ثرثرةُ مع غيمة

مهدي يوسف إبراهيم
………………..
في كلِّ مساءٍ يا باذخةَ النّهدِ
أعودُ إلى بيتي
(عفواً …. مَوتِي)
مثقوبَ الروحِ
( و ظلّي يلعنُ خطواتي )
وفؤادي سفنٌ مضغتها يا قمري الأمواجُ الهوجَاء..
في كلِّ مساءٍ أدفنُ وجهي
في صحفِ المُدنِ الصَفراءِ
( مختصراً أحزانَ البؤساء)
في كل مساءٍ يا امرأةً
خضراءَ الضحكةِ والإيقاع
يأكلنُي الحزنُ رغيفَ جياع
(و تلوحُ النجماتُ العمياءُ على الآفاقِ قطيعَ ضِبَاع)
……………
في كلِّ مساءٍ أُخرجُ وطني من شرياني
ألثمُه
و أقبّلُ قامته الشمّاء
أتأملُ بعضَ جَمالِ النيلِ
و أشربُ بعضَ رحيقِ الليلِ
أطاردُ أصداءَ النوباتِ
و أحلُمُ بالغيمِ ، الغاباتِ
أنامُ على خاصرةِ النخلِ
أناجيكِ
آتيك نشيداً ينضحُ أفراحاً و بُكاء
…….
في كلّ مساءٍ يا امرأةً
تختصرُ الشِعرَ
أريجَ الوردِ و عُمقَ الماء
أتخلصُ من ثوبِ المنفى
و أحطّمُ أصفادَ البؤساء
أعدو من قافلةِ الحزنِ
و أغافلُ أشجانَ الكونِ
آتيكِ على صهواتِ الريحِ
غمائمَ حُبلى بالترحاب
ألقاك دراويشاً تتمايلُ
طعمَ بخورٍ
دقّ دفوفٍ
سِربَ قباب
ألقاك غرامًا يلبسُني تحتَ الأثواب
فالحبُ هنا ظلُ زائف
الحبُ هنا وردٌ ناشف
أوراقُ العشقِ هنا سوداء
و الشعرُ هنا جاريةٌ تحترفُ الإصغاء
و أنا فنانٌ يشنقني
ليلٌ يتمطّى بين ضفائرِ غجريّة
و أنا رسّامٌ تقتلنُي
عينان غيومٌ و ثريّا
و قوامٌ يختصرُ الأشجارَ
و نبضَ الطبل الزنجية
في كل مساءٍ – سيدتي –
أتأملُ وجهَك مرسوماً بين الآفاق
مختصراً أجيالَ الإشراق
و أصيحُ كطفلٍ
” ياااااااااا غيمُ
خذنى يا غيمُ إلى “امدرمان”
لا شيء هنا في صمتِ الليلِ
سوى الأحزانِ
و نابِ الصمتِ الوحشية
فعروقُ الناسِ هنا أوراقٌ ماليّة
أرواحُ الناسِ هنا ثلجٌ
أرضٌ جردَاء
في كلِ وريدٍ – سيّدتي –
تمتدُ ملايينُ الأسلاك
و شجونٌ تحبسُ عن جنبيكَ
نداءَ النوبةِ و النُّساكِ
و تدهسُ أزهارَ الأحلام
الحبُ بإفتاء العصفورِ يُعدُّ حَرام
و العشقُ بإفتاءِ الموجاتِ يُعدُّ بِغَاء
في كلِ مساءٍ – سيّدتي –
أتنسّمُ عبرَ البحرِ أريجَك يا “امدرمان”
أتسللُ من جَمع العُميان
أتأملُ عينيتك النيلينِ
و أغرقُ في ليلٍ
كم يغرقُ في الأهداب
أخلعُ أوجاعي يا بعضي
أعدو كالطيفِ إلى المحراب
أتخلصُ من مدنٍ تستافُ رخيصَ تراب
و أصيحُ أُحبكِ “يا امدرمان”
يا أحلى امرأةٍ في التاريخِ
و يا ورداً يتأنقُ في قاع الشريان
يا رُوح الشعرِ
و يا لوحاتٍ فاتنةً
تتحدّى ذاكرةَ الألوان
في كل مساءٍ
انفضُ عن عينيّ سحاباتِ الأحزان
أتخلّقُ طفلاً بين يديك
أتألقُ كحلاً في عينيك
و أخبئُ في الشريان ضياءَك يا “امدرمان”
خذني يا غيم إلى أمدرمان
…………..