الكوليرا في أمبدة : حين يصبح الماء سمًّا والطرقات قبورًا مفتوحة

حسن عبد الرضي الشيخ
نقلاً عن شهادة متطوع من أمبدة، وشهادات ميدانية أخرى
في عمق أمبدة، تتوالى الصرخات ولا يسمعها أحد.
الكوليرا خرجت عن السيطرة، تفترس الأحياء دون تمييز، وتستقر في الأجساد الضعيفة كما تستقر الريح في السكون. الطرقات تغصّ بالمصابين، المنازل تتحول إلى عنابر عزل، والماء الملوث يغدر بالجميع دون استئذان.
نداء متطوع من قلب الأزمة:
“أنا متطوع في أمبدة، وأقولها بصدق: الوضع كارثي. المرضى ينهارون أمام أعيننا ولا نجد سريرًا أو محلولًا أو حتى كمامة. نحن في حاجة ماسة إلى كادر طبي، إلى أدوية، إلى أدوات الوقاية. دفنا جثة اليوم بثوب، لعدم توفر كفن. المقابر تمتلئ، والحالات تتزايد، والجهات المعنية تكتفي بالصمت”.
الكوليرا ليست مجرد مرض، بل مرآة لما وصلنا إليه من تردٍ صحي وإداري.
منظمة الصحة العالمية سبق أن نبّهت إلى خطورة تفشي الأوبئة في بيئة كالخرطوم المنهارة، ومع ذلك، لا توعية، ولا حملات طبية، ولا حتى استجابة عاجلة. الناس يتعاملون مع الجثث بأيديهم العارية، ويغسلون الموتى بمياه الصرف، ويجهزون المدافن بلا قفازات ولا مطهرات.
عينٌ على مستشفى أمبدة التعليمي:
لا مكان ولا دواء ولا أمل. حالات الإسهال المائي تتدفق من كل حيّ، أغلبهم أطفال ومسنّون. إحدى الأمهات في قسم الطوارئ قالت:
“ابني مات في حضني. قلت لهم أعطوه محلول رينجر، فقالوا لا يوجد. قلت أشتريه، فقالوا ليس مسموحًا. قلت أنقذوه، فقالوا انتظري الدور. لم يكن هناك دور. كان الموت هو الدور”.
بين الفوضى والخذلان:
وزارة الصحة لا تملك خطة، المستشفيات تشكو من انعدام المستلزمات، والمواطنون وحدهم يدفعون الثمن. أكثر من عشرة متوفين يوميًا في محلية واحدة، ولا أحد يُعلن حالة الطوارئ.
أين الدولة؟ أين الوزير؟ أين إنسانيتنا؟
دعوة عاجلة:
نوجه نداءنا لكل الجهات:
نطالب بإعلان الخرطوم منطقة منكوبة صحياً.
نطالب بتوفير سيارات إسعاف وكوادر ميدانية.
نطالب بدعم عاجل للمستشفيات والمراكز الصحية.
نطالب بفتح ممرات إنسانية للدواء والمساعدات.
الخرطوم تُدفن حيّة، ونحن شهود على الجريمة.



