مقالات وآراء سياسية

البعاتي يتكلم بلسان كيكل

نبيل منصور

 

حينما تتقاطع السياسة بالحرب، يصبح الصمتُ موقفاً والكلامُ سلاحاً. لم يكن أبو عاقلة كيكل مجرد قائد ميداني تنقّل بين جبهات القتال، بل كان شاهدًا من الداخل على خفايا قوات الدعم السريع وزعيمه حميدتي. واليوم، يخرج كيكل عن صمته، في توقيتٍ مشحون بالغموض والدماء، ليروي روايته التي بدت – بلسانه أو بوعيٍ منه أو دونه – وكأنها تُعيد بعث حميدتي من ركام السقوط، وتمنحه خطاباً دفاعياً مؤجلاً.

تصريحات كيكل الأخيرة – سواء عبر الإعلام أو في جلساته ببورتسودان مع شخصيات مقربة من السلطة – لا يمكن قراءتها بمعزل عن التطورات الأخيرة في الميدان، خاصة بعد معارك الطيران العادي أو المسيَّر . بدا فيها كيكل وكأنه يُحاكم الماضي، يبرر الحاضر، ويمهّد لتسوية ما في المستقبل … لكن، بأي ثمن؟ وهل ما قاله كشف للحقيقة، أم أعاد تدوير “الرواية الرسمية” باسمٍ جديد؟، أم هي عملية إعادة إنتاج متأنية لصورة حميدتي، ولمكانة كيكل نفسه داخل سردية الحرب ؟.

 

تصريحات كيكل جاءت في مناسبتين:

 

الأولى للإعلام، عبر سلسلة إفادات مباشرة ركز فيها على نفي إصابة حميدتي، وإبرازه كقائد ميداني صائم متبتِّل يقود المعركة بنفسه، ويحرص على تفاصيل الإمداد والاتصالات، ويتفاعل عاطفياً مع أخبار الانتهاكات بدموع صامتة.

أما الثانية فجاءت عبر عبدالماجد عبدالحميد، أحد الوجوه الإعلامية والسياسية المعروفة، بعد جلسة تفاكرية مع كيكل في بورتسودان، حيث وصف الأخير بأنه كشف عن معلومات قلبت مسلّمات كثيرة، منها أن حميدتي لم ينسحب من الحرب فعلياً، وأن له حضوراً نشطاً حتى بعد عبور الجيش كوبري سوبا.

 

الربط بين التصريحين يكشف عدة رسائل:

 

أولاً : حميدتي لم يمت … البُعاتي حي

التصريحات تسعى إلى نفي فرضية انسحاب حميدتي أو وفاته أو اختفائه، وهي فرضية راجت في الأشهر الأخيرة، خاصة مع غياب أي ظهور مباشر له.

لكن بدل استخدام الرد المباشر من حميدتي، تُستخدم شهادة كيكل كـ” شهد شاهد من أهله”، بما يمنحها صدقية دعائية وتكتيكية أعلى.

 

ثانياً : كيكل كحلقة وصل بين العالمين

كيكل كان يوماً أحد قادة الدعم السريع، ثم انضم للجيش في أكتوبر 2024م، ما يجعله “جسر سردي” نادر بين المعسكرين. شهادته تُستخدم اليوم لترميم صورة حميدتي، وربما أيضاً لإعداد كيكل نفسه لدور سياسي أو عسكري أكبر في قادم الأيام.

 

ثالثاً : بورتسودان كساحة رسائل لا ساحة مواجهة

اختيار بورتسودان كمسرح لهذه التصريحات ليس محض صدفة. المدينة، التي كانت تُعتبر ملاذاً آمناً نسبياً ومركزاً لحكومة البرهان، تعرضت مؤخراً لهجمات بالطيران المسيّر، وأصبحت تحت ضغط عسكري ونفسي كبير.

في هذا السياق، تعني تصريحات كيكل –خصوصاً عند قوله إنه “عاد إلى المؤخرة بإذن إداري”– أن هناك إعادة انتشار وتوزيع جديد للقادة، وأن كيكل ليس خارج المعركة، بل في عمق ترتيباتها اللوجستية.

 

رابعاً : صناعة سردية تبرئة وتشكيك معاً

عندما يقول كيكل إن “دموع حميدتي بتجري” عند الحديث عن الاغتصابات والانتهاكات، فإننا أمام محاولة مزدوجة:

* تبرئة قيادة قوات الدعم السريع عبر إظهار تعاطفها مع الضحايا.

