القبور لا تكفي : حين تختلط دموع الموتى بمياه الصرف الصحي

حسن عبد الرضي الشيخ
نقلاً عن شهادة المتطوع عبد الرازق حسن – فريق دفن الموتى بمنطقة الفتيحاب
“ما عدنا نعدّهم موتى .. صاروا أرقاماً وأكياساً تنتظر المقابر!”
هكذا لخص عبد الرازق حسن الواقع اليومي لفريق دفن الموتى، الذي يعمل منذ أكثر من عام في مناطق أم درمان الكبرى.
ولأن الدولة غابت، ولأن الحروب لا تعترف بجدول دفن رسمي، أصبح هؤلاء المتطوعون هم من يوثقون، وينظفون، ويحفرون، ويكفّنون، ويواسون الأحياء في زمن لم يبقَ فيه من الحياة إلا الصبر.
مشاهد لا توصف : الجثث في الممرات، والمغسلة ملوثة
يقول عبد الرازق:
“في بعض الأيام نستلم أكثر من ١٢ جثة من مستشفى النو وحده. تُلقى في الممرات، أو في مغسلة لم تُنظف منذ شهور. الروائح تزكم الأنوف، والماء غير متوفر، والصابون تبرعنا به نحن”.
وتابع:
“أحياناً نغسل المتوفى بكيس صابون سائل، ونكفنه في ملاءة نسائية، أو ثوب قديم، لأن الكفن غير متوفر. نحمله على نقالة بها دماء من سابقه، ونبكي أكثر مما نشتغل”
المقابر .. تفيض بجثث الفقراء
مقابر الفتيحاب وأبو سعد وود البخيت لم تعد تكفي.
يُدفن الموتى أحياناً على بعضهم، دون علامات تمييز، ودون شهود، لأن بعض الأهالي لا يستطيعون حتى مرافقة الجنازة، بسبب تكاليف النقل أو الخوف من القصف.
في إحدى الحالات، وجدوا جثة متحللة في محيط مستشفى بشائر، وكانت الكلاب قد نهشت أجزاء منها.
يقول عبد الرازق:
“بكينا .. حملناها ونحن نرتجف، لكن لم يكن هناك من يشاركنا حتى قراءة الفاتحة”.
أين وزارة الصحة؟ أين الأئمة؟ أين الإنسان؟
يتساءل عبد الرازق:
“هل من المعقول أن يكون جهاز الدولة عاجزاً عن توفير أكفان ونعوش؟ هل من المعقول أن نشتري القطن واللفائف من جيوبنا، بينما تُنفق الملايين على المؤتمرات والسيارات المصفحة؟”
ويضيف:
“نحن لا نطلب راتباً، فقط نريد من يسمع، من يعترف، من لا يخذلنا كما خذلنا هذا الوطن”.