صفقة ترامب- الشرع.. الطريق إلى الشرعية يمر عبر إسرائيل والمقاتلين الأجانب

مع دخولها الشهر السادس لسيطرتها على دمشق، حصلت على فرصة تاريخية تمثلت بلقاء رئيسها أحمد الشرع بشكل مباشر مع الرئيس الأمريكي ، بعد تعهد الأخير برفع العقوبات الأمريكية عن سوريا لمنحها فرصة الارتقاء نحو العظمة، بحسب تعبيره.
رفع سيكون مكسباً سياسياً واقتصادياً هائلاً بالنسبة لسوريا التي استنزفت بعد 14 عاماً من الحرب. إلا أن رفع العقوبات ليس من دون مقابل؛ فالولايات المتحدة كانت واضحة في الأسابيع الأخيرة في توضيحها للشروط التي يجب على الإدارة السورية الجديدة الوفاء بها.
عدد هذه الشروط تفاوت ما بين 8 و12 بحسب التصريحات الأمريكية، بعض الشروط سهل التحقيق، أو يمكن تصنيفه في خانة التلاقي الطبيعي للمصالح بين الولايات المتحدة والإدارة السورية الجديدة.
وهذا هو الحال مع المطالب الأمريكية بضمان منع عودة النفوذ الإيراني إلى سوريا، ومتابعة الحرب على تنظيم “داعش”، لكن الشروط الأهم والأكثر تعقيداً تتعلق بمعالجة ملف المقاتلين الأجانب، وإخراج المنظمات الفلسطينية والدخول في عملية سلام مع إسرائيل، وتشكيل حكومة تضم جميع السوريين وضمان حماية الأقليات.
الطرح الأمريكي لهذه الشروط يمثل خريطة طريق واضحة للإدارة السورية الجديدة للتعافي السريع من تأثيرات الحرب، والخروج من مظلة العقوبات الأمريكية.
والحماس الواضح من جانب الرئيس الأمريكي لرفع العقوبات يمثل فرصة استراتيجية غير مسبوقة لسوريا لعقد صفقات سريعة تتجاوز المسارات البيروقراطية المعقدة بين الإدارة الأمريكية والكونغرس، إلا أن هذا لا يعني أن تنفيذ جميع الشروط الأمريكية سيكون أمرا سهلا.
المقاتلون الأجانب
معالجة ملف المقاتلين الأجانب تواجه تعقيدات كبيرة بالنسبة للإدارة السورية الجديدة، ومن هذه التعقيدات يبرز اثنان تحديداً: الأول يتعلق بحجم هذه الظاهرة؛ فهناك على الأقل 10,000 مقاتل أجنبي (غير سوري).
ومن هؤلاء ما بين 4,000 و5,000 مقاتل من التركستان، القادمين من غرب الصين ودول وسط آسيا المسلمة.
إعادة هؤلاء المقاتلين إلى بلدانهم أمر شبه مستحيل. وفي ظل القدرات الأمنية والعسكرية الحالية للإدارة السورية الجديدة، من الصعب الاصطدام مباشرةً مع هذه التشكيلات واعتقال قادتها الأكثر تشدداً.
أما التعقيد الثاني فيتعلق بدور واصطفاف هؤلاء المقاتلين الأجانب خلال الحرب ضد النظام السابق.
فالغالبية الساحقة من تنظيمات المقاتلين الأجانب قاتلت إلى جانب “هيئة تحرير الشام”، بقيادة أحمد الشرع، وأهمية التنظيمات الأجنبية ظهرت تحديداً خلال اصطدام “هيئة تحرير الشام” مع باقي تشكيلات المعارضة السورية – بدايةً مع فصائل الجيش الحر، ومروراً بـ”جيش الإسلام”، ووصولاً إلى “أحرار الشام”.
وقد أدت هذه التنظيمات الأجنبية دوراً محورياً في انتصار “هيئة تحرير الشام” وتحولها إلى الفصيل الأقوى في سوريا قبيل الإطاحة ببشار الأسد.
