مقالات سياسية

النَخَبُ السُودانِيَّةُ المَصْلُوبَةُ عَلَى جِدارِ الثَرْثَرَةِ 1/2

تيسير حسن ادريس

المحور: مواضيع وابحاث سياسية

المُبْتَدَأُ: –
لِلهارِبِينَ إِلَى لُجَّةِ الرِدْحِيِّ وَالثَرْثَرَةِ نَقُولُ لَيْسَ هذا هُوَ الحَلُّ بِكُلِّ أَسَفٍ
وَالخَبَرُ: –

(1)
في السودان، حيث تتقاطع الثقافات وتتنازعها الهويات، تبرز نخبٌ فكرية وسياسية تحمل مشاريعَ تغييرٍ وتنوير، لكنها كثيراً ما تجد نفسَها مُعلَّقةً على جدار الثرثرة، عاجزةً عن تجاوز حاجز الكلام إلى فعل التغيير. فلماذا تتحول النخب السودانية من قوة دافعة إلى ضحايا خطاب فضفاض لا يسمن ولا يغني من جوع؟!، ومن رواد تنوير إلى أسرى جدل عقيم وثرثرة غير منتجة؟!!

(2)
تاريخياً، شكلت النخب السودانية حضورا في كل المحطات المصيرية، من مقاومة الاستعمار إلى الانتفاضات الثورية، من الأدب الرافض للظلم؛ إلى الفكر الحداثوي التنويري. لكن في العقود الأخيرة، تحولت كثير من هذه النخب إلى دوائر مغلقة، تناقش نفسها بنفسها، وتستهلك طاقتها في صراعات هامشية وخلافات صبيانية لا ترقى إلى مستوى التحديات التي تواجه دولة هشة التكوين مثل السودان.

(3)
فبدلاً من أن تكون هذه النخب جسراً بين المجتمع والسلطة، أو رافعةً فعالة للتغيير، أصبحت في غالبها أسيرةً للسفسطة والثرثرة السياسية والتنظير المجرد، بعيداً عن هموم الناس اليومية. فكم من مثقف سوداني ظلّ يردد شعارات التغيير دون أن يقدم رؤية عملية تترجم هذه الشعارات لواقع على الأرض؟ وكم من سياسي تحوّل خطابه إلى وعظٍ فارغٍ بعد أن كان صوتاً معبرا عن آمال وطموحات ومطالب الجماهير التي تعاني وتكابد أقسى الظروف الحياتية ؟!.

(4)
سر (الترترة) المواقفية التي تأجل حسم القضايا المصيرية وتتحاشى الإجابة عن الأسئلة الملحة؛ والثرثرة غير المنتجة؛ التي وسمت النخب السودانية في العقود الأخيرة؛ قد يكمن في جذر الثقافة السودانية ذات نفسها التي تعَافَ التوثيق والكتابة وتعتمد المشافهة أدَاةٌ ووسيلة، وهي وسيلة لا غَرْوَ تمنح الكلمة مكانةً عالية، على حساب الفعل. فالمجاملة اللغوية، والبلاغة الخطابية، تصبح في أحياناً كثيرة أدَاةٌ فعالة لإخفاء العجز عن الفعل والإنجاز.

(5)
ففي الأوساط السياسية مثلا، نرى خطاباتٍ حماسيةً تذوب مع أول اختبار للواقع. وفي الأوساط الثقافية، نجد نقاشاتٍ فكريةً تدور في فراغ، بعيدةً عن قضايا المجتمع الملحة. حتى وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعية؛ ما عادت سوى ساحات لصراعات دون كيشوتية عوضا عن الحوار العقلاني الرزين.

(6)
لا يمكن فصل أزمة سقوط النخب السودانية في وحل الثرثرة؛ عن الانقسامات التي مزقت المجتمع السوداني في العقود الثلاثة الأخيرة؛ بعد استيلاء الحركة الإسلامية على السلطة وتمزيق لحمة المجتمع: شمال وجنوب، مركز وأطراف، علمانيون وإسلاميون، مدنيون وعسكر. وكل نخبة تُصلب الأخرى على جدار اتهامات الخيانة أو العمالة عوضا عن البحث عن أرضية مشتركة.
(7)
طالت هذه الأزمة العميقة أيضا طيف عريضاً من النخبة الثورية التي قادت انتفاضة التغيير الأخيرة، في ديسمبر 2018م؛ والتي سرعان ما تحولت من قوى تغيير حقيقية إلى كيانات غارقة في الصراعات اللفظية والانقسامات البينية العقيمة، وفقدت بذلك مصداقيتها وخيبة آمال الجماهير التي وضعت ثقتها بها.

(8)
فبعد ما لعبت تلك النخبة دوراً في تحريك الجماهير وإشعال روح المقاومة. ابتدأ من “هبة سبتمبر” 2013م إلى لحظة انتصار ثورة ديسمبر 2018م، وكانت ضمن الصفوف الأمامية، تحفز الجماهير وتعدهم بالتغيير الجذري. ما لبست بعد إسقاط النظام القديم، إلا قليلا وبدأ الترهل يدب في أدائها، وتحولت من قوة دافعة للتغيير إلى مجموعات متناحرة، منشغلة بصراعات جانبية؛ وشاغلة حيز الفعل بالخطب الرنانة عوضا عن البناء المؤسسي.

