التركيز على المشكلة فقط… مشكلة في حد ذاته

احمد الفكي
لقد درس معظمنا، وفي مختلف المدارس والكليات، أن نركّز على المشكلة — أي مشكلة — وأن نحاول إيجاد حلٍّ لها. وبما أن المشكلة تُحلّ بإيجاد “الحل”، والذي يكون غالبًا مبسطًا ويركّز على عنصر واحد ويفترض ثبات العناصر الأخرى، فإننا نتمكن من “حلّها” بصورة نموذجية، وغالبًا ما يكون لها حلٌّ واحد وإجابة واحدة. إن توصّلت إليها، تحصل على الدرجة الكاملة التي اختارها الأستاذ، أو الدكتور، أو البروفيسور.
بالطبع، هناك مشكلات بسيطة ولها حل واحد. ولكن الأمر يختلف اختلافًا جوهريًا على أرض الواقع. فإذا تأملنا في أغلب مشكلات بلادنا، نجد أنها في حقيقتها نتائج لحلول لمشكلات سابقة. تلك الحلول ركّزت على المشكلة الآنية، وحلّتها حلًا جزئيًا، لكنها خلقت في المقابل مشاكل جديدة — أكثر تعقيدًا وخطورة.
ولنأخذ مثالًا: حميدتي والدعم السريع، الذي أسماه البشير “حمايتي”. لقد أنشأ البشير قوات الدعم السريع كحلٍّ للتهديدات التي واجهته أو توقع مواجهتها في ذلك الوقت، دون أي تفكير في التبعات طويلة المدى لهذا القرار.
فقد قام بتقوية وتسليح الدعم السريع لحسم صراعات الغرب، وكذلك لحمايته من الجيش تحسبًا لوجود عناصر متهورة لم تنجرف تمامًا مع أيديولوجيته، فربما تسوّل لهم أنفسهم الانقلاب عليه.
وبعد ثورة ديسمبر، استعان القائد العام للجيش بلجنة أمن البشير وبقوات الدعم السريع، وقنّن وجودها، بل قواها على حساب الجيش.
واستخدمها، مع كتائب الظل للإسلاميين، لقمع وقتل الثوار الشباب من بنات وأبناء شعبنا. كان ذلك “حلًّا والسلام”، دون أدنى اعتبار لتبعات تقوية كيانٍ موازٍ للجيش، حتى عليه وعلى طموحاته.
فكانت النتيجة: حرب أهلية.
إنه ثمن فادح لطريقة حلّ المشكلات دون التفكير في تبعات “الحلول”.
ويمكننا، بهذا المنطق، العودة إلى تسليم أول حكومة مدنية للسلطة إلى الفريق عبود. إنها حلول مؤقتة، كما ظن أصحابها، لكنها خلقت مشكلات أكثر استعصاءً، تكررت فيها نفس الأنماط، حتى صار وجود بلادنا في مهبّ الريح، حيث تنتشر كتائب الإرهابيين واللصوص من كل ركن، فتزيده بؤسًا وفقرًا ودمارًا.
هذا المقال القصير لا يهدف إلى تتبع كل جذور المشكلات التي وَلَّدَت حلولها مشكلاتٍ أخرى، أشد تعقيدًا وأعلى تكلفة ماديًا وبشريًا.
إنما الغرض هو لفت الانتباه إلى أن التركيز على المشكلة الآنية غالبًا ما يُنتج مشكلات جديدة أكثر صعوبة على الحل.
يجب أن نتعلّم ألا نركّز على المشكلة بمفردها، بل نراها في سياق منظومة مترابطة ومتشابكة.
خذ مثلًا الصراع الحالي، والحرب المدمّرة التي يدفع ثمنها المواطن المغلوب على أمره.
يركّز معظم الكُتّاب والصحفيين — بعضهم بحسن نية نتيجة خلفياتهم التعليمية، وبعضهم بسوء نية لأنه ينتظر الأجر من البرهان أو حميدتي — على مظاهر المشكلة لا بنيتها.
يجب أن نسأل: ما هي وظيفة الدولة في أي بلد محترم؟ وما هو موقع الجيش من هذه الوظيفة؟
لقد ظل الجيش يمارس دورًا ليس من اختصاصه لما يقارب ٥٥ عامًا من تاريخ بلادنا.
ولأن الوظيفة التي مارسها طوال هذه العقود ليست وظيفته الحقيقية، فإن أول ضحايا هذا الانحراف هو الاعتماد على العنف كوسيلة وحيدة لحل الاختلاف، في بلد متعدّد الأعراق والثقافات والديانات والمعتقدات واللغات.
المحاولات المستميتة التي يقوم بها بعض من يسمّون أنفسهم مثقفين — من أدعياء الثقافة الساعين لخدمة الطغيان، أو حملة الشهادات العليا الذين أسقطوا البعد الأخلاقي من سلوكهم، أو المثقفين العنصريين الذين لا يرون الصورة الكاملة — كلها تصب في بتر المشهد، وتحريفه، ومعاداة دولة ما قبل ٥٦، وكأن التاريخ بدأ بعد ذلك.
لو استخدمنا مثال المنزل، فإن للمنزل مكونات: غرفة نوم، مطبخ، حمّام، ومرحاض، ولكل منها وظيفة.
إذا اختلّت الوظائف — فصار الطبخ يتم في المرحاض، وقضاء الحاجة في غرفة النوم — فإن البيت يتحول إلى مكان مضطرب وغير صالح للعيش.
وهكذا تكون الدولة حين تتحول المؤسسة العسكرية من حماية الحدود إلى الجلاد الداخلي للمواطنين.
لعلنا، نحن أبناء وبنات هذا الوطن، نحاول أن نركّز على وظائف الأشياء في بلادنا: الجيش، الشرطة، الأحزاب، لا فقط على المشكلة المباشرة التي بين أيدينا، كي لا يتحوّل النقاش إلى ثرثرة بلا معنى