تفكيك هذه التنظيمات واعتقال قادتها وترحيل مقاتليها سيضعف “هيئة تحرير الشام” إلى حد بعيد، ويؤثر في حصتها وتمثيلها في الحكومة السورية، وفي تقرير مستقبل البلاد.
ويُدرك أحمد الشرع هذه التعقيدات، ولهذا من المرجح أن يلجأ إلى حلول مركبة تشمل إغراء القسم الأكبر من المقاتلين الأجانب بالجنسية السورية، والحصول على مناصب مختلفة في الحكومة السورية، وبفرصة استقدام عائلاتهم إلى سوريا والتمتع بثمار الانتصار.
أما العناصر الأكثر راديكاليةً، التي تؤمن فعلاً بتصدير التجربة الجهادية، فستوضع على الأرجح تحت المراقبة. ولا بد أن الشرع قد درس تجربة “حركة طالبان” التي تعهدت لإدارة ترامب الأولى بمنع وجود التنظيمات الجهادية الأجنبية في أفغانستان، إلا أن تلك التنظيمات بقيت هناك بالفعل – وهذا هو حال عبد الحق التركستاني الزعيم الأعلى لـ”الحزب الإسلامي التركستاني” بفرعيه السوري والأفغاني.
السلام مع إسرائيل
أما ملف السلام مع إسرائيل، فقرار تحريكه يبقى في الحقيقة بيد إسرائيل، التي تمتلك أصلاً كل ما تريده من سوريا، فالإدارة السورية الجديدة لم تطالب بمرتفعات الجولان التي احتلتها إسرائيل في 1967.
وخرجت إيران و”حزب الله” من سوريا دون مقابل من إسرائيل، كما نجحت إسرائيل بتحييد كل القدرات الاستراتيجية التي كانت بحوزة سوريا، وعلى رأسها الصواريخ البالستية، ودمرت قدرات التصنيع والأبحاث العسكرية. فلماذا تمضي إسرائيل نحو التطبيع مع سوريا؟
هذا السؤال مطروح بقوة في الأوساط الإسرائيلية اليوم. الوزير السابق، من حزب العمل الإسرائيلي، يوسي بيلين كتب، في 2 مايو/أيار، مقالة في صحيفة “إسرائيل هايوم” اليمينية، تدعو لعدم تفويت فرصة السلام التي يعرضها أحمد الشرع، وعدم تكرار خطأ إسرائيل في 1949 عندما رفضت دعوات السلام التي وجهها الرئيس السوري حسني الزعيم لإسرائيل.
وقال وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، في 12 مايو/ أيار إن إسرائيل تريد علاقات جيدة مع النظام السوري الجديد، إلا أنها تمتلك مخاوف أمنية وأسبابا تدعو للتشكيك به.
فكيف ستقارب إسرائيل عروض السلام من الإدارة السورية الجديدة؟.
الأرجح أنها ستعمل على اختبارها جدياً، وستقيّم نوايا والتزام الإدارة السورية عبر اختبارات ومطالب مختلفة. هناك الآن بالفعل لقاءات بين سوريين وإسرائيليين للتفاوض حول مسار العلاقات، وإن لم يكن هناك إعلان رسمي حول ذلك من أي من الطرفين.
المنظمات الفلسطينية
من المرجح أن الشروط الإسرائيلية ستشمل إخراج المنظمات الفلسطينية وتقديم ضمانات للدروز والأكراد، وإنشاء منطقة عازلة في جنوب غرب سوريا قرب مرتفعات الجولان لضمان أمن إسرائيل.
وكذلك من المرجح أن توافق الإدارة السورية على هذه الشروط، فأغلب التنظيمات الفلسطينية الباقية في سوريا محسوبة على النظام السوري السابق.
