مقالات وآراء

المدنيون دُمىً دامية في ميادين حفلات الدم بمناطق النزاع!

أحمد محمود كانم

 

في مراسلة نصية مع أحد الأقارب الذي ما انفك عالق في مناطق النزاع؛ وتحديداً تلك التي شهدت معارك ضارية مؤخراً بين القوات المسلحة ودعمه السريع … يفاجئني بصورٍ دامية، تظهر شيئاً من ملامحه، وأجزاء واسعة من جسده شبه المغطى بالدماء!

ليرفق معها شرحاً موسعاً تفيد بأن هذه الآثار جاءت نتيجة لسلسلة من جلسات التعذيب الذي تعرض له أثناء محاولته الهروب من مناطق سيطرة الدعم السريع إلى مناطق سيطرة الجيش.

وما ان استطاع الإفلات من هناك بعد فترة اعتقال امتدت لبضعة أيام، حتى حملته قدماه المثخنة بالجراح إلى مناطق سيطرة الجيش.

لكنه فوجئ بذات المشهد يتكرر معه … لكن هذه المرة على أيدي قوات الشعب المسلحة التي لطالما تمنى تقدمها لتحريره من قبضة الدعم السريع طوال فترة بقاءه هناك.

لم تشفع له تلك الإصابات والجروح الغائرة الظاهرة التي تقشعر لها الأبدان!

بل لم تشفع له حتى خدمة والده في الجيش، والذي لا يزال مرابطاً به كأحد جنوده المخلصين منذ اندلاع الحرب.

 

* الواقع الآن في مناطق الصراع في السودان، هو أن المواطن الذي يحظى بقدرة جسدية ومادية، ويحاول الهروب من المناطق الخاضعة لطرف نحو مناطق سيطرة الطرف الآخر، فيوقعه حظه في نطقة ارتكاز أحدهم، يكون هدفاً مشروعاً وصيداً سهلاً للاتهامات بالتجسس لصالح ذلك الطرف، طالما هو في طريقه إلى هناك…

فيُصبح جزاءه الفوري أن يُقتل أو يصلّب أو يُسلب منه كل ما يملك.

 

* وعند الوصول إلى أول نقطة ارتكاز الطرف الثاني، تتم معاملته بذات التهمة ونفس الجزاء طالما هو قادم من مناطق سيطرة العدو!

 

ذات الأمر ينطبق على أؤلئك المواطنين الذين عجزوا عن الفرار من تلك المناطق حتى دخلها أحد الطرفين؛ فيتم التعامل معهم على أنهم متعاونون مع الدعم السريع أو الجيش…

وهكذا يصبحون فرائس تتلقفهم أنياب القطط من جهة، ومخالب الصقور من جهة أخرى.

 

* لا أنكر بأن لكلا الطرفين جواسيسه ومصادره المزروعون في مناطق سيطرة كل منهما، لكن لا يعني ذلك أن جميع المواطنين المحاصرين بتلك المناطق يدينون بالولاء أو الانتماء لذلك الطرف.

 

بل حتى ان ثبت تورط أحدهم في التعاون مع ذلك الطرف، فالمحاكم العسكرية هي وحدها المسؤولة عن محاكمتهم واتخاذ أي اجراءات قانونية بشأنهم، وليس كما اعتدنا على مشاهدتها من حفلات الدم والتمثيل بالجثث التي ما فتئت تقام بالساحات العامة، في كل مرة يدخل فيها الدعم السريع أو الجيش إلى إحدى المناطق…

حتى بات من العاديات جداً أن يشاهد الناسُ جثثاً بالعشرات ملقاة في العراء، لمواطنين أبرياء لمجرد الظن بإحتمالية أنهم متعاونون مع أحد الطرفين.

مع أن الظن لا يغني من الحق شيئا.

 

والمحزن حقاً هو أن بعض من تلك الأفعال الدامية يتم توثيقها عبر كاميرات الفاعلين أنفسهم ، بغرض التباهي والتشفي!

وهي التي تصلنا.

أما ما خفي عنّا فهو الأشد بشاعة وشناعة.

 

فمتى يعقل الفاعلون بأن المواطن مهما كان انتماءه الإثني أو خلفيته اللونية والمناطقية فهو مجرد مواطن لا حول له و لا قوة فيما يجري؟ .

 

[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..