مقالات سياسية

رئيس الوزراء وحقبة الورد: لا تضحكوا… إنه جاد!

حسن عبد الرضي الشيخ

رجاءً، خففوا صوت القهقهة، أو أجلوا ضحككم قليلاً احتراماً لمشاعر الرجل الذي هبط علينا بمظلة “القدَر الكيزاني”، ليصبح فجأة رئيس وزراء السودان. القائد الفذ، والمبشر بالزمن الوردي، الذي بدأ عهده العظيم بتوزيع الزهور على ركّاب طائرة تجارية كأنما يفتتح موسم الحب في بلد تحترق أطرافه وتختنق أنفاسه بالكوليرا والرصاص.

نعم، هذا ليس مشهداً مقتبساً من مسرحية سياسية هزلية، ولا فقرة من برنامج كوميدي ساخر، بل الحدث الرسمي الأول لرئيس وزراء دولة بورتوكيزان، الذي قرر أن يفتتح ولايته من فوق السحاب، لا بخطة إنقاذ وطن، بل بحفلة وردية في الجو!

تخيّلوا المشهد…
ركّاب مرهقون داخل طائرة وطنية مهترئة، بعضهم يحمل آلامه في صدره، وبعضهم ينتظر جثمان ابنه في ثلاجة، وإذا بشخص أنيق يمر بينهم، يوزع الابتسامات كأننا في صالة أفراح، ويُعرَّف بأنه “رئيس الوزراء الجديد”، ثم يبدأ بمدّ الأيادي بالزهور الحمراء، تماماً كمن يهدي وردة لمرض السرطان.

لكن من هو هذا؟
إنه” كامل”، الذي خرج علينا بتفويض باهت، محمولاً على أكتاف الكيزان، في لحظة عبث سوداني أصيلة. ظنّ الرجل أن الشعب بحاجة لوردة تُسكته لا لدواء يُنقذه. أتى إلينا بورقة توت اسمها “الاستقلال”، بينما تقف خلفه كتائب النظام القديم تصفق وتبتسم في الخلفية.

ربما أراد الرجل أن يضفي لمسة “رومانسية سياسية” على مشهد الدم والموت، لكن حتى الرومانسية لها أدبها. فجاء أداؤه بارداً، مبتذلاً، مثيراً للغثيان لا للإعجاب، مجروحاً كابتسامة حزينة في جنازة.

وما هو أسوأ من الورود؟
أن رئيس الوزراء الوردّي يدير حكومة على ركام وطن منهك، وكتائب البراء تعبث بالمناطق المنكوبة، وجيشه، الذي يفترض به الحياد، يحتضن الكيزان ويغرق معهم في مستنقع المصالح القذرة. إنها حكومة على حافة السقوط، تتزيّن بالورد كما تتزيّن الجثث في المشرحة بشال أبيض.

سيادته، بدلاً من أن يزور مشرحة الأطفال ضحايا الكوليرا، أو أن يقف على أنقاض مدرسة تحولت إلى ثكنة لمرتزقة، قرر أن يصافح الركّاب في طائرة تائهة، ويمنحهم وردة… ومن يدري؟ لعلّه كان يحمل في حقيبته أيضاً “كريم ضمير”، أو عطر “خداع سياسي فاخر”.

يا شيخ كامل، الوطن لا يُدار بباقة ورد. الخرطوم لا تبتسم لزهرة اصطناعية، بل تبكي في صمت. والناس الذين ماتوا بسبب مياه الشرب الملوثة لا تواسيهم زهرة، بل العدالة.

والشعب، يا “رئيس الوزراء الوردّي”، ليس جمهور حفل زفاف يحتاج لمنديل حرير، بل أمة تبحث عن كفن كريم في زمن اللامبالاة.

وفي الختام، لا تضحكوا كثيراً…
صدق أو لا تصدق: كادت الوردة أن تسقط من يد سيادته وهو يتعثّر بين مقاعد الطائرة، كأنها نبوءة رمزية لسقوط مرتقب. فقط احذر يا كامل، لا تسقط الحكومة معك من علو وهمك.

هكذا يبدأ عهد “رئيس وزراء الكيزان”: من السماء، بين مقاعد الركاب، بالابتسامات والورود… فماذا ينتظرنا على الأرض؟
الجواب واضح: المزيد من الألم، مزيد من التهريج… ومزيد من الكذب المزيَّن بوردة!

فيا شيخ كامل، الورد لا ينبت في مقابر الخرطوم.

[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..