مقالات وآراء سياسية

البيع والشراء الحقيقي لدماء الشباب

حسن عبد الرضي الشيخ

 

في مقاله المعاد نشره تحت عنوان “دماء الشباب … البيع والشراء!”، يحاول الصحفي ضياء الدين بلال، أحد أبرز الأصوات التي لطالما تغذت على موائد النظام البائد، أن يعيد صياغة مأساة فض اعتصام القيادة العامة، في مشهدٍ لا يخلو من التحامل والكذب المقنّع بالبلاغة الرخيصة. بلال، الذي ما فتئ يُلمّع وجوه الجلادين ويسوّق لرواياتهم، خرج علينا هذه المرة بثوب الناقد الثوري ليتحدث – بزيف لا يخفى على صاحب بصيرة – عن “البيع والشراء” في دماء الشهداء. لكن أيّ بيعٍ وأي شراء؟ ومن هم السماسرة الحقيقيون؟ .

 

أولاً : تزوير الوقائع والتلاعب بالسردية

في خضم مقاله، يتعمد ضياء الدين بلال طمس الحقيقة الجوهرية : أن جريمة فض الاعتصام هي جريمة موثقة ومكتملة الأركان، اقترفها المجلس العسكري الانتقالي – بقيادة البرهان وحميدتي – واللجنة الأمنية التي كانت وما زالت واجهة النظام البائد، الذي قضت عليه ثورة ديسمبر المجيدة. لم يكن هناك لبس في هوية القاتل، فالأوامر صدرت من غرف القرار العسكري، والشهادات والوقائع التي وثّقتها لجان التحقيق المحلية والدولية لا تشير بأي حال إلى تورط القوى المدنية – بل العكس، كانت أول المستهدفين.

 

بلال، كعادته، لا يوجه سهامه نحو الجلاد، بل يحاول خنق الضحية، ويتذاكى بسؤاله: “أين كان الكبار؟” وكأن وجود قيادات سياسية في ميدان الاعتصام يُعد شرطاً لمشروعية النضال، أو مبرراً للتقتيل الجماعي. هذا السؤال المريب يكشف عن منطق مقلوب ومشبوه، لا يهمه كشف الحقيقة بقدر ما يسعى لتبرئة الجناة والتشويش على وعي الناس.

 

ثانياً : تبرئة القتلة وإدانة الضحية

يتحدث الكاتب عن “غياب الكبار” و”ترتيب حقائب باريس” – في إشارة رخيصة لقوى الحرية والتغيير – وكأن زيارة قادة مدنيين لمؤتمرات دعم السودان، أو انخراطهم في التفاوض، يعادل المسؤولية الجنائية عن جريمة ارتُكبت في وضح النهار أمام العالم بأسره! هكذا، وبكل وقاحة مهنية، يريد ضياء أن يصرف النظر عن القتلة الحقيقيين : المجلس العسكري وشركاؤه من كتائب الظل والمليشيات.

 

لا يجرؤ ضياء أن يذكر كلمة “البرهان” أو “حميدتي” في مقاله، ولا يجرؤ أن يحمّل القوات النظامية مسؤوليتها، بل يتفرغ بكل لؤم لرسم صورة خائنة للقوى التي قادت الثورة وأسقطت نظاماً كان هو أحد أبواقه الإعلامية.

 

ثالثاً : البكاء الكاذب على دماء الشهداء

يتشدق ضياء بلال بعبارات الحزن والدموع ويذرفها على دماء الشهداء، لكنه يفعل ذلك فقط ليهاجم من طالبوا بالعدالة لهم! أي نفاق هذا؟ أليس هو نفسه من كان يدافع عن نظام الإنقاذ في عز جرائمه؟ من كان يغسل جرائم أجهزة الأمن بماء الكلمات؟ من صمت حين كان الشهداء يُقتلون في هبة سبتمبر ٢٠١٣م، وفي دارفور، وكجبار، وبورتسودان؟

 

من يبيع دم الشهداء يا ضياء؟ من يساوم على العدالة مقابل المناصب؟ إنهم من تفاوضوا على تقاسم السلطة بعد المجزرة، لا من طالبوا بالقصاص. إنهم من جلسوا على مقاعد السيادة بينما الجرحى يُطاردون في المشافي.

 

رابعاً : الصحافة كأداة تواطؤ

يضرب ضياء مثالاً لما وصلت إليه حال بعض الصحافة السودانية، التي تحولت من مهنة للبحث عن الحقيقة إلى مطية للأنظمة القمعية. هو ومن على شاكلته من “الصحفيين المرتزقة”، مارسوا الكذب لسنوات، وروّجوا للقتل، وصاروا يُعاد تدويرهم لتجميل وجوه القتلة من جديد. هؤلاء لا يستحقون سوى المحاسبة الأخلاقية والمهنية، إن لم تكن القانونية، على مشاركتهم في حملات التضليل.

 

خاتمة : لا مساومة في العدالة

ما نُريده ليس بكائيات كاذبة على صفحات الجرائد، ولا تنصل جبان من المسؤولية، بل نُطالب بلجنة تحقيق دولية مستقلة تكشف الحقيقة كاملة وتقدم الجناة لمحاكم عادلة. فالثورة التي أسقطت طاغية لن تسمح بتزييف نضالها ولا بخيانة شهدائها.

 

العدالة لا تُختصر في زرتين سقطتا من قميص مدني عباس، بل في المئات الذين سقطوا برصاص المجلس العسكري الذي ما زال ضياء بلال يسعى لتلميعه … بلا خجل!

 

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..