مقالات وآراء

كامل إدريس القشة التي ستقصم ظهر سلطة بورتسودان الهشة

 

محمد الهادي

في خطوة مفاجئة لكنها متوقعة ضمن سياق محاولاته المستمرة للبحث عن شرعية سياسية جديدة، أصدر رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان مرسوماً دستورياً بتعيين الدكتور كامل إدريس رئيساً للوزراء، إلى جانب تعيين كل من الدكتورة سلمى عبد الجبار المبارك والدكتورة نوارة أبو محمد محمد طاهر كعضوين بمجلس السيادة، خطوة حملت في ظاهرها مؤشرات انفتاح على المكون المدني، لكنها في جوهرها تمثل محاولة لإعادة ترتيب الأوراق في ظل واقع سياسي وعسكري مأزوم.

يأتي هذا التعيين في لحظة سياسية حرجة، تتسم بتراجع واضح في تماسك تحالف بورتسودان الداخلي، وهو التحالف الذي نشأ بعد اندلاع الحرب بين الجيش والدعم السريع، وتكوّن من قوى وشخصيات دعمت انقلاب 25 أكتوبر 2021، ثم وجدت نفسها مجدداً إلى جانب البرهان في معركة إقصاء القوى السياسية المدنية المطالبة بالتحول الديمقراطي، ولكن هذا التحالف، الذي قام في الأساس على تقاطع مصالح آنية وسلطوية، لم يكن يمتلك مشروعاً سياسياً موحداً أو قاعدة فكرية تجمع أطرافه، بل ظل رهين تفاهمات هشّة سرعان ما بدأت في الانهيار مع تعقّد الأوضاع على الأرض، وطول أمد الحرب، وتضارب الأجندات الشخصية والتنظيمية بين مكوناته، فخلال الأسابيع الماضية، بدأت الخلافات تطفو على السطح بشكل أكثر حدة، حيث تبادلت الأطراف المكونة للتحالف الاتهامات بالتخوين والفساد، كما شهدت الساحة السياسية ببورتسودان خلافات بدت واضحة من خلال الملاسنات بين قائد قوات درع السودان وبعض قادة حركة العدل والمساواة، إلى جانب تلك التي حدثت بين الفريق الكباشي وقائد كتائب البراء بن مالك، بالإضافة للانتقادات والاتهامات التي أطلقها مالك عقار، نائب رئيس مجلس السيادة، تجاه حلفائه، في ما يشير إلى تصدع عميق داخل صفوف هذا التحالف.

ويمثّل رفض القيادي بحركة العدل والمساواة إدريس لقمة لتعيين كامل إدريس رئيساً للوزراء مؤشراً إضافياً على تصاعد التصدعات داخل تحالف بورتسودان، فقد أعلن لقمة صراحة عزمه مقاومة التعيين، مشككاً في مؤهلات إدريس، ما يعكس غياب التوافق بين مكونات التحالف وافتقار القرار للتشاور، ويشير هذا الموقف إلى شعور بعض القوى، خصوصاً الحركات المسلحة، بالتهميش السياسي، وربما بالخيانة، في ظل ما تعتبره محاولة لتجاوز أدوارها في مرحلة ما بعد الحرب، وتصاعد لهجة الرفض من الداخل يعزز فرضية أن تعيين إدريس لن يؤدي إلى استقرار سياسي، بل قد يسرّع من وتيرة الانقسام وربما الانهيار الكامل لتحالف بورتسودان.

وفي هذا السياق، يُنظر إلى تعيين إدريس كمحاولة من البرهان لإعادة تلميع صورته أمام المجتمع الدولي، وتقديم واجهة مدنية بهدف كسر العزلة السياسية والدبلوماسية التي واجهها منذ الانقلاب، ثم تفاقمت بعد اندلاع الحرب، لكن هذه الخطوة مرشحة لأن تكون القشة التي قصمت ظهر البعير، إذ ستؤدي حتماً إلى تعميق التناقضات داخل التحالف، وتفجير مزيد من الخلافات، خاصة إذا ما تم تجاوز بعض مكوناته في ترتيبات ما بعد التعيين، كما أن خطوة تشكيل حكومة جديدة – في ظل حالة الانقسام والتآكل الداخلي – ستكون على الأرجح مدخلاً لتفكيك ما تبقى، لا سيما إذا أُتبعت بحل الحكومة الحالية التي يشارك فيها بعض رموز المكونات التي شكلته، بوصفهم “وزراء أمر واقع” في مناطق سيطرة الجيش.