(9)
وفي اعتقادي إن من أهم أسباب سقوط النخبة الثورية السودانية في وحل الثرثرة هي التحالفات المرحلية (الاضطرارية) التي تجمعها بالقوى الإصلاحية؛ كثيرة الحديث قليلة الفعل؛ والتي لا تؤمن أصلا بالتغيير الجذري؛ مما يقود إلى حدوث انقسامات أيديولوجية حادة بعد سقوط النظام القديم مباشرة؛ لا يستطيع برنامج الحد الأدنى المتفق عليه مسبقاً تلافيها أو الصمود في وجه غلوائها.

(10)
فسرعان ما تتحول النخب التي قادت عملية إسقاط النظام -دون بنيته-إلى تيارات متصارعة، كل منها يدعي امتلاك الحقيقة المطلقة. فبدلاً من توحيد الصفوف لبناء دولة ديمقراطية، تُشغل تلكم التيارات بالتناقضات الثانوية؛ ويضيع من يدها عقال التناقض الرئيس. مثيرة غبار الجدل حول قضايا يصعب حسمها في تلك المرحلة المبكرة من عمر الثورة كقضية هوية الدولة (إسلامية، علمانية) مثلا؛ في مرحلة يعاني المواطن من صعوبات معيشية حقيقية؛ ويحتاج إلى حلول عملية لتلكم الصعوبات الخانقة.
يَتْبَعُ

‫2 تعليقات

  1. ياخي انت شجاع ومواكب ومتابع جيد انا اشبه سلوك وتصرفات نخب اليوم خاصة المتصدرين المشهد نخب الغفلة لا اشمل السودان ولاد وبه رجال من جميع ولاياته واقاليمه … انا اشبه نخب اليوم بقصة وقد اكون ذكرتها لكن لا مانع من تكرارها باحدى الاحياء الريفية جلس الطلاب لامتحان الشهادة الاثنين اقربائي واحد مغرم ومهتم ومحب للعربات اللواري يحب السواقة والبوري بقى يهرب من الدرس ويركب العربات يسافر هروب ليس برضا اهله امه تعبت معه حتى قنعت منه تعليمه مرت الايام جلس الجميع للامتحان صاحبنا دا نجح وفي واحد البيت المدرسة ويذاكر ما نجح ام الولد الرسب زعلانه من ولدها والناس كلها استغربت كيف نجح الزول دا ام الود الرسب قالت ظلموا ولدي شالوا حق فلان اعطوهوا لي فلان دا هو بتين كان بيقرا … دحين الحين تسمع اللايفاتية الصحفيين القنوات وقت تم تعيين حمدوك ولا يعرفه اي مواطن سوداني لكن عبر الاعلام وجد حظه ووجد قبول لدى الشارع السوداني لكن من حول حمدوك لم يفلحوا في انجاحه وعن عمد الكل طمع بالسلطة خاصة الاحزاب الكيزان وجدوا ضالتهم وضربوا الثورة وكل مكونها من العديمي خبره في مواجهه وضع مثل هذا هذا ليس اركان نقاش وصراخ عبر قنوات وكل اللقاءات لهم كانت محبطة ومدمرة للثورة ابدا من ميدان الاعتصام تتاح الفرصة لشخص مثل البوشي يقول للشباب تاني لو اختك طلعت رجعت نص الليل هذه حرية واباء وامهات هؤلاء الشباب يتفرجون على التلفاز لان الاعلام لم يسيطروا عليه ويقولوا عاوزين نعمل تغيير اهم اداة للعمل يتم استضافة جمهوري يحرف يفسر ايات من الذكر الحكيم بكل غباء يعني كانما اهل السودان يغيروا عقيدتهم يطلع بتاع الاوقاف والشؤون الاسلامية اول خطاب ندعوا اليهود الرجوع للسودان يطلع وزير العدل يقول المريسة ثقافة وعادة لاهل دارفور يعني لازم تعديل في عقوبة شراب المريسه تم تدمير الثورة وطلعت حرب قضت على كل شيء تدمير اسري بنية تحتية ممتلكات الخ…. لم يتفق الشق المدني في كيفية مواجهة الحرب تم ضرب شخصية حمدوك بغباء منه ومن حوله او هو انحاز للعنصرية كان واضح مرتمي في حاضنة الدعم في كل تحركاته وزياراته اليوم طلع الجيش شخصية كامل ادريس طلع ثرثارين يضربوا في شخصه وانتقاص من قيمته … السؤال حمدوك شخص مؤهل سوداني كامل ادريس كذلك هل الاثنين يمتلكون احزاب مليشا الى متى الثرثرة الغير اخلاقية هذه كما قلت فعلا ثرثرة ونسوان يعوسوا في الحلو مر لازم التفكير بمنطق الاحزاب تجهز نفسها هذه فترة انتقالية ادخلوا المنافسة صححوا اوضاعكم ما في بلد ولا مواطن عنده اخلاق ولا صبر ولا حيل يستمر معكم في صراع غبي الكل اليوم يحلم بالامن يحلم بالعيش ظروف الناس واضحه

  2. التغيير الجذري دي حلوة يعني أنت من الجذرين … وكنت نايم وين وصحيت تلوم الثرثارين !؟ عندكم جنس فلسفة يالشيوعين !؟

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..