، لا يمكنك أن تتحدث عن الحرب دون أن تجرح أحدهم في جذوره، دون أن تصفع ذاكرة أحدهم عن بيتٍ تركه في لحظة فوضى، حين يصبح عدوك ابن خالك، وصديقك ابن قرية أبيك، يسقط معنى العداء من قاموس العقلاء، من دلهي خرج برويز مشرف، لا كجنرال بل كرمز للمفارقة، باكستاني من رحم الهند، يشبه آلافاً من الوجوه المتداخلة التي لا يفهمها من يتقن لغة الرصاص فقط.
– ولأن السينما كانت هناك حاضرة، لا لتلهي، بل لتواسي، فقدمت “مانتو” و”حيدر” و”بوردر” أفلاماً صنعت سلاماً بصرياً يطرق القلوب، وقوة ناعمة تهدم جُدُر العزلة، والكريكيت أيضاً لم تكن مباراة، بل كانت مفاوضات خفية بلغة النقاط لا البنادق، ورفع المضرب بدل السلاح، والطفل محمد كيف، لم يكن محللاً سياسياً، بل ضميراً صغيراً صاح من خلف شاشة، خاطب المذيع ببراءة غاضبة: استخدم عقلي لذلك أرفض الحرب، لم تكن الجملة عابرة، كانت صفعة على وجه صانع خطاب الكراهية، وكان صدى هذه الكلمات أقوى من ألف مناظرة بين نخبوية مترددة وجماهيرية مشحونة.
– في الهند أيضا كانت النخبة قاطرة الرفض، والمثقفون سد منيع في وجه الطوفان، والبرلمان ليس نادياً لتبادل الصفعات بل ساحة دفاع عن عقول الناس، حتى داخل الحزب الحاكم، تشقق جدار الاصطفاف، وخرجت أصوات ترفض تحويل السياسة إلى ساحة معركة، ولم تقف المنظمات المدنية توزع الشعارات بل حملت أكفان أطفال الحرب المتخيلة، وسارت بها في شوارع نيودلهي ومومباي وكلكتا، معلنة أنها لن تسمح بإعادة إنتاج الفاجعة.
– ووقف رجال المال والأعمال خاصة الأسر المسلمة الكبيرة ضد الحرب، وجابهوا دعاتها بالحجة وخففوا حدة نبرات خطاب الكراهية، ودعموا الحملات الداعية لوقف الحرب، واستخرجوا من الدين كل النصوص التي تدعم حججهم الداعية للتعايش والسلام والوئام ونبذ خطابات الكراهية.
– لكن خلف كل هذا كان عامل حاسم آخر لا يُمكن تجاهله: الاقتصاد؟! لم تكن الهند وباكستان في وضع يسمح لهما بخوض حرب طويلة، فالاقتصادان مثقلان بعجز مستمر في الميزان التجاري، وانخفاض احتياطي العملات، وارتفاع مديونية الحكومات، وسوء توزيع الدخل، وتضخم ينخر الطبقات الفقيرة. الهند تعاني من عجز في الميزانية لستة وعشرين عاماً متواصلة، وباكستان تعاني من انكماش اقتصادي وضعها على حافة الإفلاس، حتى اضطرت الولايات المتحدة للتدخل من خلال صندوق النقد لإنقاذها بقرض مشروط كلف الناس ضرائب باهظة ورفع الدعم وزيادة أسعار الطاقة.
– إن الحرب رغم الضجيج السياسي، لم تكن ممكنة اقتصاديًا، فالهند التي تطمح لتكون بديلًا اقتصاديًا للصين في أعين الغرب، لا يمكنها أن تُخرب فرصتها بالحرب، وباكستان التي بات جيشها في موضع شك من الناس، كانت تأمل في ترميم صورتها لا بدفنها، حتى دول الخليج التي تعتمد الهند وباكستان على نفطها وغازها، خشيت من استمرار الحرب الذي سيضرب صادراتها، وكل هذه العوامل صنعت طوق نجاة من نار الحرب. نواصل..
والله يا عروة الصادق أنا لا أستغرب إلآ تصديقك وإتباعك للدجال محمد أحمد ود فحل
بعد الفهم ده كلو تبقى أنصاري ؟
والله إلا كان قسمة ساي.