خطاب كامل إدريس: حين يُلامس الحلم شفاه الواقع، دون أن يلمسه

📝 أواب عزام البوشي
في ظهوره الأول كرئيس لمجلس الوزراء، قدّم الدكتور كامل إدريس خطابًا يمكن وصفه بأنه امتداد روحي لكتابه القديم “السودان والحلم المستحيل”. حديثه كان مهندَسًا بلغة مثالية: العدالة، السلام، التنمية المستدامة، الحوار السوداني-سوداني، سيادة القانون، المحكمة الدستورية، تفكيك الميليشيات، مكافحة الفساد، وتحسين خدمات المواطن. خطاب متماسك في بنيته، لكنه منفصل عن أرض المعركة حيث تُكتب السياسة بدم اللاجئين وأنين المخيمات وحرائق الأسواق.
إدريس رسم الإطار النظري لما يجب أن يكون، لكنه لم يقترب بعد مما هو كائن. لم يطرح آلية عملية لوقف الحرب، وهي المفتاح الحقيقي لأي حديث عن تنمية أو إصلاح. لم يتطرّق إلى معاناة الملايين من اللاجئين والنازحين، ولم يتعهّد برفع الضرر عن أولئك الذين يقيمون في العراء داخل حدود السودان وخارجها.
أما في الشق الاقتصادي، فقد جاء الخطاب بعموميات متوقعة: دعم الزراعة، تعزيز الصادرات، وتشجيع الصناعات الصغيرة. لكن الغائب الأكبر عن هذا الحديث هو الذهب — المورد الذي أصبح جوهر الصراع الاقتصادي والسياسي والعسكري في السودان. تجاهله في الخطاب بدا متعمدًا، وكأن إدريس يُبقي على خط الرجعة مع مراكز النفوذ التي لا تزال تُدير هذا الملف من وراء ستار.
وفي قلب هذه المتاهة تقف وزارة المالية كميدان الصراع الحقيقي. هل يستطيع كامل إدريس فرض رؤيته الإصلاحية في وجود جبريل إبراهيم، الذي تُحركه مصالح سياسية واقتصادية ضاربة الجذور؟ الوزارة ليست مجرد حقيبة، بل هي مخزن الأسرار، وخط التماس بين شعارات الدولة وواقع النهب المنظم.
أما على المستوى السياسي، فإن الخطاب تجنّب بشكل ذكي الدخول في مواجهة مباشرة مع الفريق أول عبد الفتاح البرهان. لكنه في ذات الوقت مثّل صفعة غير معلنة للحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا، والتي رأت في حل الحكومة السابقة تفكيكًا لمواقع نفوذها. إدريس هنا ليس مجرد رئيس وزراء، بل هو واجهة لهندسة جديدة للسلطة، تُنفَّذ دون ضجيج، على طريقة البرهان في إدارة الخصومة : الهدوء قبل الإقصاء.
السؤال الآن: هل يستطيع كامل إدريس أن يترجم “الحلم المستحيل” إلى واقع؟ وهل يملك من الأدوات ما يمكّنه من تجاوز “الواقع المستعصي”؟ أم أن خطابه سيظل نصًا جميلًا يُضاف إلى أرشيف الكلمات التي لم تغيّر مجرى النهر؟
ما لم تتوقف الحرب، ويُرفع الظلم عن المهجّرين، وتُفتح ملفات الذهب، وتُستعاد ولاية المالية على المال العام، فإن كل ما قيل يبقى مجرّد بناء في الهواء.
السودان لا يحتاج من يحسن الحديث، بل من يجرؤ على لمس الجرح، ومواجهة الحقيقة، دون رتوش.
كامل أدريس لم يناقش قضايا النازحين ولا تحفظ عن الحدث عن ثورة ديسمبر و بعد ما أنتقد ذهب إلى زيارة مركز النازحين للتصوير فقط دون أي معالجات تذكر
هو أداة في يد الجيش و لن يستطيع القيام بالإصلاحات، هناك العديد من المعوقات التي سوف تواجهه