القاتل لا يصبح منقذًا، والحرب لا تُبرر بدموع التماسيح

حامد عثمان محمد
ما يحدث في السودان اليوم ليس حربًا من أجل الوطن، ولا صراعًا من أجل الحرية أو العدالة. ما نشهده هو صراع دموي قذر بين طرفين لا يهمهما شيء سوى السلطة والثروة. طرفان يقتتلان على أنقاض دولة منهكة، وعلى حساب دماء الأبرياء وكرامة شعب أنهكته الحروب والمجاعات والخذلان.
الحديث عن وطنية أو شرعية أي من الطرفين هو عبث محض، فكل منهما غارق حتى أذنيه في انتهاكات صارخة، موثقة ومدانة دوليًا ومحليًا، من قتل للمدنيين، واغتصاب للنساء، وتشريد جماعي، وقصف للمستشفيات والأسواق، وإعدامات خارج القانون. من يقتل شعبه لا يحق له أن يتحدث عن السيادة، ومن يغتصب النساء لا يملك حق المطالبة بالشرعية، ومن يُهجِّر الملايين لا يمكنه أن يزعم الوطنية.
كلا الطرفين ينتهك القيم، يضرب بالقانون عرض الحائط، ويمارس الابتزاز السياسي عبر معاناة المواطنين. لا فارق كبير بين دبابة الجيش وصاروخ الدعم السريع عندما يكون الهدف سوقًا أو حيًّا سكنيًا أو مستشفى يعجّ بالمرضى. الدماء التي تسيل لا تُفرّق بين علم على كتف أو شعار على مركبة.
الجيش الذي يدّعي حماية الوطن يوزّع المليشيات كأنها جوائز، ويُفرّخ كل يوم نسخة جديدة من الدعم السريع، تحت مسميات مختلفة، لكن بروح واحدة: قمع، ابتزاز، وولاء أعمى لسلطة فاسدة خرجت من رحم حركة إسلاموية تآمرت على الوطن لعقود. والدعم السريع، الذي يحاول تجميل صورته، متورط في جرائم لا يمكن غسلها بإعلانات دعائية أو مبادرات شكلية.
لا أحد من هؤلاء يمثل الشعب، ولا يملك أي منهما حق الحديث باسم الوطن. من يمثل الشعب هو من يوقف هذه الحرب، ويعتذر علنًا، ويسلّم السلاح، ويقبل بالخضوع لحكم مدني شفاف وعادل. أما من يحرق المدن، ويستخدم الجوع كسلاح، ويعتقل الأبرياء، فلا مكان له في مستقبل هذا البلد.
ما يثير الغضب أكثر، هو أن كل طرف لا يرى في المواطن إلا ورقة ضغط أو وسيلة دعاية. لا أحد يفكر في الجوعى والنازحين، ولا أحد يسأل عن الأطفال الذين يُقتلون تحت الأنقاض. لو كانت هناك ذرة إحساس بالمسؤولية، لكانت الحرب توقفت منذ يومها الأول.
نحن لا نريد دعمًا سريعًا آخر، ولا فرقة مظلية جديدة، ولا كتائب ظل، ولا مليشيا يقودها شيخ أو ضابط. نريد دولة… دولة تحترمنا كمواطنين، لا كضحايا.