* التشكيك في الروايات التي تُحمّل حميدتي شخصياً مسؤولية ما جرى، وكأنها جرائم لا يعلم بها أو لا يرضاها.

 

خامساً : معلومة مقابل صفقة

بحديثه عن تفاصيل “مذهلة” حول سقوط ود مدني ودور الإمارات، يطلب كيكل –بشكل غير مباشر– الغفران السياسي مقابل ما يحمله من أسرار.

الرسالة هنا : “أملك مفاتيح المعلومات التي يريدها الجميع، فلا تحاسبوني بل اجعلوني جزءاً من الحل أو التحقيق أو حتى التسوية”.

وايضا حديثه يمكن أن يكون تهديد وأنه سيهد المعبد فوق رؤوس الجميع.

 

خلاصة :

تصريحات كيكل، وحديث عبدالماجد عبدالحميد ، ليست معزولة عن مسار الحرب، بل تدخل في صلب إعادة تشكيل الرأي العام داخل الجيش والمجتمع السياسي والمدني. إنها محاولة لفرض سردية بديلة:

* لا ترى حميدتي كمنهار أو مهزوم.

* وتُبرز كيكل كشخصية محتملة في المستقبل.

ولكن السؤال يبقى: هل هذه السرديات تنطلي على الشارع السوداني الذي ذاق ويلات الحرب، أم أنها مجرد محاولة متأخرة لتجميل صورة شوهتها الوقائع؟

الزمن وحده سيحكم، ولكن الواضح أن “البعاتي” الذي أرادوا دفنه … عاد حياً في رواية كيكل. وبالمسيّرات ، وزاد من الضغط النفسي بدون شك.

 

 

[email protected]

‫6 تعليقات

  1. الغريبة أين كانت دموع حميدتي التعاطفية هذه وهو وجنجويده يحرقون قرى دارفور (الزرقة) ويقتلونهم ويشردونهم ويغتصبون نسائهم وينكلون بهم على مدي اكثر من عقدين من الزمان ولا زال الفعل جاريا!

    لعنة الله تغشى كل قاتل أبرياء وظالم لهم 🤲

    1. الاهم حميدتي حي ولا ميت ومن الذي استمرا الكذب والتدليس على الشعب السوداني وماذا يستحق هؤلاء الكيزان الكذبة الذين لا يحترمون الشعب وعمرهم منذ 36 لم يصدق معه ؟؟؟

      1. هو حي وسيموت لا محالة، دي مفروغ منها (كل نفس ذائقة الموت) بس خرابه وخراب الكيزان ما حيفوت للأسف!

        يستحقون الدرك الأسفل من النار، لعنة الله تغشى كل كاذب أفاك وقاتل لبريء 🤲

  2. دي التعليمات الجديدة من السجمان التلميع التدريجي للقتلة حميدتي وكيكل نكاية في الكيزان بل وشراء ذمم اعلاميهم مثل ع الماجد وبكري المدني للترويج وده الخلي ام وضاح تسكلب لما فاتتها الظروف الكيكلية …

  3. غياب “مجرم الحرب” حميدتي المتواصل وظهوره بجسد نحيل ساهم في ترويج نظرية هلاكه وظهور روبوت آلي مكانه، وأيا كانت الحقيقة فإن تصريحات “مجرم الحرب” كيكل واجتماعه مع إعلاميين ذوي توجهات معينة يمهد لتسوية سياسية قادمة، لذلك صحيح أن ما يهم الشعب السوداني في المقام الأول هو إيقاف الحرب، ولكن يجب على الشعب ألا ينسى ضحايا الحرب وضحايا ثورة ديسمبر المجيدة خاصة ضحايا فض الإعتصام لذلك لابد من تفعيل مبدأ المحاسبة ويجب ألا تفتح صفحة جديدة إلا إذا أتفق على محاسبة أي مجرم أجرم في حق السودان ابتداء من الإستقلال

  4. حميدتي لوبكي وادردق في التراب مش مسامحينو يجيك واحد خرامي تيوس واصبح قايد مع حرامي الحمير وبتاع اورنيش صحفي السودان هوي ماشي وين شكلنا نحنا النشرنا التخلف في افريقيا

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..