أما التنظيمات الإسلامية منها، التي تتلاقى عقائدياً مع “هيئة تحرير الشام”، إما غائبة بالكامل نتيجة توتر علاقاتها مع النظام السوري السابق، كما هو الحال مع حركة “حماس”، أو موجودة عبر عدد محدود من الكوادر، كما هو الحال مع حركة “الجهاد الإسلامي”.
المنطقة العازلة
أما فيما يخص ترك مساحة عازلة في جنوب وغرب سوريا، فأغلب التحصينات والمواقع العسكرية السورية دمرت أصلاً في تلك المساحة. والإدارة السورية الجديدة تواجه مشاكل مختلفة في نشر تشكيلات مدرعة وثقيلة في عموم سوريا، وتفضل بدل ذلك الاكتفاء باستخدام وحدات “الأمن العام” خفيفة التسليح.
ومن ثم يمكن القول إن متطلبات المنطقة العازلة التي تطلبها إسرائيل هي موجودة تقريباً على أرض الواقع. والتحدي الرئيس المتبقي للإدارة السورية في ملف علاقتها بإسرائيل هو أن تعلن للجمهور السوري حقيقة الخطوات التي تقبل القيام بها، وهذا ما لم يحصل حتى الآن. والمرجح أن تعمد الإدارة السورية لكشف خطواتها ومواقفها الجديدة بشكل تدريجي لتهيئة الرأي العام السوري لسيناريو السلام مع إسرائيل.
ولعل الفرصة الأولى لإظهار التغيير في المواقف السورية تجاه إسرائيل ستكون خلال القمة العربية التي تنطلق اليوم في بغداد. فهل ستصر سوريا – كما جرت العادة تاريخياً – على أن يتضمن البيان الختامي للقمة العربية مطالبة إسرائيل بالانسحاب من مرتفعات الجولان أم ستغير هذه الفقرة بما يتناسب مع التوجهات السورية الجديدة؟
أما ملف تشكيل حكومة تضم جميع السوريين وضمان حماية الأقليات، فيحتاج إلى نقاش مطول وللكثير من التمحيص والتدقيق، ولكن بالإمكان التعليق عليه بشكل عابر وشرح اختلافه عن باقي الشروط الأمريكية.
فمن ناحية أولى، لم يصدر عن الرئيس الشرع في السابق إعلان أي خطوط حمراء يمكن أن تقيّد قدرته على تنفيذ أغلب الشروط الأمريكية.
فقد أكد في مناسبات مختلفة رغبته في السلام مع إسرائيل، وأكد أيضاً أن ملف المقاتلين الأجانب لن يشكل تهديداً لأحد.
حماية الأقليات
وبشأن ملف حماية الأقليات وتشكيل حكومة تمثل السوريين جميعهم، فقد أكد الشرع عدة مرات رفضه التام لأي نوع من المحاصصة.
فالشرع وأنصاره يرون أنهم يمثلون الغالبية العربية السنية في سوريا، التي تشكل، بحسب تقديراتهم، أكثر من 75% من السوريين.
وبالتالي قد تبدي الإدارة السورية الجديدة ممانعة أكبر فيما يتعلق بهذا الشرط. ولكن، ومن ناحية ثانية، من المحتمل أن ترى الإدارة السورية الجديدة أن موقفها التفاوضي اليوم – بعد لقاء ترامب والشرع – بات أفضل بكثير من السابق، وأن الأصوات المطالبة بالحكم الذاتي أو الفيدرالية ستضطر إلى الجلوس إلى طاولة التفاوض.
وبالتالي، يمكن أن تقبل الإدارة السورية مناقشة مطالب المكونات السورية المختلفة، ولكن بافتراض أن التنازلات المطلوبة منها باتت أقل بكثير من السابق، فمن المرجح أن تراهن الإدارة السورية الجديدة على أن تقدمها في تنفيذ باقي الشروط الأمريكية، وعلى رأسها السلام مع إسرائيل، يمكن أن يعفيها من تقديم تنازلات كبيرة في ملف تشكيل الحكومة الجديدة.
إرم نيوز