مقالات وآراء

السودانيون وحدهم قادرون على إنقاذ بلادهم وللآخرين أن يمدوا يد العون

 

عبدل محمد

ترجمة: المحبوب عبد السلام

الى أخواني السودانيين وأخواتي

إذ انصرم منذ أمد قريب الاحتفال بيوم أفريقيا، أكتب إليكم لا بوصفي أجنبياً، ولكن بوصفي مواطنكم الأفريقي الذي يرتبط مصيره بمصيركم، كما أكتب إليكم تملؤنى الحسرة والعجلة ويحفزني احترامٌ لكم عميق، ولكن كذلك بأملٍ طاغٍ. لقد ظلوا لوقت أطول مما ينبغي يحدثونكم أن السلام سيهبط عليكم من علٍ أو من الماوراء أو من الآخرين، لكن السلام الحق يبدأ منكم.

هذه الحرب ليست محض مواجهةٍ عسكرية، ولكنها حربٌ على كرامتكم وهويتكم كما هي حرب على مجتمعاتكم وعلى مستقبلكم. لقد اغتصبت هذه الحرب حقكم في امتلاك مصيركم وألقت بكم متفرجين على صراعٍ يحتدم في ذات ترابكم، كما هو يدور باسمكم، ولكن دون صوتكم، ومهما يكن وإلى الآن وفي خضم الحطام لستم بلا قوة ولم تستسلموا بعد، ومن هنا يبدأ المسار ويشترع نحو السلام.

هذه الحرب مأساةٌ مزدوجةٌ إذ اندلعت مضادةً للشعب، ذات الشعب الذي انتصب وأجهز على الديكتاتورية، وقدم مثالاً رائعاً لقوة الشعب التي تنبذ العنف، وتجعلني أتقبل بقلب راضٍ أن الروح السودانية في المقاومة المدنية والتجديد لم تزل متقدةً لم تنطفئ.

إن مصير السودان لا يمكن أن يعهد به لعقد من الباطن، فالفاعلون الأجنبيون يمكنهم أن يساعدوا، ولكنهم لا يصلحون ما بناه غيرهم، وكما لا يتيسر لغريب أن يحب السودان أشدّ من شعبه لا يمكن لتدخل خارجي أن يتصدى لمخاطر السلام بأكبر من الذين عاشوا في غيابه، فالسلام في السودان ينبغي أن يُعرف ويُطلب ويُدافَع عنه من السودانيين أنفسهم، وذلك ليس حقيقة أخلاقية فحسب، ولكن كذلك ضرورة استراتيجية.

إنني أدرك أنكم مرهقون كما اعرف أن اليأس يزحف نحو شغاف قلوبكم، ولكنني أعلم كذلك أنكم لم تسلِّموا الراية، إن الألم عميق نعم، ولكن إرادتكم للتصدي ما تزال أعمق، وأن مذخور القوة فيكم ينبغي أن يحتشد للمهمة الوطنية، لاستعادة المستقبل عبر تحرك يقوده الشعب نحو السلام.

اسمحوا لي أن أكون أكثر وضوحًا: إنني لا ادعوا إلى تعبير رمزي ولا أنشد أحلاماً مثاليةً، بل أتطلع الى عمل مدني محددٍ منظمٍ مركزٍ، ذلك أنكم وحدكم قادرون على إنهاء هذه الحرب.

هنا أتقدم إليكم ببعض المقترحات المتواضعة:

١/ عقد مؤتمر شعب السودان للسلام:

إن التأسيس لذلك التحرك يجب أن يكون مؤتمرًا جامعًا للسلام، لا ينعقد بالأقوياء ولكن بالشعب، المجتمع المدني، الشباب، القادة الروحيون، جماعات النساء، مجتمعات النازحين، روابط المهنيين، والسياسيون العاملون أهل الثقة، كلهم يجب أن يتداعوا سوياً، لا لتفتيت القوى، ولكن لتعريف السلام، لا ليكون ذلك منافساً للجهود الرسمية، ولكنه جهد تقوده بوصلة الأخلاق والسياسة.

دع الوسطاء يأتون لا ليقودوا، ولكن ليسمعوا، ذلك لأن السلام إذا جاء من الجذور فإنه يمكن أن يسمق في التاريخ، ولكنه إذا أُقحم من علٍ فإنه يتداعى من ذات ثقله، ذلك المؤتمر ليس مُجدياً فحسب، ولكنه ضرورة، وليست السذاجة أن تثق في وكــــــالة الشعب، بل هي أن تظل تكرر عمليات قيادة النخب التي طفقت تفشل مرةً بعد مرة.

٢/ اشتراع بنود سلام الشعب:

دعوا المؤتمر ينتج بنود سلام الشعب واضحةً جليةً مفعمة باستلهام التاريخ، ويحدد نوع السلام الذي يريده السودانيون، ما هو نمط العدالة المطلوب وكيف يمكن أن نعيد بناء الوحدة. هذه البنود يجب ألا تخرج من حجرات الاجتماعات، ولكن من الشوارع ومن معسكرات اللاجئين ومن بيوت الثكالى ومن أحلام الصغار، فليس الأمر بإدارة أزمة، ولكنه تخيّل للمستقبل.

