سجدة في مرمى الوطن

نبيل منصور
هبطت الطائرة كما تهبط الكرة في منتصف الملعب، حركة متقنة بارعة، مشفوعة بصافرة غير مسموعة.
لم تكن سجدة نهاية مبارة، بل شوط آخر أستأنف بعد اعتقاد أن هناك إصابة طويلة حدثت لذاكرة الوطن.
نزل رئيس الوزراء الجديد كاحتياطي تم الدفع به في الوقت بدل الضائع،
يحمل رقمًا مزورًا على قميصه، وتاريخ ميلاد مكتوب بخط اليد، نزل من سلم الطائرة وسجد كمن سجّل في مباراة مصيرية.
أشار إلى “ود الأعيسر” مدرّب التلميع وصانع الألعاب، وقال له:
“ركّز يا ود يا أعيسر، اظبط الكاميرا كويس … أنا حا أسجد” .
ثم سجد.
لم تكن سجدة شكر، بل احتفالًا بالهدف الأول في موسم جديد من دوري “الفشل السوداني الممتاز”.
لا جمهور في المدرجات، سوى عيون الكاميرات.
لا حُكّام وسط وخطوط، فقط حاملو المايكروفونات.
المدرجات صامتة، لكن وسائل تواصل السلطة تهتف :
“يا له من تواضع”
“هدف نظيف في مرمى الانحياز”
“السجدة تتحدث بلغة الوطن”
لكن في الحقيقة، كانت الكرة قد اخترقت الشباك من الجهة المعاكسة،
الشعب في مرمى الخصم،
والاحتفال يُبثّ على كل القنوات.
سجد كما يسجد لاعبو الكرة بعد تسجيل هدفهم الأول،
لكن الفرق أن الملعب هنا هو الوطن،
والشباك هي الذاكرة،
والجمهور منهك من الهزائم لدرجة أنه يُصفّق لكل حركة على أمل أن تكون خلاصًا.
في هذه البلاد، لا تُرفع الكروت الحمراء،
بل تُمنح بطاقات التعيين.
والفاولات تُكافأ بالمراسم.
و”الفار” جهاز معطل … ينتظر إصلاحه منذ انتفاضة تائهة.
سجد الرجل كما يسجد لاعب بعد هدف الحظ،
لكن بدل أن تشير لوحة التبديل إلى دخول بديل نزيه،
ظهرت لوحة أخرى:
“مرحبًا بعودة البطل إلى ميدان الفساد”
تبادل التمرير مع ود الأعيسر،
خد وهات من نوع خاص:
خد السجدة، وهات البيان.
خد الصورة، وهات التصفيق.
أما الشعب
يتابع المباراة وهو يعلم أن النتيجة حُسمت مسبقًا،
كل ما تبقّى هو استعراض المهارات التمثيلية.
وسجّل الهدف.
وعادت اللعبة من جديد.
تقول الصورة:
“ها هو يضع جبهته على تراب الوطن”.
لكن التربة تشهق:
“هذه الجبهة ثقيلة … ليست من التواضع، بل من الحسابات”.
ويقول الملعب:
“تعبت من رقصات لاعبين لا يسألون عن النتيجة، بل عن الأضواء”.
مسرحية قديمة من فصل طويل مكرر والجمهور لا ينسى، لكنه مُتعب و”لايوق”.
بعد الصورة،
وحين سُئل طفل صغير عن تلك السجدة،
قال وهو يحمل كرةً ممزقة:
“دي سجدة بعد هدف ولا بداية الضربات الترجيحية؟”.
سجد الرجل معتقدًا أنه يسجد على تراب الوطن ايمانا واحتسابا،
لكن الحقيقة أنه سجد على بقايا الثقة، وأشلاء الحقيقة، وطبقة ثقيلة من الغبار الذي خلفه اللاعبون قبله.
اولا يا استاذ نبيل انا لست كوز ولست من الشمالية لكني افتخر باني سوداني وغير مؤيد للهوية على اساس العرق. لكن اعتقد ان دكتور كامل رجل شجاع لأنه اختار ترك مخدعه الآمن ليتورط في مخدع لا أمن فيه وربما لا مستقبل فيه. ثانيا اعتقد ان هذا الرجل وطني وقومي ليتخلى عن جميع الامتيازات التي يتمتع بها في بلاد الفرنجة وجاء الي سودان البؤس والذي أصبح بعد هذه الحرب أرض خراب لا زرع ولا ضرع والغريب في الأمر الكل يتصارعون من أجل السلطة ولا يهمهم حياة المواطن البئيسة الذي عاش ثلاثة عقود ونيف في ظل حكم فئة لا يهمها الوطن ولا المواطن وهي التي أنجبت الدعم السريع الذي فعل ما فعله جهادية المهدية في أهل الوسط والشريط النيلي وكان ذلك في زمن جاهلي لا حضارة فيه ولكن ان تحدث نفس الممارسات في هذا العصر الرقمي السيبراني لأمر يعجز للعقل المعاصر ان يستوعبه. وللأسف كل نخب السودان من طائفية وادارات أهلية وقوى حديثة يؤججون نيران العصبية والعنصرية والهوية وكأنهم يلتزمون بقول الشاعر الجاهلي الذي قال:
وما انا إلا من غزية ان غوت غويت وان ترشد غزية أرشد.
لذلك أصبحت مصيبة السودان كبيرة وربنا يصلح الحال. فلندع دكتور كامل يجرب ربما يحدث الله بعد ذلك أمرا.