من زاوية أخرى، يشكل التيار الإسلامي أحد المكونات الرئيسة في تحالف بورتسودان، وتبدو مواقف هذا التيار تجاه تعيين كامل إدريس وتحركات البرهان الأخيرة محكومة بمزيج من الريبة والحذر، حتى وإن تمت هذه الخطوة بتنسيق مبدئي بينهم وبين قائد الجيش، فالتيار الإسلامي، الذي يرى نفسه عنصراً محورياً في السلطة الانتقالية بعد الحرب، يدرك جيداً أن البرهان يسعى منذ فترة للانفراد بالقرار السياسي والعسكري، مدفوعاً بضغوط ومؤشرات إقليمية ودولية تدفع باتجاه تحجيم نفوذ الإسلاميين والتخلص من إرثهم السياسي.

وفي هذا السياق، فإن الإسلاميين، بوصفهم تنظيماً يسعى لاستعادة سلطته التي فقدها عقب سقوط نظامهم في 11 أبريل 2019، يعتبرون الحرب الحالية فرصتهم التاريخية للعودة إلى واجهة الحكم، ويعتقدون أن كتائبهم وتنظيماتهم المسلحة كان لها الدور الأبرز في ترجيح كفة الجيش ميدانياً، وهو ما بدأ يظهر في بعض الخطابات المحسوبة عليهم التي تُلوّح بدورهم العسكري وتُطالب بترجمته إلى نفوذ سياسي.

هذا التباين في الأهداف بين الطرفين، يفتح الباب أمام صراع خفي على مراكز القوة داخل معسكر السلطة، حيث قد يسعى الإسلاميون إلى تحجيم نفوذ البرهان أو إعادة ضبط التوازن الداخلي لصالحهم عبر تفاهمات موازية أو حتى تصعيد داخلي منظم، وفي حال تصاعد هذا التوتر، فإن التحالف بين الطرفين لن يصمد طويلاً، بل إن مؤشرات “المفاصلة” بين البرهان والتيار الإسلامي قد تتعزز، خاصة إن شعر الإسلاميون بأن البرهان يخطط لعزلهم تدريجياً عبر تشكيل واجهة مدنية تخدم أهدافه، لا مشروعهم.

وفي ضوء ذلك، فإن الخطوة الأخيرة بتعيين إدريس، قد لا تكون فقط شرارة لانهيار تحالف بورتسودان بمكوناته المتعددة، بل ربما تمثل بداية صراع أكثر حدة بين البرهان والتيار الإسلامي على تحديد ملامح السلطة القادمة، ومَن يملك حق رسم مستقبل ما بعد الحرب.

وبالنظر إلى هشاشة هذا التحالف، فإن أي محاولة لإعادة هندسة السلطة دون توافق سياسي أوسع أو دون معالجة الأسباب الجوهرية للأزمة، لن تؤدي سوى إلى تفجر الوضع الداخلي، وربما إعادة إنتاج مشهد الانقسام على نحو أشد تعقيداً، وبذلك، فإن تعيين كامل إدريس، على خلاف ما يريده البرهان من شرعية مفقودة، قد يكون بداية انهيار ما تبقى من ترتيبات بورتسودان، ويمثل فصلاً جديداً من فصول التشظي داخل معسكر السلطة، ليعيد التأكيد على أن الشرعية الحقيقية لا تُكتسب بالتعيينات، بل بالإرادة الشعبية والانتقال السياسي الجاد والشامل.

‫2 تعليقات

  1. ما ي نيم ايذ كمييل شمعون جنبلاط إيدرز !!
    الانجليزي عندك يا كيمو !!

    باقي نسمع الفرنسي والاسباني …
    والالماني دويتشاً باضغام وغنة !!
    إيييش بين هيرن … ماين نييمييين كارل ماركس ادريذن بيرق 🤣🤣🤣🤣

    1. اذا لم تفهم ماكتبه الاستاذ فهذا ليس عيبا في الاستاذ او مقاله الواضح وعليك أن تبحث بنفسك أين يكمن العيب.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..