٣/ تدشين حركة وطنية للسلام:

عليكم أن تعملوا هذه البنود لبناء الحركة الوطنية، تنتظم عبر الفرقاء وتنظمهم وتحشد عبر الأقاليم وتشرك السودانيين في شتات الاغتراب، تصنع قوةً أخلاقية وسياسية لا يمكن لأمراء الحرب تجاوزها ولا تستطيع قوى الخارج أن تتجاهلها، فالسلام لا يُنتظر، ولكن يُبنى، وحيثما تحرك الشعب فإن السياسة ستتبعه.

٤/ ربط حركة السلام بجهود الوساطة:

يجب على حركة السلام أن تُنصِت لأصحاب المصلحة الحقيقيين، كما ينبغي أن تكون مقررات مؤتمر الشعب هي الهادية لأيما وساطة مهما تكن إقليمية أو دولية، وأن يُشجعوا جميعاً لحضور المؤتمر بصفة المراقبين، شهوداً يحملون صوت الشعب ويصطفون الى جانبه، ذلكم هو الطريق الوحيد نحو الشرعية وكيف يمكن للسلام أن يصبح مستداماً.

٥/ الحصول حالاً على نتائج: أن تصمت البنادق وأن ينفرج الاستقطاب:

هما الشيطانان التوأمان اللذان يحيطان بالسودان فالبنادق تحرق الأجساد والاستقطاب يمزق الأمة، وإذ أن وقف القتل واجب عاجل فإن تشظي المجتمع حرج بالغ، وعلى مؤتمر السلام أن يُواجه كِليهما كما أنّ عليه أن يبسط استراتيجيةً لوقف العنف وإعادة رتق النسيج الاجتماعي، وعلى السودانيين ليس فقط وقف الحرب، ولكن عليهم أيضاً إعادة المعنى لأن تكون سودانياً.

٥/ أن تكون وسائل التواصل الاجتماعي أداةً للسلام:

تلك المنابر والمنصات التي أشعلت الكراهية ومارست التضليل يمكن أن تُصوِّب أهدافها لحشد الأمل، وأن تُرَوٍّج لمؤتمر السلام، وأن تكون مصدراً يحمل أفكار الجمهور، وأن تُشرِك الجميع في قصص الصمود والعيش المشترك، وأن تُحيل الفضاء الرقمي الى فضاءٍ مدني، وأن تصل السودانيين داخل السودان بمن هم خارجه فوسائل التواصل الاجتماعي يمكنها أن تفرّق، ولكن بإمكانها أيضاً أن تُوحِّد.

٦/ معالجة الطبيعة الجديدة للحرب:

إن هذه الحرب ليست من العينة التي ستنتهي بالتوقيع على الأوراق، إنها حرب التشظي اللانهائي والاستنساخ الأبدي، كما هي حربٌ عبثيةٌ بلا هدف. وعلى مؤتمر السلام أن يقر بتلك الحقيقة وأن يبتكر السبل التي تُبطِل منطق الصراع الأزلي، فالسلام لم يعد محض محطة للوصول، ولكنه سعيٌ متصل يُقاوم ويَبنى ويُبدع.

التاريخ ليس صامتاً:

منذ مونتغمري إلى سويتو وإلى بوقوتا نحن نعلم أن حركات السلام التي تُخاطب الجذور يمكنها أن تنحني بقوس التاريخ تلقاء العدالة، وكما في الولايات المتحدة فإن المواطن العادي يستلهم روح الأمة، وفى جنوب أفريقيا قامت المجتمعات متحدةً لتضع خاتمةً لنظام الفصل العنصري، وتكاتف المجتمع المدني وأجبرهم لفتح أبواب التفاوض، والسودان يستطيع أن يفعل ذلك.

هذه ليست مثالية، ولكنها استراتيجية فدون حركة يقودها الشعب فإن هذه الحرب ستوالي استنزافها، فلئِن استطاعت صفقات وسطاء الخارج أن تجلب هدنةً للعنف فإنكم وحدكم قادرون على إنهاء الحرب، كما إنكم وحدكم قادرون على بناء السلام الذي يستحق أن تعيشوا فيه.

فلندع هذه اللحظة لتكون لحظة حركة سلام السودان كأنها لحظة مونتغمري وهو يحشد لحركة الحقوق المدنية، ولندع العالم كله عندما تقف الحرب يقف ليقول: لقد رفض السودانيون أن يظلوا ضحايا، بل نهضوا وتكلموا وبنوا سلامهم بأيديهم.

فَعلتم ذلك من قبل ويمكن أن تفعلوه مرةً أخرى بالتضامن والأمل.

عبدل محمد

مستشار سابق للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، له خبرة ممتدة في الوساطة عبر القرن الأفريقي وخاصة بالسودان وجنوب السودان.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..