مقالات سياسية

حتمية تصادم كامل ادريس مع الحركات المسلحة والإسلاميين

حافظ حمودة

دخل الدكتور كامل إدريس رئيساً للوزراء في المشهد السوداني وهو محاطاً بألغام سياسية قد تنفجر في وجهه في أي لحظة . فالرجل ، المعروف دولياً بالكفاءة ، وجد نفسه على رأس حكومة تفتقر للتجانس ، وتضم أطرافاً لا تدين له بالولاء السياسي ، أبرزها حركتا جبريل إبراهيم ومني أركو مناوي ، اللتان ما زالتا تتمسكان بوزارات نالتاها بموجب اتفاق جوبا ، وعلى رأسها المالية والمعادن والتنمية الاجتماعية . تمسك هذه الحركات بمواقعها تستند إلي انها مكتسبات نضالية غير قابلة للمراجعة ، وهو ما يصطدم مباشرة برغبة كامل إدريس في تشكيل حكومة فعالة تخضع لتوجيهاته وتخدم رؤيته للإصلاح .

لكن الصدام لا يتوقف عند الحركات المسلحة ، فهناك أيضاً التيارات الإسلامية التي ، رغم إبعادها الرسمي، لا تزال تحتفظ بقدرات على التخريب السياسي من خلال اختراق مؤسسات الدولة وتحالفات خفية مع بعض الأطراف داخل الحكومة . وفي ظل واقع دستوري هش وصلاحيات تنفيذية غير واضحة ، يصطدم كامل إدريس بتحدٍ خطير هل يستطيع فعلاً ممارسة صلاحياته كرئيس وزراء أم أنه مجرد واجهة لحكومة يتحكم فيها آخرون ؟

إقالة أو استبدال وزراء الحركات لن يكون أمراً سهلاً ، فذلك سيُنظر إليه كخرق لاتفاق السلام ، وقد يدفع الحركات إلى التمرد السياسي أو حتى الانسحاب من الحكومة ، مما يهدد بنسف التوازن الهش الذي بُني منذ سنوات . وإن لجأ كامل إدريس إلى خيار المواجهة المباشرة، فمن المرجح أن يصطدم بالبرهان نفسه ، الذي ، وإن بدا في بعض اللحظات حريصاً على التوازن ، إلا أن مصلحته تظل في بقاء الوضع القائم ، حيث تنقسم السلطة بين المدنيين والعسكريين والحركات المسلحة ، ما يمنحه مساحة واسعة للمناورة والهيمنة .

إن قرر كامل إدريس التماهي مع هذا الواقع ، فسيجد نفسه ( دلدول ) ورهينة لحكومة لا يستطيع إدارتها فعلياً ، حيث يتحول من قائد سياسي إلى مجرد منسق بين مراكز قوى متنافرة . أما إذا أصر على فرض رؤيته وإزاحة وزراء غير منسجمين معه أو رافضين لتوجيهاته ، فسيواجه رفضاً ، وقد يتعرض لضغوط متصاعدة تجعله غير قادر على الاستمرار . وعليه، فإن السيناريو الأكثر ترجيحاً في ظل هذه المعطيات هو تصاعد التوتر بين رئيس الوزراء والحركات المسلحة والإسلاميين الذين يسعون لتوجيه الرجل ( بالمسطرة )، وامتداد هذا التوتر ليشمل المؤسسة العسكرية نفسها ، مما يفضي إلى أزمة حقيقية في قلب السلطة الانتقالية ، قد لا يجد كامل إدريس معها خياراً سوى التلويح بالاستقالة ، سواء احتجاجاً على انعدام الصلاحيات أو اتساع هوة الخلافات الداخلية . وفي بلد اعتاد أن تسقط الحكومات تحت وطأة التعقيدات الداخلية أكثر من المواجهات المباشرة ، فإن استقالة كامل إدريس ، إن وقعت ، لن تكون مفاجئة بل نتيجة حتمية لصدام مؤجل بين مشروع رجل دولة ومصالح مراكز قوى لا تريد التنازل .

حافظ يوسف حمودة
[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..