أنماط طرائق التفكير السوداني (٢٤)

عوض الكريم فضل المولى
وحسن عبد الرضي
السودان بين مؤيدي الحرب وهزيمة الإنسانية والإرادة الشعبية
سقطت الكلمات أمام فوهات البنادق،
وتحوّل الوطن إلى رقعة شطرنج،
يتنازعها الطغاة،
ويُطرَد منها الحلم.
السياسيون يتفاوضون على الدم،
يقتسمون الخراب كغنيمة،
ويبيعون الوطن في أسواق المصالح.
أما الحرب،
فقد ودّعت ضحاياها بصمت،
ثم عادت لتختطف البقية،
بلا وداع…
بلا ضمير.
ودعوات الإنسانية
انكسرت على أبواب المخيمات،
وبكت الأمهات دون قبور،
ودُفنت الطفولة تحت الركام.
في قلب القارة السمراء، وبين ضفتي النيل، يُكتب فصل جديد من المأساة السودانية، هذه المرة بلون الدم وصوت الرصاص، لا بلغة الشعب ولا بإرادته. حرب لا تشبه الحروب، لأنها لم تُعلَن من أجل الوطن، بل فُرضت عليه من قِبَل من يدّعون تمثيله. بين قصر القيادة وثكنات الجنرالات، تاهت الخرطوم، واحترقت المدن، وذُبحت الإنسانية على أعتاب الطموح العسكري والسياسي.
السودان ليس ساحة معركة بين جيشين فقط، بل ساحة اختبار لإرادة شعب ظنّ الطغاة أنها انكسرت عند أبواب القيادة العامة، أو بالسجون والاعتقالات والدعاوى الجنائية والبلاغات الكيدية. حربٌ أشعلها سياسيون بلا مشروع، كما وصفها مشعلوها: “حرب عبثية”، وقادة بلا ضمير، لا هدف لها سوى تثبيت الكراسي ولو على جماجم الأبرياء، كحلم آبائهم، أو بادّعاء جلب الحكم الديمقراطي ومحاربة دولة ٥٦.
في كل دول العالم، تكون السياسة فن الممكن، أما في السودان، فقد تحوّلت إلى أداة للإبقاء على المستحيل: سلطة منفصلة عن الشعب، لا تسمعه، ولا تمثّله، ولا تبالي بجوعه، ولا بدماء أطفاله.
بعد الثورة المجيدة التي أبهرت العالم في ٢٠١٩م، حلم السودانيون بوطن جديد: مدني، ديمقراطي، حر. لكن حلمهم سُرِق، واستُبدِل بكوابيس من الدم، والتهجير، والنزوح، واللجوء، والمرض، والخذلان المستمر، بدعوات القضاء على “الدعامي”، أو “الفلول”، أو “دولة ٥٦”.
الحرب تلتهم المدن بلا هوادة، تفرّق الأسر، وتخطف الطفولة من بين أذرع الأمهات. النزوح الجماعي، الجوع، الانهيار الكامل للمؤسسات .خ.. مشاهد لم تعد استثناء، بل واقع يومي. لكن الأخطر ليس في ما تفعله الحرب، بل في صمت العالم عنها، وكأن السودان بلد خارج الجغرافيا والاهتمام.
رغم هذا الجحيم، تظل إرادة الشعب السوداني آخر خطوط الدفاع. مقاومة لا بالسلاح، بل بالوعي، بالصمود، بالإغاثة الشعبية، وبأصوات الناشطين والإعلاميين والثوار الذين لم يُطفئهم اليأس.
من رحم هذه الكارثة، تولد إرادة لا يمكن كسرها، ترفض الانجرار إلى معركة لا تعنيها، وتصرّ على هدفها الأول : وطن حر، مدني، ديمقراطي، تسوده العدالة والمساواة.
إن الخروج من هذا النفق المظلم لا يتم بالهدنة فقط، بل بقطع جذور الحرب : الحكم العسكري، الاحتكار السياسي، والتبعية الإقليمية والدولية.
لا حل دون مشروع وطني شامل، يُعيد للشعب كلمته، ويُعيد بناء الدولة من تحت الركام، لا فوق أشلاء الضحايا.
السودان اليوم ليس بحاجة إلى وساطة جديدة، بل إلى صحوة شعبية تضع النقاط على الحروف :
لا لحكم العسكر،
لا للتسويات المسمومة،
لا لحربٍ لا تمثّلنا.
الخلاص الحقيقي يبدأ من هناك، من وعي الناس، من إرادتهم، من صرختهم في وجه آلة الدمار : “كفى!”
لكن…
رغم كل شيء،
تنهض إرادة الشعب كالشمس،
تصرخ في وجه العتمة :
“لن نُهزم،
ولن يُمحى اسم السودان من النور”.